"بشر يتزودون بالوقود"..هكذا يعكس فنان "الجيل الضائع" في اليابان
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- على أرض "هالو كيتي"، وخلال فترة بزوغ فن البوب الجديد باليابان في التسعينيات، كان يُعتبر الفنان السريالي تيتسويا إيشيدا غريبًا.
ولم يكن إيشيدا، الذي توفي في عام 2005 عن عمر يناهز الـ31 عامًا، وحيدًا، وفقًا لمن عرفوه، ولكنّه تميز عن معاصريه وعن الحركات الفنية الأكثر شهرة في تلك الحقبة، مصوّرًا في أعماله الفنية التيار الخفي العميق والمظلم من القلق والخوف الذي يتغلغل في شباب بلاده.
وتعكس لوحاته المُخيفة، التي تصوّر الموظفين وأطفال المدارس، الشعور بالوحدة والغرابة واليأس، وتقدّم لمحة عما يعنيه أن تكون جزءًا من "الجيل الضائع" في اليابان، أي الشباب الذين وجدوا أنفسهم عاجزين بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها البلاد خلال فترة التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي عمله الفنّي الذي صدر في عام 1996 بعنوان "وجبة التزوّد بالوقود"، يقوم صفّ من العمال الآليين، بتعابير وجه معدومة، ويرتدون مآزر وقبعات، بإطعام رجال مجهولين يرتدون ثياباُ سوداء، من خلال أجهزة تُشبه مضخات الغاز.
وفي لوحة أخرى أنتجها في العام التالي، رسم إيشيدا شخصية رجل بظهر منحني الظهر ويرتدي بدلة ممزقة، وجسده محاصر حيث يبدو أنه يتحوّل إلى شاحنة صناعية، تُعرف باسم الرافعة الشوكية.
أما عن الأطفال الذين صوّرهم، فكانوا في كثير من الأحيان محتجزين بالمثل.
وفي لوحة تحمل عنوان "سجين" رسمها إيشيدا عام 1999، تظهر شخصية طفل عملاق في وضعية الرقود، وجسده مثبّت في مكانه بواسطة هيكل مبنى مدرسة، ويقف حوله طلاب بالحجم الطبيعي يرتدون ملابس رياضية في الملعب المجاور، ولا يبدو أن أيًا منهم يتفاعل معه أو حتى مع بعضهم البعض، في نقد صارخ لنظام التعليم الياباني.
وفي مقابلة مع CNN بالفيديو، قال نيك سيمونوفيتش، وهو المدير الإداري لمعرض "غاليري غاغوسيان" في آسيا، الذي يمثّل أعمال إيشيدا نيابة عن ورثته: "أعتقد أن التأثير القوي في أعماله يكمن في أننا نجد أنفسنا في هذه اللوحات".
وأضاف: "لقد كانت أعماله ذات بصيرة لا تُصدّق فيما يتعلق بتقييم الحالة الإنسانية بينما نندفع بسرعة نحو مستقبل بالكاد نستطيع فهمه".
وفي فرعها بمدينة نيويورك الأمريكية، أقامت سلسلة "غاليري غاغوسيان" مؤخرًا معرضًا استعاديًا لأعمال إيشيدا بعنوان "نفسي القلقة".
وبينما تلتقط اللوحات لحظة معينة من الزمن في اليابان، يعتقد سيمونوفيتش أن المواضيع التي تناولها إيشيدا أصبحت أكثر إلحاحًا وذات صلة الآن، إذ تعد الغربة، والعزلة، والقلق الاجتماعي، وانتشار التكنولوجيا جميعها تحديات يواجهها الناس اليوم.
ورأى سيمونوفيتش أن إيشيدا "كان قادرًا على إبراز المخاوف الاجتماعية الأوسع في اليابان بتلك الحقبة (في أعماله)".
و خلال حياته، لم يكن إيشيدا معروفًا نسبيًا، حتى في بلده اليابان. ولكن الاهتمام الدولي بأعماله تزايد منذ وفاته، حيث حرصت العديد من المؤسسات - بما في ذلك متحف سان فرانسيسكو للفنون الآسيوية والجناح الإيطالي في بينالي البندقية السادس والخمسين - على عرض أعماله.
وقد حققت العديد من لوحاته مبالغ كبيرة في المزاد، بما في ذلك لوحة "الرجال على الحزام الناقل" التي بيعت بأكثر من 8 ملايين دولار هونغ كونغ (مليون دولار أمريكي) في دار "سوذبي" للمزادات العام الماضي، وكذلك لوحة مخيفة من دون عنوان لرجلين عملاقين يرتديان ربطتي عنق عالقتين في سقالات البناء، جلبت 6.25 مليون دولار هونغ كونغ (800 ألف دولار) في دار كريستيز للمزادات خلال عام 2021.
وقال جاكي هو، وهو نائب الرئيس الأول لقسم الفنون لدى دار كريستيز للمزادات بفرع آسيا والمحيط الهادئ، لـ CNN عبر البريد الإلكتروني: "يمكنني القول إنه واحد من الفنانين القلائل - إن لم يكن الوحيد - من بين أفراد جيله الذين ابتكروا مثل هذه الأعمال القوية نفسياً بهذا الأسلوب".
وأضاف أن "مدينة اليابان الحضرية التي صورتها أعمال إيشيدا قبل 20 عامًا كانت متقدمة للغاية وسابقة لعصرها لدرجة أنها لا تزال ذات أهمية اليوم، إذا نظرنا إلى جميع المدن المتقدمة حديثًا في عالمنا"، مؤكدًا أن "ملاحظاته الشديدة تجاه المجتمع الذي كان فيه وقتها، كانت في الوقت المناسب ولا تزال خالدة".