أجرى الحوار: وليد الحسيني
القاهرة، مصر(CNN) -- قال الخبير الاقتصادي المصري، رشاد عبده، إن نسبة التضخم في مصر أكبر من النسبة المعلنة من قبل الأجهزة الحكومية، وإنها تقترب من 40 في المائة، وليس 35 في المائة كما أُعلن قبل أيام، ورأى أن هذه النسبة تمثل خطراً على الاقتصاد المصري لأنها تعد طاردة للاستثمار، مشدداً على أهمية إيجاد حلول للسيطرة على التضخم، وذلك في تصريحات لـCNN بالعربية.
وقال عبده إن أزمة الاقتصاد المصري تتمثل في عدم الاستعانة بالكفاءات، معتبراً أن محاولة معالجة نسبة التضخم في مصر ليست صحيحة لأن القائمين على الحل لا يعرفون الأزمة الحقيقية، وأن ما تعانيه مصر ليس تضخماً، وإنما هو ركودي تضخمي.
وكان هذا نص الحوار:
كيف ترى ارتفاع نسبة التضخم في مصر إلى 35 في المائة؟
أولاً، نسبة التضخم أكثر من الرقم المعلن من قبل أجهزة الدولة والذي هو 35 في المائة تقريباً، بعد أن كان 33 في المائة قبل رفع أسعار مواد الطاقة، ومن غير المعقول أن يرتفع التضخم 2 في المائة تقريباً فقط بعد زيادة أسعار مواد الطاقة. ووزير المالية نفسه أعلن أن التضخم سيرتفع بنسبة 4 في المائة تقريباً، ونسبة التضخم الأصح هي 40 في المائة أو على مشارف هذه النسبة. والسؤال هنا، هو من الذي يقيس نسبة التضخم في مصر؟ إما البنك المركزي أو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وكلاهما من الأجهزة الحكومية، فلا يمكن أن يصرّحا بالنسبة الصحيحة.
هل تشكل نسبة التضخم خطراً على الاقتصاد المصري؟
نسبة التضخم مزعجة جداً، خاصة وإذا كانت تبحث الدولة عن استثمارات، فكيف تسعى لجذب استثمار والتضخم في حدود 40 في المائة؟ التضخم من أكبر القوى الطاردة للاستثمار، فالزيادة في نسبة التضخم في مصر زادت من أقل من 10 في المائة إلى ما يقرب من 40 في المائة خلال 3 سنوات فقط، وهذا يعني أن دخل الفرد تناقص 40 في المائة، وأي مستثمر يفكر في استثمار أمواله يتعاقد مع مكتب يحلل له نسبة التضخم في الدولة وعجز الموازنة ومعدل البطالة والتنمية قبل أن يفكر في نسبة مكسبه، ثم يفكر في البيروقراطية والفساد وما إذا كان قادراً على تحويل أمواله للخارج، خاصة إذا كان مقر شركته بالخارج، بالإضافة إلى ضرورة توفير العملة الأجنبية لتحويل أرباحه إذا رغب في ذلك.
من المسؤول عن رفع نسبة التضخم؟
قرار التعويم خلال فترة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض الـ12 مليار دولار، سبب رئيسي في ارتفاع نسبة التضخم بدرجة كبيرة جداً وغير متوقعة لمسؤولي الصندوق، فطلب صندوق النقد الدولي ضرورة تقليل نسبة التضخم، ونصح الدولة المصرية برفع نسبة الفوائد في البنوك، وبالفعل تم رفع نسبة الفوائد 3 مرات منذ قرار تعويم الجنية المصري، ووصلت إلى قرابة 20 في المائة، وإن كنت أرى أن رفع نسبة الفوائد في البنوك المصرية صورية بشكل أو بآخر، واضطرت البنوك إلى شراء أذون خزانة حتى تسطيع دفع نسبة الفوائد، والدولة سعيدة بزيادة الأموال في البنوك لسداد عجز الموازنة حتى وإن كانت بتكلفة عالية. وفي نفس الوقت أدى رفع نسبة الفوائد بالبنوك إلى طرد المستثمر الذي سيفكر في المشروع الذي سيمنحه أكثر من 25 في المائة حتى يغطي تكاليف قرضه.
