هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة. إن الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
كان من المأمول أن تتمكن دول الخليج باستخدام مصداتها المالية التي كونتها في صورة احتياطيات في أوقات ارتفاع أسعار النفط، من مواجهة عجوزاتها المالية الناتجة عن توقف النشاط الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا. غير أن هذه الآمال تضاءلت مع استمرار انخفاض أسعار النفط عند مستويات تقل عن الحد الأدنى اللازم لتوازن موازنات كل دول الخليج، الأمر الذى يهدد باتساع العجز المالي على النحو الذي يهدد بذوبان الاحتياطيات المالية لدول الخليج إذا لم تتخذ خطوات جادة للإصلاح المالي.
أصبح من الواضح أن الأوضاع المالية لدول الخليج غير مستدامة، وأنها في حاجة إلى تأمين مصادر دائمة تتسم بالاستقرار للإيرادات حتى تضمن استقرارًا أكبر لإيراداتها تجنبها مخاطر التقلب السريع مع تقلب أسعار النفط. ومن أهم الادوات المالية التى تستخدمها الدول لتمويل ميزانيتها هي الضرائب. ولقد طبقت بعض دول الخليج ضريبة القيمة المضافة فى السنوات الأخيرة. وتعد ضريبة القيمة المضافة من الضرائب غير المباشرة وهي إحدى أنواع ضرائب الاستهلاك لأن الذي يتحملها في النهاية هو المستهلك على الرغم من أن الذي يقوم بدفعها هو المنتج أو الموزع للسلعة. إلا أنه فى ظل الالتزامات المتزايدة على الدول لدعم الاقتصاد ومنع العديد من الشركات من الانهيار بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن كورونا فإن حصيلة ضريبة القيمة المضافة لن تكفي لتمويل عجوزات الموازنة العامة وتمويل مشاريعها التنموية الأمر الذي يستدعي استخدام أدوات ضريبية جديدة لتمويل العجز فى الميزانية مثل ضريبة الأعمال، وهي نوع من الضرائب المباشرة التي تفرض على أرباح المنتجين أو الموزعين للسلع والخدمات.
وقد يستغرب البعض هذا الطرح خاصة فى ظل معارضة البعض في المنطقة لضريبة القيمة المضافة التى تم تطبيقها. إلا أن الملاحظ أن معظم الاعتراضات على ضريبة القيمة المضافة أتت من حيث توقيت فرضها الذي جاء في وقت كان الاقتصاد يشهد فيه تباطؤًا، كما أن بعض الآراء كانت ترى أن ضريبة المبيعات أسهل من حيث التطبيق من ضريبة القيمة المضافة المعقدة.
وتاريخيا اعتمدت دول الخليج (بالإضافة إلى النفط طبعاً) على الرسوم لتمويل ميزانيتها ولا تزال الرسوم تشكل جزء كبيرًا من إيرادات الموازنة المالية العامة بعد النفط. والمشكلة الأساسية في الرسوم، هي أن التاجر أو صاحب العمل ملزم بدفعها في كل الأحوال سواء أكانت أعماله تتدر دخلًا وأرباحًا أم لا، الأمر الذي يجعلها مرهقة للشركات والأعمال.
كما أن كثيرًا من الرسوم يتم فرضها دون توجهات سياسية أو مالية وإنما بقرارات إدارية من مستويات تنفيذية، الأمر الذي يربك أصحاب الأعمال ويؤثر على نشاطاتهم وأعمالهم.
ومن الأسباب التي كانت تدعو إلى استبعاد ضريبة الأعمال سابقًا، هو عدم وجود البنية الإدارية لدى الدولة للقيام بها ومراقبة تحصيلها.
اليوم وبعد إنشاء الهيئات العامة للضرائب في دول الخليج أو بعضها وكذلك بعد مرور سنتين على تطبيق ضريبة القيمة المضافة في الدول التي طبقت ضريبة القيمة المضافة أصبحت هذه الدول تمتلك الخبرات المعرفية والقدرات الفنية لتطبيق الضرائب ومراقبة تحصيلها، خاصة وأن ضريبة القيمة المضافة تُفرض على السلعة في نقاط متعددة، فيما تتطلب عملية حسابها وجمعها، جهازًا ضريبيًا كفؤًا وفعالًا.
كما أن ضريبة الأعمال والضرائب بشكل عام يألفها معظم المستثمرين بعكس الرسوم المبالغ فيها والمتكررة والتي لا تعكس القيمة الحقيقية للخدمة المقدمة.
لذلك فإنه إذا أرادت الدول الخليج مواجهة عدم استقرار إيرادات الحكومة وتنويع مصادر دخلها والحد من الاعتماد المكثف للموازنات العامة لهذه الدول على النفط، وتحقيق جباية مستدامة ووفيرة للموازنة العامة فإن عليها أن تستعيض عن نظام الرسوم الحالي الذي تجاوزه الزمن إلى نظام ضريبي فعال.