لماذا يبلغ ثمن كيلوغرام من هذا الشاي الصيني قيمة 184 ألف دولار أمريكي؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بدأ تناول الشاي في فترة بعد الظهر للتو في مطعم "Glassbelly Tea Lab" الفاخر في هونغ كونغ، حيث يتم تناوله على ثلاثة مراحل.
وتجذب ثمانية أكواب من الشاي الزبائن إلى هذه المساحة المظلمة المكسوة بألواح خشبية، في حي كوزواي باي المزدحم في المدينة.
وإلى اليسار، تحتوي ثلاثة أكواب على ثلاثة أنواع مختلفة من الشاي الساخن: شاي بوير (Puerh) الخام المعطر برائحة البرقوق، شاي غولد نيدل ديان هونغ (Gold Needle Dian Hong) الأسود وهو جديد نسبيًا مصدره مقاطعة يونّان، وروغي (Rougui) المعطر بالخث، وهو نوع من شاي أولونغ الصخري الأسود الذي تشتهر به جبال وويي في مقاطعة فوجيان الصينية.
وإلى اليمين، نجد شاي "Full Blossom Rougui" المقطّر البارد والذي يتم تقديمه بخمسة كؤوس نبيذ من العلامة التجارية "ريدل".
وقال لي النادل "من فضلك تنشّقي"، مضيفًا: "ستتنشقين في كأس الكونياك رائحة الفاكهة. وفي كأس اللون العنابي، ستشعرين بالمزيد من نكهات الزهور".
إنها طريقة غير عادية وحديثة لعرض عينات من الشاي. لكني هنا في مهمة لمعرفة السبب وراء كلفة حفنة من بعض أنواع أوراق الشاي الصيني الباهظة التي تضاهي آلاف الدولارات.
ويشتهر مطعم "Glassbelly" بتقديمه شاي أولونغ روك من جبال وويي، أحد أغلى أنواع الشاي على هذا الكوكب. إنه نوع محدد من شاي أولونغ الذي ينمو على الصخور في جبال وويي الواقعة شرق الصين، ومن هنا جاء اسم "شاي الروك".
وتشمل أصناف شاي الصخور التي تشتهر بها هذه المنطقة، شاي "Rougui" وشاي "دا هونغ باو" (Da Hong Pao)، وشاي "زيان" (Shui Xian) الأقرب إلى القرفة، وشاي "Big Red Robe"، و شاي "Narcissus".
أما أغلى شاي في هذا المطعم الراقي فهو نوع نادر من شاي الروغي يُعرف باسم "Niu Lan Keng Rougui"، تيمنًا باسم جدول يمر في وادي يحمل الاسم ذاته في جبال وويي.
وكم يبلغ سعر التجزئة لهذا الشاي؟ 4560 دولارًا لكل 25 غرامًا، أو 184.615 دولارًا للكيلوغرام. أما الاستمتاع بتناول مشروب واحد من هذا الشاي داخل المطعم فتبلغ كلفته 3577 دولارًا.
وكيف يتم إعداد هذا الشاي؟ توضع نحو 5 غرامات من أوراق الشاي في إبريق شاي صغير يتّسع لـ150 أو 200 مل.
مزادات الشاي
لطالما كان الشاي النادر يُباع بأسعار باهظة في الصين. وبالتالي هذا ليس بأمر جديد.
وبيع في عام 2002 بمزاد علني 20 غرامًا من شاي "Da Hong Pao" الذي كان يتناوله الإمبراطور فقط، المستقدم من جبل وويي في مدينة قوانغتشو الصينية، بـ28 ألف دولار أمريكي.
وفي عام 2009، بيع 100 غرام من شاي "Taiping Houkui" الأخضر المستقدم من أنهوي بالمزاد لقاء 31300 دولار في مدينة جينان الصينية.
وحديثًا، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، أطلقت دار سوزبي للمزادات في هونغ كونغ أول مزاد للشاي، مع التركيز على شاي "Puerh" العتيق. وبيعت كعكة شاي تزن 330 غرامًا ضغطت فيها أوراق الشاي على شكل كعكة/ لقاء 72150 دولارًا.
فهم الشاي الصيني
وهناك ستة أنواع رئيسة من الشاي الصيني: الشاي الأخضر، والأبيض، والأصفر، والشاي الصيني الأسود، والشاي الأسود، والشاي الداكن.