هل ترى أن قرار تعويم الجنية المصري كان خاطئاً؟
قرار التعويم كان سبباً رئيسياً وراء نسبة التضخم الكبيرة الموجودة حالياً، وكان لا بد من تعويم الجنية تدريجياً، لكن محافظ البنك المركزي قرر التعويم على درجة واحدة، وهو ما سبب زلزالاً كبيراً في السوق وتوابعه مستمرة. وترتب على هذا القرار زيادة تكاليف الحياة، بدليل زيادة أسعار الكهرباء على سبيل المثال، لأن وزير الكهرباء قال إن وزارته تستورد مواد طاقة للكهرباء بأكثر من 29 مليار دولار، وبعد قرار التعويم ارتفع الرقم إلى 60 مليار دولار، وبالتالي رفع أسعار الكهرباء على المواطن وترتب على ذلك رفع أسعار بقية السلع، والحكومة لم تقف مع المواطن المحتاج، ولكنها رفعت شعارات غير حقيقية، وأطلقت تصريحات غير سياسية بدليل تصريحات وزير التموين الذي تحدث عن خفض عدد أرغفة الخبز للمواطن، وأنه لن تُستخرج بطاقة تموين لمن يزيد دخله عن 1200 جنيه (أو ما يعادل 65 دولار)، وكل ذلك يشير إلى خطأ في المنظومة .
هل ترى أن صندوق النقد كان يقصد ما حدث من ارتفاع نسبة التضخم؟
أشكك دائماً في خبراء صندوق النقد الدولي، وأنهم ليسوا على كفاءة عالية ويضعون حلول غير عملية، بدليل أن أحد خبراء الصندوق سألني مرة عن أسباب ارتفاع قيمة الدولار في مصر، رغم أنه يتراجع في العالم كله، ولم يعرف أن الدولار في مصر نادر ومطلوب على عكس ما يحدث في العالم، رغم أنها نظيرة اقتصادية معروفة وبسيطة للغاية، وهي نظرية العرض والطلب. وهذا يؤكد وجهة نظري في خبراء الصندوق.
ما يحدث في مصر ليس تضخماً، ولكن يمكن تسميته بمسمى "الركود التضخمي"، بمعنى أن العرض متوفر والقوة الشرائية غير موجودة بسبب تناقص دخل الفرد، وفي نفس الوقت هناك ركود نتيجة عدم إقبال الناس على الشراء، وكان من المفترض حسب هذه النظرية أن تنخفض الأسعار، لكن ذلك لم يحدث.
هل تشير الشواهد الحالية إلى انخفاض نسبة التضخم أم ارتفاعها؟
الشواهد الحالية لا تشير إلى تراجع نسبة التضخم.
هل من الضروري الآن خفض نسبة التضخم؟
الأمر ليس اختيارياً بل وجوبياً، إذ لا بد من تخفيض نسبة التضخم. وفي حال لم يحدث ذلك، ستكون هناك مصيبة في الاقتصاد المصري، لأنها أكبر قوة طاردة للاستثمار، بالإضافة إلى أنها تسبب معاناة شديدة للناس، فالعالم الآن يتحدث عن جودة الحياة، لكن في مصر، الناس تبحث عن مجرد الحياة ما يؤثر على المستقبل في صورة الجيل الجديد. المشكلة الحقيقة في مصر ليست اقتصادية، بل تتمثل في عدم الاستعانة بالكفاءات.
كيف ترى حل هذه الأزمة؟
إذا فكرنا في الحل على أن ما يحدث في مصر هو تضخم، فهذا يعني عدم معرفة المشكلة بالأساس، وهو الأمر الموجود حالياً، إذ قرر المسؤولين رفع نسبة الفوائد من 8 في المائة إلى 20 في المائة، ولا بد من علاج المسببات الرئيسية للأزمة نفسها وليس علاج العرض الظاهري بضرورة تخفيض سعر الدولار. وإذا حدث ذلك سيؤدي إلى انخفاض الأسعار وسيضطر التجار إلى ذلك، ونرى أن منافذ القوات المسلحة تقوم بعرض سلع بأسعار مخفضة، رغم أن وزارة التموين هي من يجب عليها القيام بهذا الدور ولن تقوم به.
