عاشوراء بالمغرب... احتفالات وهدايا وتراشق بالمياه ووجبات خاصة
الرباط (CNN)-- بينما تتحوّل عاشوراء لدى الكثير من الأسر المشرقية إلى فسحة حزن، لارتباط هذه الذكرى لديهم بمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، فإننا نجدها في المغرب مناسبة للاحتفال والفرح والصوم والزكاة وشراء لعب الأطفال. فرغم أن الدولة لم تجعل عاشوراء يوم عطلة، كباقي المناسبات الدينية الأخرى، إلّا أن هذه المناسية تخلد بشكل خاص لدى المغاربة.
ذكرى العاشر من محرم التي احتفى بها اليهود المغاربة قبل أن يحل الإسلام ببلاد المغرب، لا تزال تستمر إلى اليوم، إذ رغم الحضور شبه النادر للشيعة، ورغم اختلاف العادات والتقاليد من ركن لآخر في المغرب، إلّا أنها تتشابه في رمزيتها الاحتفالية. ونسرد في هذا التقرير بعض هذه المظاهر:
الفاكية: تظهر أولى تباشير اقتراب موعد عاشوراء في الدكاكين والأسواق المغربية التي تغزوها "الفاكية" وهي الفواكه المجففة المختلطة، وتعد هذه الفواكه من أهم ما يزين الموائد المغربية منذ بداية العام الهجري إلى غاية العاشر منه، كما تخلط مع الفستق والحلويات والحمص.
لُعب الأطفال: وأنها مناسبة للاحتفال، فأول المستفيدين داخل البيت المغربي هم الأطفال، الذين يتلقون هدايا من أفراد العائلة، غالبا ما تكون رشاشات مياه للصبيان، ودمى جميلة للفتيات، لكن اللافت للانتباه هو انتشار لعب المفرقعات الصينية في الأسواق المغربية، فرغم أن ترويجها يمنع قانونيا، خاصة تحويلها للفرح في الكثير من الأحيان إلى حزن بسبب إصاباتهم بحروق ناجمة استعمالها بشكل خاطئ، إلّا أن أصوات هذه المفرقعات تسمع في كل الأحياء.
إيقاد النيران: هي العادة التي لم تنقرض إلى اليوم من أزقة الأحياء الشعبية المغربية، حيث يعمد الأطفال لتجميع أغصان الأشجار والحطب، ويشعلوا فيها نارا وسط الحي، ويحوموا حولها ويقفزوا عليها، وبجوارهم نساء وفتيات يضرين بأيديهن على الدفوف والطعارج (آلات موسيقية)، يرافقن عزفهن بأهازيج من التراث خاصة بمناسبة عشوراء.
التراشق بالماء: هو المظهر الاحتفالي الذي يعرف لدى المغاربة بـ "التزمزيم" نسبة إلى ماء زمزم، إذ يبقى شغل الأطفال الشاغل طيلة اليوم هو التراشق بالمياه، وسط الأحياء وفي ساحات المداس، ومن الشرفات والنوافذ، وقد تخلط المياه أحيانا بالبيض، لتهديد المارة وخلق جو من المزاح وإن وصفه الكثيرين بغير المرغوب.
الأطباق التقليدية: تعمد النساء المغربياتـ إلى تحضير أشهى أنواع الأكلات المغربية الشعبية بمناسبة عاشوراء، لتكتمل مظاهر الفرح داخل بيت الأسرة، ومن هذه الأطباق الكسكس بسبعة أنواع من الخضر، والتريد والدجاج البلدي والرفيسة، والقديد والكرداس الذين يحتفظ بهم من لحم أضحية عيد الأضحى.
كما تبقى عاشوراء أيضا مناسبة خاصة لدى المغاربة للتعبد والصيام وإخراج الزكاة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين وهي عادة "العشور" التي يؤديها الفرد عمّا يمكله من أموال. كما تستغل الأسر والعائلات هذه المناسبة للاجتماع وتحضير وجبات مشتركة وصلة الرحم.
وحول هذه العادات الاحتفالية، يقول الباحث السوسيولوجي، د.رشيد جرموني لـCNN بالعربية: "ورثنا ثقافة الاحتفاء بعاشوراء عن الأسلاف وأصبحت طقوسها متوارثة لدى المغاربة، وهي مظاهر احتفالية تعود لفترة ما قبل الإسلام".
ويشير جرموني أن هذه العادة برزت بالخصوص في عهد الموحدين عندما انتشر المذهب الشيعي بالمغرب لتتوارث عاداتهم ويتم إعادة إنتاجها داخل الأسر المغربية، وأصبحت إرثا ثقافيا للمغاربة، لكنهم لا يفعلون ذلك عن وعي بارتباطه بالمذهب الشيعي بل لأنها عرف احتفالي متوارث، حسب تعبيره.
وعن الاختلاف الواضح بين مظاهر تخليد عاشوراء لدى المشارقة والمغاربة، يرى جرموني أن "ذلك ناتج عن التنميق الذي لحق هذه الطقوس عند تكييفها مع مجتمع دون آخر، فالمغاربة يعبرون في هذه المناسبة عن فرح لتناسي حدث أليم كان موقعه بكربلاء، وإعادة إحياء الطقس بما يناسب الخصوصية المحلية، هو ما يميز المغاربة عن المشارقة"، يقول المتحدث.