في أوزبكستان.. اكتشاف مفاجئ لمدينتين مطمورتين في أعالي الجبال

نشر
8 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لقرون.. اختفى أثر مدينتين دُفنتا تحت مراعي عشبية في جبال أوزبكستان البعيدة نحو 5 كيلومترات (3 أميال). ولأول مرة ينجح علماء الآثار برسم خرائط لهذين المعقلين المثيرين للاهتمام في مرتفعات جنوب شرق البلاد، اللتين كانتا ذات يوم مفترقًا رئيسيًا لطرق تجارة الحرير القديمة، واللتين تمّ التخلّي عنهما لأسباب لا يمكن تفسيرها.

واستعان الباحثون بأجهزة الكشف عن الضوء وتحديد المدى التي حملتها طائرات بدون طيار، يمكنها العثور على هياكل محجوبة بالنباتات، والتقطت صورًا تكشف عن مستوطنتين حضريتين كبيرتين بشكل مفاجئ، تتناثر فيهما أبراج المراقبة، والحصون، والمباني المعقّدة، والساحات، والمسارات التي ربما كان عشرات الآلاف من الناس يطلقون عليها اسم المنزل.

وقال عالم الأنثروبولوجيا مايكل فراتكيتي، المؤلف الرئيسي للبحث الجديد الذي نُشر في مجلة نيتشر الأربعاء، إنّ اكتشاف ما تصنفان بمدينتين صاخبتين في العصور الوسطى على ارتفاع يفوق 2000 متر (6562 قدمًا) فوق مستوى سطح البحر كان مفاجئًا.

محتوى إعلاني
كشفت الحفريات الأولية التي أجريت في موقع توغونبولاك عام 2022، عن فخار يعود إلى العصور الوسطى.Credit: Michael Frachetti

كانت الحياة في المستوطنتين صعبة، لا سيّما خلال أشهر الشتاء. وقال فراتكيتي، أستاذ علم الآثار في مختبر التحليل المكاني والتفسير والاستكشاف بجامعة واشنطن في سانت لويس لـCNN: "هذه أرض البدو، أرض الرعاة. إنها منطقة هامشية بالنسبة لمعظم الناس".

وبحسب الدراسة، يعيش 3% فقط من سكان الكوكب اليوم، على مثل هذه المرتفعات أو أعلى، خصوصًا على هضبة التيبت، وفي جبال الأنديز. وأشارت الدراسة إلى أن المستوطنات القديمة في المرتفعات، مثل ماتشو بيتشو في بيرو، تعتبر شاذة نظرًا لقسوة الحياة على ارتفاعات عالية.

وقال فراتكيتي عن مستوطنتي طريق الحرير المكتشفتين حديثًا: "إنهما تتمتعان ببيئة مختلفة حقًا هناك. إنه فصل الشتاء بالفعل. الجو بارد جدا. وينهمر الثلج صيفًا".

بدأ الفريق الأثري أعمال الحفر الأولية في الموقعين لكشف هوية من أسّس هذه المدن المفقودة الغامضة ولماذا.

مدن البدو الجبلية العالية؟

كانت جبال وسهول آسيا الوسطى موطنًا لمجموعات بدوية قوية لآلاف السنين. بنى هؤلاء البدو على ظهور الخيل إمبراطوريات، وركزوا حياتهم حول رعي الحيوانات مثل الأغنام، والماعز، والأبقار، منذ العصر البرونزي.

ومع ذلك، يعتقد فراتكيتي وزملاؤه أنّ مدينتي المرتفعات المكتشفتين حديثًا كانتا كبيرتين جدًا بحيث لا يمكن أن تكونا مجرد مراكز تجارية، أو محطات توقف على طريق الحرير. ويرجّح، كما استنتجوا في الدراسة، أن المستوطنتين الحضريتين بُنيتا لاستغلال خام الحديد الوفير الموجود تحت الأرض في المنطقة. ويأمل الفريق أن تكشف الحفريات عمّن أسّس المدينتين وعاش فيهما.

تظهر صورة LiDAR لـTugunbulak مستوطنة كثيفة على امتداد سلسلة من التلال.Credit: Michael Frachetti

وفي حديث له مع CNN، قال فراكيتي: "تقع المنطقة بأكملها على موارد ذات قيمة كبيرة في ذلك الوقت، وهي الحديد، كما أنها كثيفة في غابات العرعر التي كانت ستوفر الوقود (للصهر)".

وفي حين لا تصلح المنطقة للزراعة، فإنه يعتقد أنّ الأراضي المحيطة كانت ستدعم سكان المدن من خلال دعم قطعان الرعي كجزء من نمط الحياة الرعوي الذي كان موجودًا هناك منذ فترة طويلة. وإضافة إلى ذلك، فإن التضاريس الجبلية كانت ستوفر أيضًا موقعًا دفاعيًا فعالًا.

بالتوازي مع زميله الأوزبكي ومؤلف الدراسة المشارك فرهود مقصودوف، وهو باحث ومدير بالمركز الوطني للآثار في أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان، صادف فراتكيتي إحدى المستوطنات لأول مرة في عام 2011، أثناء إجرائه مسح أثري للمنطقة.