الجزء الثاني من الحل بدأته الحكومة المصرية لكن لم تكمله حينما اجتمعت مع اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية للاتفاق على هامش ربح معقول للتجار يرضيهم، لكن للأسف لم يحدث ذلك وكان الاتحادان أقوى من الحكومة، وتحجّجا بأن مصر تتبع نظام الاقتصاد الحر.
ألا توجد أجهزة رقابية في مصر تحاسب التجار؟
تسبب قرار التعويم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الذي رفع الأسعار بنسبة 130 في المائة، لأن 70 في المائة من أساسيات الحياة في مصر مستوردة، بخلاف أن التجار في مصر يهمهم المكسب ومناخ الاقتصاد المصري يساعدهم على ذلك، فالتاجر عندما وجد الدولة ترفع الأسعار بنسبة 130 في المائة، قرر هو الآخر رفع أسعاره، فكانت النتيجة أن الأسعار في مصر زادت بنسبة 350 في المائة، والدولة لم تقم بدورها الرقابي الحقيقي، وتركت السوق لاحتكار القلة. أشخاص كبار بعينهم لا يستطيع أحد محاسبتهم يحتكرون السلع وتحول الوضع إلى احتكار كامل، والأجهزة الرقابية في مصر وهمية، وهذا مصير أغلب الدول النامية التي لا يوجد فيها أجهزة رقابية حقيقية، فجهاز حماية المستهلك في أمريكا يحاسب الشركات الكبرى إذا أخلت بالسوق، أما جهاز حماية المستهلك في مصر فهو وهمي "وأكل عيش"، ومسؤوليه يبحثون عن المناصب.
هل هناك فرص لتراجع سعر الدولار؟
بالتأكيد هناك فرص، فالدولار مثل أي سلعة عرض وطلب، ورفع سعره كان بسبب ندرته والمستورد يبحث عنه فارتفع سعره. لكن في الفترة الماضية توفر الدولار حتى وإن كان نتيجة ديون، وبالفعل تراجع سعره في الفترة الأخيرة داخل البنوك وتراجع الإقبال على الاستيراد الذي أصبح مكلفاً للغاية، وتراجع الإقبال على السلع المستوردة، فتراجع سعر الدولار.
ما هي النسبة المتوقعة لانخفاض الدولار في الفترة المقبلة؟
أكد البعض ممن يُطلق عليهم لقب "خبراء" أن الدولار سيتراجع إلى ما دون الـ16 جنيهاً بنهاية هذا العام، وهذا الكلام غير صحيح، ولن ينخفض سعر الدولار عن 17.5 جنيه.
هل ترى أن هناك أزمة سياسة في مصر؟
بلا جدال هناك أزمة سياسة في مصر، والمواطن يتحمل جزءاً من هذه الأزمة لأنه هو من اختار أعضاء مجلس النواب، فلم يقع اختياره على الأفضل، وبالتالي يدفع المجتمع بالكامل الثمن، البرلمان الحالي فيه 97 رجل أعمال، فهل نتوقع أن يشرّع هؤلاء لصالح المواطن أم لصالحهم؟ هناك ازدواجية في المعايير وتضارب مصالح.
هل ترى أن هناك مردود جاد لزيادة احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي؟
المفروض أن يكون له مردود إيجابي لتغطية أي مديونيات على الدولة والقضاء على السوق السوداء للدولار والسيطرة على سعره وتوفير كافة السلع الأساسية للشعب المصري. كل هذا من الناحية النظرية، لكن من الناحية العملية، لن يؤثر كثيراً لأن البنك المركزي خائف من خفض الـ36 مليار دولار الموجودة لديه الآن، لأنه يعلم أن هذا المبلغ ليس نتاج عمل حقيقي ومعظمه نتيجة قروض، والنسبة الأكبر من مبلغ الاحتياطي من سندات أجنبية أو ودائع موجودة لأجل، ومصر مطالبة بسداد 14 مليار دولار في 2018.