عدنان يوسف يكتب: بعد مرور عشر سنوات على الأزمة العالمية..

اقتصاد
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عدنان أحمد يوسف
عدنان يوسف يكتب: بعد مرور عشر سنوات على الأزمة العالمية..
صورة أرشيفيةCredit: Spencer Platt/Getty Images

هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

كتبنا خلال الفترة الماضية العديد من المقالات حول الأزمة العالمية، وجميعها كان يحذر من استمرار انعكاسات وتأثيرات هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي، وكان آخرها مقالتنا حول الخطر الأخلاقي للأزمة، لكوننا نعتقد أن تلك الانعكاسات والتأثيرات باتت تتشعب وتأخذ عدة أشكال نظراً لأن بعض جذور الأزمة باقية دون علاج جذري.

ويلاحظ أن الذكرى العاشرة لنشوب الأزمة العالمية هذا العام تزامن معها الحديث عن مواصلة الاقتصادين الأمريكي والبريطاني في تحقيق نمو مستمر، وإن كان بطيئاً، في حين بدأ اقتصاد اليورو بالتعافي وتحقيق بعض النمو. والسؤال الذي يثيره الكثير من الخبراء الماليين والاقتصاديين حالياً هو ماذا سيكون عليه وضع النظام المالي الأوروبي عندما تلجأ الدول الأوروبية إلى إنهاء كافة إجراءات التيسير الكمي بما في ذلك سياسة الفائدة ما دون الصفر، خاصة بالنظر لنقاط الضعف التي لا يزال هذا النظام يعاني منها. ثم السؤال يتوجه أيضاً نحو آسيا، وتحديداً الصين، فسبق لنا التحذير من تحول الأزمة إلى هناك.

ونتفق مع ما يذهب إليه الكثير من الخبراء من أن النظام المصرفي الأمريكي هو أقل ضعفاً بشكل ملحوظ من نظيره الأوروبي. والسبب في ذلك هو أن صناع السياسة الأمريكية تعلموا من تجربة الطفرة والانهيار في اليابان. ومن بين الدروس المستفادة كانت أهمية الاعتراف في الوقت المناسب بالخسائر بعد الأزمة، وإجراء اختبارات الإجهاد الصارمة، والحاجة إلى تعزيز الحوكمة في الميزانيات العمومية للمصارف، مع الحفاظ على تدفق الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي. وتشير إحصائيات إلى أن اهتمام البنوك الأمريكية بضوابط الامتثال والحكومة يتجلى في ارتفاع أعداد موظفي البنوك العاملين في الأقسام المسؤولة عن سلامة ودقة الإجراءات والضوابط، فبنك "جي بي مورجان تشيس"- أكبر بنك أمريكي - زاد عدد العاملين في تلك الأقسام من 24 ألف موظف في عام 2011 إلى 43 ألفاً في عام 2015.

في المقابل، كان صناع السياسات في منطقة اليورو مترددين في مواجهة تحدي أزمة الديون السيادية. وكانت اختبارات الإجهاد غير مجهدة، والمصارف لا تزال تفتقر إلى الرسملة الكافية مقارنة بالمصارف الأمريكية. وجنوب أوروبا يعاني قروضاً متعثرة. والمصارف في منطقة اليورو تحتفظ بممتلكات كبيرة من سندات حكوماتها.

وهذا يسلط الضوء على جانب مهم في معايير بازل بخصوص كفاية رأس المال المرجح بالوزن النسبي للمخاطر، رغم التعديلات التي أُجريت عليها في فترة ما بعد الأزمة، فهي لا زالت بنظر الكثيرين ناقصة. فالديون السيادية تتمتع بمعاملة مواتية بشكل مفرط وفقاً للمعايير، وبالتالي تعمل مصارف منطقة اليورو على حشو ميزانياتها العمومية بسندات الحكومات التي تعاني مديونية مفرطة وخطيرة. ومع بقاء أسعار الفائدة الصفرية في منطقة اليورو اليوم، والتي أسهمت فيها البنوك المركزية من خلال إجراءات التسهيل الكمي، يبدو أن الوضع تحت السيطرة. لكن هناك فخ الديون الذي ربما يصعب الهروب منه دون انهيار سوق السندات عندما يتم إزالة هذه الإجراءات، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تكاليف الاقتراض الحكومية مع الإضرار بقيمة الأصول في الميزانيات العمومية للمصارف. لذلك، فأن كيفية الخروج من برامج التسهيل الكمي للمصارف المركزية والعودة إلى رفع أسعار الفائدة في سوق السندات سيكشفان عن مدى ضعف أو قوة النظام المالي الأوروبي المثقل بأعباء السندات الحكومية.

