رأي.. "الهوس بالقنب".. نعم للماريغوانا ولا للمخدرات
مرت ثمانية أشهر منذ أن كتبت عن الماريغوانا الطبية، واعتذاري عن عدم البحث عميقا في التأثيرات المفيدة لهذه النبتة، وكتابة المقالات التي ترفض طاقتها العلاجية. وأنا أعتذر عن دوري في تضليل الناس سابقا، وأشعر بسوء كبير لأن بعض الأشخاص عانوا لفترة طويلة جدا، وهم غير قادرين على الحصول على الأدوية المشروعة التي قد تساعدهم.
وقد تم تذكيري أن تجربة علمية حقيقية ومنتجة تنطوي على الرغبة في التخلي عن الأفكار الراسخة والحصول على الحقيقة، حتى إذا كان الأمر غير مريح، وأن يعني ذلك قول كلمة "آسف ".
وهذه الرحلة العلمية هي عن عدد متزايد من المرضى الذين يريدون نبات القنب كدواء حقيقي، وليس للحصول على النشوة. ويرتبط الأمر بالعلوم الناشئة والتي لا تظهر وتثبت ما يمكن للماريغوانا القيام به فحسب، ولكن تقدم أفكارا أفضل عن آليات الماريغوانا في الدماغ، ما يساعد على فهم أفضل للنبتة والتي تم توثيق فوائدها منذ آلاف السنين. وهذه الرحلة هي أيضا عن نظام وحشي حيث أن السياسة تتجاوز العلم، فيما يحتجز المرضى في وسط ذلك كله.
ومنذ فيلمنا الوثائقي بعنوان "الحشيشة" والذي بث في آب/ أغسطس الماضي، واصلت السفر حول العالم، والتحقيق وطرح الأسئلة الصعبة حول الماريغوانا. والتقيت بمئات المرضى، وعشرات العلماء، والغالبية الكبرى والتي تريد فقط ببساطة فهما أعمق لهذه النبتة القديمة. ولقد ذهبت إلى مختبرات وحللت شخصيا الجزيئات الموجودة في الماريغوانا والتي لديها هذه الطاقة، ولكنها أيضا مصدر جدل شديد. ولقد رأيت تلك الجزيئات تتحول إلى أدوية ساهمت في معالجة مشاكل الصرع في الأطفال والألم لدى الأشخاص الكبار. ورأيت كيف أن ذلك ساعد امرأة في ذروة حياتها للتغلب على ويلات مرض التصلب المتعدد.
وأنا أكثر اقتناعا من أي وقت مضى أنه من غير المسؤول عدم توفير أفضل الرعاية التي في وسعنا تقديمها، وهذه الرعاية التي قد تنطوي في كثير من الأحيان على الماريغوانا.
أنا لا أتراجع عن موقفي من الماريغوانا الطبية.. أنا أصعد.
وأود أن أضيف أن موقفي من الماريغوانا لم يكن وحيداً، كما كنت أتوقع، إذ أن المشرعين في ولايات عدة قد تواصلوا معي، وكانوا حريصين على إبلاغي بموقفهم الخاصة والطلب بإظهار الفيلم الوثائقي أمام زملائهم المشرعين.
ولقد تجنبت أي حملات ضغط، ولكن بطبيعة الحال فإن ما يثلج الصدر هو أن نعرف أن الناس الذين لديهم تأثير يعطون أهمية للفيلم. أما المكان الذي سجل المشرعون فيه تحولا كبيرا في الموقف من الماريغوانا، فكان في جورجيا، إذ تم تمرير مشروع قانون حول الماريغوانا الطبية. وقبل بدء الدورة التشريعية كان معظم الناس يعتقدون أن القانون ليس لديه فرصة للنجاح.
وتجدر الملاحظة إلى أن العديد من الأطباء والعلماء، كان لديهم خوف من نبذهم بسبب موقفهم من الماريغوانا، واتصلوا بي سرا لتبادل القصص الخاصة بهم عن المادة المخدرة، والفائدة التي قدمتها لمرضاهم. وآمل أن الفيلم الوثائقي المقبل سيسمح بالمزيد من النقاش المفتوح، وتوظيف العلم في هذه العملية.
أما الماريغوانا فيتم تصنيفها، في مادة الجدول الأول، والتعريف بها أنها "أخطر" أنواع المخدرات" مع عدم وجود استخدامات طبية مقبولة حاليا. ولم يكن أي من تلك البيانات في أي وقت مضى واقعية. ويوجد العديد من النقاد من بين أكثر المتحمسين للماريغوانا الطبية، والذين لا يتفقون مع تصنيف الجدول الأول، خصوصاً أنها أعاقت تلك القدرة على إجراء البحوث اللازمة على النبتة.
