مصور من أصحاب البشرة السوداء يدخِل نفسه إلى أماكن لم يرده التاريخ فيها
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- للوهلة الأولى، قد تبدو مجموعة الصور القديمة هذه طبيعية، ولكن إن أمعنت النظر ستجد أنّ شخصا واحدا يبرز في الصور بشكل خاص.
وفي هذه السلسلة، من تصميم المصور البريطاني لي شولمان ومصور البورتريه الذاتي السنغالي عمر فيكتور ديوب، يستخدم الثنائي مجموعة من الصور العائلية من أمريكا خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ويقومان بإدراج ديوب في سلسلة من المشاهد الحميمية، وفي أماكن غالبًا ما استبعِد فيها أصحاب البشرة السوداء بتلك الحقبة.
أما عن أصل هذه الصور، فقد اشتراها شولمان من موقع eBay منذ سنوات من أجل سلسلة صور فوتوغرافية أخرى.
وقد حفّزت مجموعة الصور القديمة تلك العديد من المشاريع الجانبية، من بينها هذه السلسلة، التي تحمل عنوان "Being There" (الوجود هناك)، التي أبصرت النور لأول مرة في معرض "Paris Photo" في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023، وتحوّلت مؤخرًا إلى كتاب مصوّر.
واستلهم شولمان فكرة سلسلة "Being There" عندما لاحظ أن العديد من الصور تحتوي على مقعد فارغ، الذي غادره المصوّر من أجل التقاط الصورة.
وقال لـ CNN في مقابلة فيديو مشتركة مع ديوب: "كان هناك هذا غياب".
وأوضح أن كون هذه الصور قد التقطت في أمريكا خلال فترة حركة الحقوق المدنيّة الأمريكية، شغل تفكيره كثيرًا.
وسرعان ما أصبح هذا الغياب معنويا.
وتطوّرت فكرة الشخص المفقود من المقعد إلى رمز للعوالم والشعوب التي غالبًا ما يتم استبعادها من امتيازات أمريكا البيضاء.
وأضاف شولمان: "في كل مرة رأيت ذلك الكرسي، رأيت عمر جالسا عليه".
ورغم أن المصورين لم يلتقيا قط، إلا أن شولمان يمتلك عددًا قليلًا من أعمال ديوب الفنية، الذي يتمتع بخبرة سابقة في هذا المجال.
وأشار شولمان إلى سلسلة ديوب الذاتية، التي تحمل عنوان Diaspora "الشتات"، والتي تصوّر الأفارقة خارج أفريقيا خلال حقبات مختلفة من التاريخ.
وبالمثل، يستمر هذا الحس باللعب والفكاهة في سلسلة "Being There"،حيث يقدّم ديوب المبتسم في كثير من الأحيان حضورًا مرحا في كل صورة.
وقام شولمان وديوب بتنسيق اختيار الصور معًا. وقال شولمان: "كنا نبحث عن صور تغطّي نطاقًا واسعًا من الحياة، كأنه ألبوم صور عائلي".
وفي الصور، تبرز كذلك علامات على الثراء، من عطلة منتجع تزلّج ورحلة قصيرة في هاواي، إلى جانب مغامرات أكثر تواضعًا، مثل نزهة على جانب الطريق ويوم في حديقة الحيوان.
وتكشف الصور الحياة داخل المنازل أيضا، حيث يظهر ديوب غالبا في الجزء الخلفي من احتفالات أعياد الميلاد والتجمّعات العائلية الأخرى.
ومهما كان الأمر اليومي، فإن التقاط هذه اللحظات بالكاميرا يعد علامة على الامتياز العرقي والطبقي، حسبما ذكره شولمان.
وفي صور أخرى، يظهر ديوب وهو يتجول في حمام سباحة عام، ويتخرج من الكلية، ويجلس داخل حانة مزدحمة.
ويبرز ديوب وهو محاط بوجوه أشخاص بِيض، ويحتل مساحات كانت تفصل بين العرقين تاريخيًا في بعض الولايات الأمريكية.
وقال ديوب: "إن الإمكانات السياسية لهذه السلسلة جعلت من السهل جدًا بالنسبة لي الانخراط فيها".
وأضاف: "نحن نميل إلى النظر إلى التاريخ بنظرة مبهرة. وبذلك ننسى مدى سهولة عدم إفساح المجال لشخص مختلف".
وأشار إلى أن هذه السلسلة تعد بمثابة "دعوة للنظر إلى حياتنا الحالية ورؤية عدد الأشخاص المختلفين عنا الذين نسمح لهم بالدخول إلى مجموعتنا الحميمة".
ومن المفارقات أن إدخال ديوب في هذه اللقطات العفوية تطلّب الكثير من التخطيط.
وقد استعان ديوب بالأزياء الخاصة بتلك الحقبة إضافة إلى شاشة خضراء وإضاءة تحاكي الإضاءة الموجود في كل صورة.
وقد تمكن ديوب من إدخال نفسه في الصور خلال مرحلة ما بعد الإنتاج الرقمي، مضيفا أي ظلال أو ضبابية أو حركة في اللقطة.
ولم يقرر الثنائي ما إذا كان ديوب يجسّد دور الشخصية ذاتها في كل صورة، أو يظهر كمسافر عبر الزمن.
وقال شولمان: "أحد أسباب نجاحه (ديوب) هو النظرة التي ينظر بها أحيانًا نحو الكاميرا، حيث تشعر أنه يعرف المصور".
ومن ناحية أخرى، إذا كان الأمر يتعلق بخرق ديوب لاستمرارية الزمان والمكان، فستُقرأ الصور كما لو أنه يُطلع المشاهد على السر.