وقال: "حينها كان هدفنا دراسة تطور الرعي البدوي في هذه المناطق الجبلية في مرحلة ما قبل التاريخ".

وروى أنه "أثناء القيام بهذا العمل، عثرنا على أصغر المدينتين، تاشبولاك، وكان من المثير حقًا العثور على مدينة مرتفعة".

لأغراض أثرية خاصة بالبحث، استُخدمت للمرة الأولى معدات الكشف الضوئي وتحديد المدى (LiDAR) في المنطقة. Credit: Michael Frachetti

رسم الخرائط بالليزر وعجائب أثرية

اكتشف فراتكيتي وزملاؤه المدينة الثانية والأكبر بين المدينتين، توغونبولاك، في عام 2015 بعدما ذكر عامل غابات محلي أشكالًا مماثلة لتلك الموجودة في تاشبولاك في المشهد الطبيعي حيث يعيش.

وتابع: "قصدنا المكان وفناء منزله الخلفي حيث وجدنا قلعة تعود للعصور الوسطى. لم يكن يعلم بذلك.
صعدنا إلى التل ونظرنا إلى الخارج، ويمكننا رؤية التلال والأشكال الهرمية في كل مكان، وقلنا، يا إلهي، هذا المكان ضخم".

رسم الفريق خريطة للمدينتين في عام 2022، وأجروا 22 رحلة طائرة بدون طيار مزودة بتقنية ليدار. ووفقًا للدراسة، كانت هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الباحثون هذه التكنولوجيا بالمنطقة.

يتتبع مستشعر ليدار مقدار الوقت الذي تستغرقه كل نبضة ليزر للعودة، ويستخدم هذه المعلومات لإنشاء خريطة ثلاثية البعد للبيئة أدناه. لقد أحدثت هذه التقنية ثورة في دراسة التاريخ والثقافة البشرية وكانت مفيدة بشكل خاص في اكتشاف المواقع الأثرية في غابات الأمازون المطيرة ومواقع المايا في أمريكا الوسطى.

باستخدام معدات الكشف عن الضوء وتحديد المدى المحمولة بواسطة طائرات بدون طيار، تمكن علماء الآثار من رسم خريطة لمدينتين مهجورتين في جبال أوزبكستان.Credit: Michael Frachetti

وقال زاكاري سيلفيا، الباحث المساعد بمعهد جوكوفسكي للآثار والعالم القديم في جامعة براون برود آيلاند، إنّ المدن نشأت وازدهرت أخرى عند بلوغ طريق الحرير أوجها في العصور الوسطى. لكن المدن الأكثر شهرة على طول الطريق مثل سمرقند في أوزبكستان، وكاشغر في الصين، كانت تقع في واحات زراعية شاسعة.

كتب سيلفيا، غير المشارك في البحث، في تعليق ترافق مع البحث: "المواقع الحضرية المرتفعة نادرة بشكل غير مألوف في السجل الأثري بسبب مجموعة فريدة من تحديات المناطق الطبيعية، والمتطلبات التكنولوجية التي يجب التغلب عليها، حتى يتمكن الناس من تكوين مجتمعات كبيرة في المناطق الجبلية".

وأضاف: "إن اكتشاف تاشبولاك وتوغونبولاك يجبرنا على إعادة النظر في المفاهيم حول الموقع الأمثل لإنشاء مدينة".

ووجدت الدراسة، التي استندت إلى بيانات ليدار، أن توغونبولاك احتلت مساحة 1.2 كيلومتر مربع (120 هكتارًا) تقريبًا وأظهرت أدلة على وجود أكثر من 300 مبنى فريد، تتراوح أحجامها بين 30 و4300 متر مربع (323 إلى 46285 قدمًا مربعًا).

وفي الوقت ذاته، غطت تاشبولاك مساحة تتراوح بين 0.12 و0.15 كلم مربعًا (12 إلى 15 هكتارًا) وفي حين  كانت أصغر حجمًا، تضمنت قلعة مصنوعة من تل مرتفع محاط بهندسة معمارية كثيفة وتحصينات مسورة مصنوعة من الأرض المضغوطة. 

وجد فريق الدراسة ما لا يقل عن 98 مسكنًا مرئيًا، تشترك في الشكل والحجم المماثل لتلك الموجودة في توغونبولاك.

وقال إن الباحثين يعتقدون أن تاشبولاك كانت مأهولة بالسكان بين القرنين السادس والحادي عشر، بينما كانت توغونبولاك نشطة من القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر.

ليس من الواضح سبب هجر المستوطنتين. 

وعلّق فراتيكتي أنّ هذه " القصص ستصبح أكثر وضوحًا بمجرد أن نتعمق في علم الآثار". 

وأضاف أنه لا توجد أي علامة على أنهما تعرضتا للتدمير أو الحرق أو الهجوم، لكن هذا موضوع دراسة نشطة.

نشر
محتوى إعلاني