جانب أخر من معايير بازل هو متطلبات رأس المال. إذ رغم أهمية الضوابط والإجراءات التي اتخذتها السلطات المالية عبر العالم لإعادة تنظيم القطاع المصرفي في أعقاب الأزمة المالية، فإننا نعتقد أن تغير متطلبات رأس المال الواجب توافرها لدى البنك، بعد أن كشفت الأزمة المالية مدى هشاشة الأموال البنكية المرصودة للتعامل مع الأزمات، قد ضمنت إلى حد كبير مواجهة أي أزمة مقبلة. لكن على البنوك زيادة رأس المال بصورة أكبر للتعامل مع الأزمات المستقبلية، بحيث يكون لدى البنك القدرة على التعامل مع أسوأ أزمة مالية يمكن تخيلها، دون أن ينهار تحت وطأة الضغط. وفي العام الماضي عزز أكبر وأهم 30 بنكاً في العالم رؤوس أموالها المرصودة للأزمات بنحو 1.3 تريليون دولار.

وتناقش لجنة بازل ما يسمى بأرضية إنتاج "OUTPUT FLOOR" وهو التنقيح الذي تعمل عليه اللجنة وسيضع قيوداً على البنوك لدى استخدام نظام التقييم الداخلي في تقدير مخاطر الائتمان لبعض أنواع التمويل. ويقدر محللون أن البنوك العالمية – غير الأميركية - قد تشهد ارتفاعاً في الأصول المعرضة للخطر بمعدل وسطي يصل إلى ما بين 18 في المائة إلى 30 في المائة وفقاً لهذا التعديل. وفي تلك الحالة تستدعي الحاجة وجود رأسمال إضافي يبلغ ما بين 250 مليار إلى 410 مليارات يورو، وهي أرقام عالية عندما تكون الأرباح متواضعة.

وأخيراً، ماذا عن النظام المصرفي الآسيوي وحجم تعرضه للمخاطر؟ يرى بعض المحللين أن البنوك الآسيوية تعلمت الدرس، وعززت من إجراءات الضبط المصرفي، تفادياً لحدوث ما لا تحمد عقباه، لكن النظام المصرفي الصيني يمثل ثغرة كبيرة في النظام المصرفي العالمي. فالنظام المصرفي الصيني بصفة عامة يوسع في الإقراض إلى مستوى يتجاوز قدرته المثلى، كي يحافظ على معدل النمو المرتفع، والآن تبلغ الفجوة بين الائتمان والناتج المحلي الإجمالي في الصين نحو 30.1 في المائة، وهي الأعلى على مستوى العالم، وأعلى من نظيره الأمريكي قبل اندلاع الأزمة، وإذا كان إجمالي الديون الصينية بلغ 28 تريليون دولار، فإن السؤال الرئيسي، ماذا ستفعل السلطات المالية في الصين إذا ارتفع سعر الفائدة عالمياً؟

وغنى عن التنويه أنه في حالة حدوث أي أزمة في الصين فأنها بالتأكيد لن تبقى داخل الصين. فارتباط الصين بالنظام الاقتصادي العالمي أوجد حالة من التداخل الضخم بين بنوكها الوطنية وكبرى البنوك الدولية، وبالتالي فإنها ستواجه حتما مخاطر كبيرة في حال انتقال الأزمة إلى المصارف الصينية.

لذلك، ندعو جميع السلطات النقدية والمالية والمصرفية العالمية لمواصلة العمل معاً لمواجهة هذه المخاطر المتوقعة والتعامل بحكمة معها سعيا لتعزيز آفاق النمو الاقتصادي العالمي وبنفس الوقت التعامل مع المعايير التي تم اتخاذها لإعادة النمو.