ستُصيبك بالدوار.. لماذا صورت هذه الفنانة نفسها عند ارتفاعات مخيفة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- رُغم خوفها من المرتفعات،بدأت المصوّرة الكوريّة الجنوبية، آن جون، سلسلة من الأعمال التي دفعتها إلى أقصى حدودها، إذ وقفت على قمة ناطحات السحاب لتصوير مشاهد تثير مشاعر الدوار. واستغرقت إنتاج هذه الأعمال أعوام عدّة.
في سلسلة من الصور الشخصية، جلست آن على زوايا الأسطح، وحواف المباني، وأظهرت جسدها بالكامل أحيانًا، جاثمًا على الحافة.
وفي صور أخرى، لم تكشف المصوّرة إلا عن ساقيها وقدميها أثناء التدلّي من ارتفاعٍ شاهق.
هذه الأعمال لم تكن نتيجة اهتمام مفاجئ بالسلوكيات المشبعة بالإثارة، بل سعي الفنانة لتجسيد فكرة أكثر مفاهيمية، ألا وهي الإحساس بالفراغ.
وأثناء التركيز على نهاية سنوات مراهقتها، توصلت آن إلى تعريف الحاضر باعتباره فراغًا بين الماضي والمستقبل، كما أوضحت لـCNN.
وشعرت المصورة أنّ المرة الأولى التي نظرت فيها إلى حافة شقتها في مدينة مانهاتن أكّد هذا الشعور بالنسبة لها.
واستذكرت الفنانة تلك اللحظة وقالت: "اقتربت من الحافة ونظرت إلى الأسفل، وكان هناك فراغ".
وفي السابق، بعثت أسطح المباني شعورًا بالراحة بالنسبة لآن، وفي الأيام المشمسة، كانت تستمتع بالطقس الدافئ، والرياح الخفيفة أثناء عملها من سطح منزلها كمترجمة من اللغة الإنجليزية إلى الكورية.
وساعدها ذلك على إنهاء دراستها العليا في معهد "برات" ببروكلين.
لكن عندما أدت الأزمة المالية عام 2007 إلى انهيار اقتصادي، سمعت المصورة نكتة قالها غريب أثناء حفلة عن رغبة صديق له، كان قد خسر مبلغًا كبيرًا من المال في سوق الأوراق المالية، بالانتحار قفزًا.
هذه العبارة جعلتها تفكر بالأسطح كمكان ثنائي، وأوضحت: "إنه مكان للراحة بالنسبة لي، لكنه قد يكون حاضنًا للحظة الأخيرة من حياة شخص يشعر باليأس".
بين المرتفعات
على مدى 5 أعوام، قامت آن بتصوير نفسها على أسطح المباني، وفي بعض الأحيان كانت ترتدي حزامًا خاصًا بتسلّق الجبال للحفاظ على ثباتها، لكنّها لم تستغن به في لقطات أخرى.
ومع أنّها تلاعبت أحيانًا بالمنظور، إلا أنها لم تستخدم برنامج "فوتوشوب" قط لتحسين صورها.
في البداية، كانت الكورية توثّق صورها من مواقع شاهقة فوق مبناها السكني، وشقق أصدقائها في نيويورك، لكن توسّع المشروع مع مرور الوقت.
وأوضحت أنّها حصلت على إذن للتصوير في الجزء العلوي من المبنى "رقم 63" في مدينة سيؤول، وهو يُعد "رمزًا للتنمية الاقتصادية السريعة" في كوريا الجنوبية، كما قامت بالتصوير في هونغ كونغ بدعم من مجلس السياحة هناك.
وبعد ظهورها على غلاف أحد أعداد المجلة البريطانية للتصوير الفوتوغرافي في عام 2013، والكتابة عنها في منصات عبر الإنترنت مثل "ذا غارديان"، انتشرت صورها بشكلٍ كبير.
لكن في ذلك العام، توقفت آن عن العمل على المشروع، مشيرةً إلى أنّ الطريقة التي فهم بها المشاهدون صورها تغيرت بشكلٍ جذري مع ظهور منصة "إنستغرام" في مطلع عام 2010.
بداية، اعتبرت الفنانة مشروعها "أداء من دون جمهور"، لكن على منصة التواصل الاجتماعي الناشئة، شرحت أنّ الصور توجهت نحو "الصيحة المستمرة لأداء حياتنا أمام الكاميرا".
كما بدأ مستخدمو الإنترنت يربطون صورها أيضًا بصيحة "السيلفي" المتمثلة بـ"تسلق الأسطح" (rooftopping)، ويتسلّق خلالها المغامرون ناطحات السحاب وسواها من المباني الشاهقة من دون معدات، ويلتقطون صور "السيلفي" في الأعلى.
وسرعان ما امتلأ بريدها الإلكتروني بالرسائل، وتمتعت بعضها بردود فعل إيجابية، بينما وجهت بعضها الانتقادات لها، وتحرش بها البعض جنسيًا عبر الرسائل، بحسب ما أوضحت.
وقررت المصورة الانتقال إلى مشاريع أخرى، رُغم استمرار عرض بعض أعمالها المطبوعة في معارض مثل Paris Photo أخيرًا، وبيينالي "دايجو" للتصوير الفوتوغرافي في كوريا الجنوبية الخريف الماضي.
وفي أبريل/ نيسان، ستعرض الفنانة بعضًا من أعمالها في معرضٍ ينظم بمتحف "إيري تايكيتشي" التذكاري للتصوير الفوتوغرافي باليابان.
وبعد عِقد من الزمن، ظهر الأثر الكبير لمشروعها المبكر على أعمالها اللاحقة، إذ واصلت آن استكشاف الزمان، والمكان، والجاذبية، فهي ترى الحياة "كعملية سقوط حر".
أثناء دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة "هونجيك" في سيؤول، التي تخرجت منها في عام 2017، أصبحت المصورة مهتمة بقدرة التصوير الفوتوغرافي عالي السرعة، على التقاط صور تبدو وكأنها تتحدى قواعد الفيزياء.
ومنذ عام 2021، تنقّل معرض صغير لأعمال آن القديمة بعنوان On Gravity دوليًا، واستند إلى فكرة محاولة العثور على الجمال والمعنى في وجه الحتمية.
وقالت المصورة إنّه يمكنك "مواجهته، وتقبله، أو أن تحاول المقاومة"، ومن ثم أضافت: "بالنسبة لمعظمنا، حياتنا موجودة في مكان ما بينهما".