محمود عبد الفضيل يكتب حول أسئلة ما بعد مؤتمر شرم الشيخ

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
محمود عبد الفضيل يكتب حول أسئلة ما بعد مؤتمر شرم الشيخ
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمود عبد الفضيل، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

كان نجاح مؤتمر شرم الشيخ استثمارا سياسيا بالدرجة الاولى، إذ عبر عن ثقة المجتمع الدولي ودوائر المال والأعمال بمستقبل الاقتصاد المصري، وبالتالي مثل هذا المؤتمر يعد 'نافذة أمل' للمصريين. 

وكأي حدث بهذا الحجم يحمل العديد من الفرص وكذلك العديد من المحاذير، والآن وقد ذهبت النشوة وجاءت الفكرة علينا التعمق في التفاصيل والرهانات المستقبلية داخليا وخارجيا. 

فعلى الصعيد الداخلي، يجب أن يكون هناك تنسيق وتعاون وثيق بين ثلاث وزارات محورية: التعاون الدولي، والاستثمار، والتخطيط، لأن أي حزمة من المشروعات ذات عائد تنموي لابد أن تخضع لرؤية تخطيطية مستقبلية للتعرف على درجة التناسق بين تلك المشروعات وعلاقات الترابط الأمامية والخلفية بين هذه المشروعات، لأن هناك عناقيد من المشروعات تتكامل فيما بينها لإحداث نهضة وتنمية في قطاعات معينة أو مناطق معينة. 

ثم يأتي دور وزارة التعاون الدولي لتحدد أنماط التمويل الخارجي لهذه المشروعات وشروطها وتعظيم عنصر المنحة في هذه التمويلات.

ولقد استقرت أدبيات التنمية على أن هناك معايير لتقييم العائد التنموي للاستثمارات في البلدان الآخذة في النمو على رأسها الأثر على التشغيل وحل مشكلة البطالة، إلى جانب الأثر الصافي على ميزان المدفوعات، إذ أن هناك صادرات لها مكون استيرادي مرتفع.

أضف إلى ذلك مدى قدرة المشروع ذو الطبيعة الاستراتيجية على خلق علاقات ترابط أمامية وخلفية مع المشروعات الأخرى لتقوية بنية الاقتصاد الوطني. 

ومن المعايير الأخيرى نمط توزيع عوائد هذه المشروعات بين الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية المختلفة، إذ أن البعد المكاني في توزيع الاستثمارات أصبح له أهمية كبرى في بلد مثل مصر يعاني من عدم توازن اقليمي كبير (مثل تنمية الصعيد وتنمية سيناء)، وهذا كله يعني أن المشروعات المقترحة والتي يوجد بشأنها اتفاقات استثمار ومذكرات تفاهم يجب أن تخضع لاختبار درجة واقعيتها واتساقها مع أهداف التنمية.

وفي إطار ما يتوافر من بيانات، جاء قطاع البترول والغاز على رأس القطاعات التي تم توقيع اتفاقات استثمارية بشأنها، يليها قطاع الكهرباء في المرتبة الثانية. ورغم أهمية مشروعات الطاقة، لم تحظ قطاعات الصناعة التحويلية والزراعة بأي تدفقات استثمارية باستثناء مشروع لإنشاء صوامع للحبوب.

وبالنسبة لمذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال المؤتمر، كانت الغلبة للمشروعات العقارية (نحو 73 مليار دولار) بما فيها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، يليها قطاع الكهرباء (نحو 32 مليار دولار).
 
بيد أن الغائب الأكبر في مؤتمر شرم الشيخ كان هو الحديث عن مستقبل قطاع الأعمال العام، وهذا يتعلق بتحديد نمط الأولويات الجديرة بالعناية في ظل شُح الموارد التمويلية خصوصا وأن هناك أزمة شديدة تمر بها الوحدات الإنتاجية في قطاع الأعمال العام. 

وقد أشار تقرير حديث للجهاز المركزي للمحاسبات إلى أن 18 شركة من شركات قطاع الغزل والنسيج في مصر قد خسرت نحو 2 مليار جنيه. كما أشار التقرير إلى أن شركات الغزل تحقق خسائر متتالية منذ سنوات، ويشمل ذلك شركة مصر لصناعة معدات الغزل والنسيج. 

كذلك أشار نقيب الصيادلة إلى أن شركات الأدوية الحكومية مهددة بالإفلاس لأنها تقوم باستيراد ٩٥ في المائة من الخامات الدوائية من الخارج.

وتلك قضايا في منتهى الخطورة لأنها تتعلق بالحفاظ على الأصول الإنتاجية المملوكة للمجتمع وعدم تبديد التراكم الرأسمالي للأصول العامة الذي تم خلال عقود طويلة. وبالتالي، فإن هناك أولوية ملحة لتطوير وتجديد الطاقات الإنتاجية وحل مشاكل التشغيل والصيانة والتسويق والتمويل في هذه الشركات، وأن تحتل الأولوية اللائقة بها، هذا رغم أن احتياجاتها التمويلية ليست كبيرة مقارنة بالمشروعات العملاقة الجديدة، وأن حماية هذه الصناعات لتظل على قيد الحياة هو حماية في نفس الوقت للعمالة المدربة ومنعا لتفاقم مشكلة البطالة. 

ونظرًا لضخامة التمويلات الأجنبية التي تمخض عنها مؤتمر شرم الشيخ فإن الأمر يستدعي إجراء حساب دقيق لهيكل تمويل تلك المشروعات الجديدة وطول فترات السماح والنمط الزمني للالتزامات التي تترتب على هذه القروض، إذ أن هناك طاقة قصوى لأي اقتصاد في تحمل عبء الاستدانة. 

وقد حذّر البروفيسور راغنر فريش، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد من هذه المشكلة في مقال شهير بعنوان "السرعة مع السلامة" speed with safety) (، وطالب بوضع حد أقصى للمديونية الخارجية في إطار الخطة الخمسية الثانية التي لم يتم إنجازها في مصر نظرا لاندلاع حرب ١٩٦٧، فالإفراط في المديونية الخارجية يثير العديد من المشاكل في المستقبل على النحو الذي نشهده حاليا فى اليونان. 

تبقى هناك نقطتان استكمالا للنقاش، النقطة الأولى تتعلق بخطاب كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي التى بدأت بمقطع من أغنية أم كلثوم 'وما نيل المطالَب بالتمني' ثم أكملت بما مؤداه أنها تأخذ بتطبيق روشتة صندوق النقد الدولي للإصلاح الإقتصادي. 

أما النقطة الثانية فتتعلق بالنمط المعماري المقترح للعاصمة الإدارية الجديدة، إذ أن 'الماكيت' المقترح لها يشابه النمط المعماري في مدينة دبي حيث ناطحات السحاب والأبراج على النمط الأمريكي، والتي لا تتناسب في رأيي مع الشخصية المصرية والتراث المعماري المصري، ولهذا فإن التصميم المعماري لهذه المدينة يجب أن يخضع لمسابقة معمارية مفتوحة على نحو ما حدث فى مكتبة الاسكندرية على سبيل المثال، وبما يحقق أيضا أكبر قدر من الوفر في النفقات والتصميمات الصديقة للبيئة، وهو موضوع يتطلب أن يدلي فيه المخططون الحضريون والمعماريون المصريون بدلوهم، وفي ذلك فليجتهد المجتهدون.