ويبدو حتى أن رئيسة المعهد الوطني لتعاطي المخدرات، الدكتورة نورا فولكوو، قد خففت من موقفها، إذ قالت لي إنها تعتقد أننا بحاجة إلى تخفيف القيود المفروضة على الباحثين.
وتدريجياً، أصبح الجمهور منخرطا بشكل أكبر، فيما أولى المجتمع اهتماما أكبر لهذه القضية من أي وقت مضى، وذلك بسبب زيادة المعرفة، ما أدى إلى تزايد دعم الماريغوانا، بما في ذلك في بعض الأماكن غير المتوقعة.
وقال بيت كارول، مدرب "سوبر بول سياتل سي هوكس" إن الرابطة الوطنية لكرة القدم ينبغي أن تكتشف إذا كانت الماريغوانا الطبية تساعد اللاعبين. أما مفوض اتحاد كرة القدم الأمريكي روجر غودويل، فلم يرفض الفكرة، قائلا إنه إذا تم إعادة النظر بالماريغوانا من قبل المؤسسة الطبية ، فإن الدوري سيتعامل معها مثل أي دواء آخر. وقال غودويل أيضا إن اتحاد كرة القدم الأمريكي يتابع العلم الذي يشير إلى الماريغوانا قد تساعد على الشفاء من ارتجاج الدماغ.
ومؤخرا، كان لدي الفرصة لأقول له إن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل براءة اختراع للماريغوانا الطبية لهذا الغرض بالتحديد، والتي تفيد أنه تم العثور على القنب والذي لديه تأثير على الحد من الأضرار العصبية مثل السكتة الدماغية أو الصدمة.
ومع ذلك، لا تزال هذه المسألة بالذات تزعجني: كيف يمكن للحكومة أن تنكر فوائد الماريغوانا الطبية حتى وهي حاصلة على براءة اختراع لتلك الفوائد ذاتها ؟ ورفض أعضاء إدارة الغذاء والدواء طلباتي المتكررة للمقابلة.
وخلال العام الماضي، قال الرئيس باراك أوباما لمجلة نيويوركر "لا أعتقد أن الماريغوانا هي أكثر خطورة من الكحول". و حتى الآن، لا تزال الكحول متاحة لأي شخص ناضج، فيما أن الرئيس لم يتحرك لإزالة الماريغوانا من قائمة أكثر المواد الخاضعة للرقابة بإحكام في البلاد.
ومنذ أن بدأت تقريري حول هذا الموضوع ، فقد قاومت إغراء إدخال المعادلة الأخلاقية في هذه المناقشة، مثل وضع الكحول في مقابل الماريغوانا أو التذكير أن الكوكايين والميثامفيتامين، هما في الواقع أكثر توافرا من الماريغوانا للمرضى والأطباء والباحثين في مجال الطب، وهي أدوية من ضمن الجدول الثاني، مع الاستخدامات الطبية المعترف بها، أو القول إن شخصا يموت في هذا البلد كل 19 دقيقة بسبب وصفة طبية قانونية لجرعة زائدة من الأدوية في حين أنه لم يسمع تقريبا أن جرعة زائدة من الماريغوانا قتلت أحداً.
ونحن نتحدث عن دواء، والمعروف علميا باسم القنب. ومن أجل أن يتمكن الناس من البدء في التفكير في هذه المادة كدواء، ربما ينبغي لنا أن نصف النبتة باسم طبي، وهو الأمر الذي تم اقتراحه علي من قبل دعاة الماريغوانا الطبية الى حد كبير في كل مكان ذهبت إليه خلال العام الحالي.
ولقد حاولت تجميع هذه التطورات الأخيرة في الفيلم الوثائقي جديد "جنون القنب"، وذلك رغم أن الفيلم "جنون سيجارة القنب الهندي" في العام 1936 كان دعاية من الأكاذيب. وآمل أن تجدوا "جنون القنب" انعكاسا دقيقاً لما يجري اليوم، والذي تم دعمه بأفضل الدراسات العلمية الحالية.
وستلتقون بالأسر في جميع أنحاء البلاد، إذ أن أكثر من مائة أسرة لديها وظائف ومنازل وأصدقاء وعائلة تركوا كل ذلك وانتقلوا الى كولورادو، للحصول على الدواء الذي يخفف من معاناتهم. وكما تبدو الأمور الآن ، فإن العديد من هؤلاء الناس ليس لديهم الحق في العودة إلى ديارهم. لماذا؟ لأن نقل الدواء، و حتى لو كان بشكل زيت القنب، قد يؤدي إلى اعتقالهم بتهمة الاتجار بالمخدرات. وهم بذلك يطلق عليهم تسمية "لاجئي القنب."