أمّا تصنيف كل منها فيتم من خلال كيفية معالجة الأوراق ومدة تخميرها. فالشاي الأخضر لا يخمّر فيما الشاي الداكن يُخمّر مرتين.
وتنضوي تحت كل فئة أنواع مختلفة من الشاي سُميت لأسباب عدة، منها الموقع الذي أخذت منه، مثل شاي "Puerh" الذي تجده فقط من أماكن محدّدة من يونّان.
ولأوراق الشاي أهمية أيضا، إذ تستخدم ورقة شاي "Lapsang Souchong" بأكملها، فيما يتم الاكتفاء ببراعم أوراق شاي "Jin Jun Mei".
وأوضحت وينغ يوينغ، مؤسسة مطعم "Glassbelly" أنه من أجل فهم سبب ارتفاع أسعار بعض أنواع الشاي، عليك أن تفهم أولاً ماهية الشاي الجيد.
وهذا سؤال صعب الإجابة عليه رغم أنّ الشاي يعتبر أحد أكثر المشروبات شعبية في العالم.
وقالت يوينغ التي عملت بصناعة النبيذ أيضًا، وتخصصت في نوع البورغوندي إنّ "المشكلة الرئيسة في الشاي الصيني أنه لا توجد إجابة خاصة لماهية الشاي الجيد. لأنّ هناك العديد من القصص العاطفية والعناصر الفنية المتداخلة عندما يتعلق الأمر ببيع الشاي، لكن هناك القليل جدًا من النكهات الفعلية للشاي".
وأشارت إلى أنّ النبيذ والقهوة، مشروبات مشتقة من النباتات التي حققت نجاحًا أفضل بكثير من الشاي الصيني في الأسواق التجارية.
عدم وجود نظام موحد معترف به على نطاق واسع
يساهم عدم وجود نظام موحّد معترف به بهذا الإرباك بالأسعار الذي نشهده.
وبالمقارنة مع النبيذ أو القهوة، فإن سوق الشاي أقل شفافية. وتزعم يوينغ أنّ فريقها سكب شايًا بقيمة 5 ملايين دولار تقريبًا بهدف إيجاد إجابة على هذا السؤال في العقد الماضي، الأمر الذي دفعهم لفتح مطعم "Glassbelly" عام 2021.
أما الاسم، "Glassbelly"، فمستوحى من شخصية صينية شبه أسطورية قديمة، وهي "Shennong" (شينونغ) أي المزارع الإلهي.
وبحسب الأسطورة، كان لدى شينونغ بطن نصف شفافة. لمساعدة العالم على اختبار استخدام النباتات ومدى السموم فيها. وكان شينونغ يأخذ عينات من كل عشبة يصادفها ويسجّل كيف تغيرت في جسمه، وبينها الشاي.
وأملت يوينغ أن يساهم مطعمها "Glassbelly" بإبراز بعض الوضوح في السوق، وذلك جراء اعتماده مقاربة حديثة وعلمية لتناول الشاي.
وقالت يوينغ: "ربما تغيرت صناعة الشاي، لكنّ تقنية البيع ما برحت كما كانت قبل ألف عام، مستندة إلى الكثير من المفاوضات التجارية الهادئة وإبرام الصفقات السرية".
دولاب نكهة الشاي
وبعد مرور عقد من السفر بين هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين، غالبيتها إلى جبل وويي، دوّنت يونغ آلاف ملاحظات التذوق لتطوير نسخة "Glassbelly" من نكهة الشاي الصيني التي تقدمها.
وفي هذا الصدد أوضحت يوينغ أنّ "شاي وويي هو شاي بورغوندي، معقد جدًا. إنه ما تطلق عليه الصناعة اسم الشاي الخام أي غير المخمر بالكامل. لذا فهو يتغير باستمرار في كوبك وكذلك في فمك".
ويحتوي الشاي الصخري على أكثر من عشرة أنواع من النكهات، لكن عليك البحث عن القليل من براعم التذوق مثل الحمضيات، وخشب الصندل، والقرفة.
وينظم مطعم "Glassbelly" ورش عمل حول شاي "Puerh"، وترى المالكة أن هذا الشاي المعتق غير جيد أو صحي لأن الجسم يرفضه. وهذا القول لا يتوافق مع المعتقدات السائدة.
الحقيقة التي بقيت طيّ الكتمان
وأثارت وجهات نظر مالكة مطعم "Glassbelly" المتضاربة بعض الدهشة في الصناعة.
لكن رأت يوينغ أنّ "الحقيقة دائمًا ما تكون مثيرة للجدل. والجدل يجعل الناس يفكرون مرارًا. ويأتي التطوّر الثقافي عادةً بعد ذلك".
وقال مجمّع الشاي "Puerh" رايموند راي الذائع الصيت الذي أعرب إن "مذاق شاي Puerh الخام الجيد هو أكثر من مجرد البرقوق. وليس كل Puerh معتق سيئًا، بل الفئة منه التي لم تتعتّق مع مرور الوقت على نحو طبيعي، وهو أمر شائع جدًا".
وجعلت القصة وراء شهرة راي بصناعة الشاي في هونغ كونغ منه أسطورة إلى حد ما، بعدما أصيب منذ قرابة عشر سنوات بمرض في العمود الفقري، شلّ حركته مؤقتًا.
ويتذكر راي، عاشق النبيذ، تناوله أول رشفة من الشاي الصخري الجيد هذا. ووصف الأمر بأنه "كما لو أنّ لساني عاد إلى الحياة مرة أخرى. لدي الآن شيئًا أعيش من أجله". ورغم آلام ظهره وضعف ساقيه، جال في ربوع يونّان بحثًا عن أفضل شاي من نوع "Puerh".
وأشار راي إلى أن "الشاي الجيد يأتي من الأشجار القديمة، حين يكون في وسعه النمو عضوياً بجذور كبيرة وقوية بما يكفي، فلا يحتاج إلى استخدام مواد كيميائية وأسمدة. وسيضطر المزارعون إلى تسلق الشجرة لقطف هذه الأوراق يدويًا".
وأسس راي استوديو "Yuencha Land" للشاي في هونغ كونغ والذي يشترط أخذ مواعيد مسبقة قبل زيارته، حيث يقدم غالبية منتجات شاي "Puerh" الخام المزروع عضوياً ويقطف عن الأشجار الجبلية التي يزيد عمرها عن 400 عام.
ويعتقد راي أنّ كل شخص عليه أن يجد شايًا مفيدًا لجسمه. شاي، لافتًا إلى أنه بفضله استعاد عافيته.
التسويق والندرة والأذواق
يعود جزء كبير من مشكلة شاي "Puerh" المعمر اصطناعيًا إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وسابقًا كان يقدّم هذا النوع من الشاي للأباطرة، غير أن شاي "Puerh" فقد بريقه مع الوقت. حتى أنه أطلق عليه "شاي الحمقى" في منطقة كانتون، ما أوحى بأنه مشروب يقدم للعمال من ذوي الدخل المنخفض.
وبدلاً من تعتيقه وتركه يتخمر بشكل طبيعي، اعتمد البائعون على الرطوبة في منطقة كانتون لتسريع العملية، الأمر الذي أدّى إلى تكثيف النكهات. كما تمّ تطوير تقنيات جديدة لزيادة رطوبة إضافية على الأوراق وتنمية الزراعة بهدف تسريع العملية. وكانت النتيجة التصاق رائحة الكافور العفنة بهذا النوع من الشاي.
وتلعب ندرة الحصول على الشاي دورًا في رفع كلفة مبيعه. حتى أنّ بعض أنواع الشاي نادرة جدًا لا تثمّن وتصنف أوراقها بأنها غير مخصصة للبيع، مثل أشجار دا هونغ باو الأصلية المحمية من قبل الدولة. ما يعني أنها لا تقطف لأغراض تجارية.
الشاي يُسكر
وللشاي تأثير مشابه للكحول، لكن يمكن القول إن آثاره الجانبية أقل. فشرب الشاي بكمية كبيرة يشعر المرء بالراحة والدوار، فيصبح بحالة سكر.
وقالت يوينغ إنّ "الشاي يعزز من حاسة الذوق لديك خلال تناولك وجبة الطعام. لذا أرى أنه مشروب يفترض أن يقترن بالطعام أكثر من القهوة والنبيذ. حيث تكون براعم التذوق لديك أكثر حساسية عندما تشرب الشاي".