ستجتمعون بكل هؤلاء، وإذا كنتم مثلي، فستشعروا بالحزن لسماع قصصهم، وخصوصاً عندما تشعروا بالحب الخام والحقيقي الذي يشعره هؤلاء الأهل تجاه أطفالهم المرضى.
أما كتب التاريخ فقد ترسم في إحدى الأيام خطا فاصلاً بين الماريغوانا الطبية وقصة داود و جالوت. وسوف تلعب فيفيان ويلسون التي تبلغ من العمر عامين دور مقلاع داود، والذي أدى في نهاية المطاف إلى أن يجث جالوت على ركبتيه. ولقد قدمت الوحي لوالدها لتحدي النظام بطريقة مذهلة. لعدة أشهر، قمنا بتصوير وتتبع عائلة ويلسون مع كل من المحاكمات والمحن، و سوف يجتمع جميع أفراد الأسرة في الفيلم الوثائقي المقبل.
أنا أيضا والد، أولا وقبل كل شيء. أنا لا أريد لأطفالي تناول المخدرات. وكطبيب في جراحة الأعصاب، أنا أعلم أن الدماغ في قيد النمو هو أكثر عرضة للآثار الضارة من القنب و أن نمو الدماغ يستمر أيضا حتى منتصف العشرينيات.
وأنا أشعر بالقلق أيضا لأن الأجيال المقبلة، وأحفادي سيجدون عناوينا على الانترنت تصفني بأني "دكتور المخدرات". أرجو أن يقرأ كل هؤلاء بقية القصة وفهم حياة عدد لا يحصى من الناس الذين عانوا بلا داع عندما كانت نبتة ما يمكن أن تساعدهم. آمل أنهم يعرفون بأنني كرست وقتي للبحث في الأدب الطبي ، والتحدث إلى العلماء وعرض الواقع الذي يهدف إلى التثقيف وليس التخويف .
آمل أن الأجيال القادمة لن تنظر إلي بسذاجة. نعم، أعرف بوجود مخاوف من أن العديد من الأشخاص سيحاولون اختلاق الأمراض لمجرد الحصول على الماريغوانا. ولكن حجب العلاج الشرعي للأشخاص المحتاجين، هو وسيلة بالغة الإجحاف لمعالجة هذا القلق.
وكطبيب ومراسل، أشعر بالتزام أعمق لتقديم القصص الحقيقية، بدعم سليم من العلم في جميع أنحاء العالم.
وعندما اعتذرت في البداية عن تقرير حول الماريغوانا، كنت أفكر في الأثر الذي فعله التقرير على تشارلوت فيجي، وهي فتاة صغيرة حلوة عانت من توقف النشاط في دماغها. ولكن دون جدوى، جربت سبعة أنواع مختلفة من الأدوية، والوجبات الغذائية والمكملات الغذائية. أما الطب الحديث فليس لديه ما يعرضه، وهذا هو السبب في اتخاذ والديها قراراً بأن يتم معالجتها من خلال نبتة الماريغوانا.
وكما سترون، فإنها واحدة من الكثير من المرضى، والذين يعانون من أمراض مختلفة، ويعتقدون أن القنب أنقذهم عندما فشلت جميع المحاولات الأخرى .
لظروف مثل شارلوت، تقول جمعية الصرع الأمريكية أن هناك ملايين الناس الذين لديهم علاجات حالية لا تسيطر على نوباتهم المرضية. وأوضحت الجمعية في الآونة الأخيرة أن الحكايات حول الماريغوانا الطبية "تعطي سببا للأمل" وأنها تؤيد الدراسات التي تؤدي إلى فهم أفضل لهذا المرض وتطوير علاجات آمنة وفعالة.
ويجب أن نعرف أن شارلوت تتحسن، وعندما رأيتها منذ فترة، فإنها ركضت نحوي وغمرتني، ونظرت في عيني، وأخذت يدي، للقاء أصدقائها. هي فتاة صغيرة، وسعيدة وبصحة جيدة الآن.
وأنا أعلم أن النقاش حول هذا الموضوع سيزيد بلا شك من حدة الأمر. ولكن، أشعر بمسؤولية أكبر من أي وقت مضى للتأكد أيضا من أن تلك النقاشات الساخنة يتم دعمها بالعلم.
* كاتب المقال الدكتور سانجاي غوبتا كبير المراسلين الطبيين في شبكة CNN