لندن، المملكة المتحدة (CNN) -- تسببت جائحة فيروس كورونا في قلب صناعة الطاقة رأساً على عقب، دافعة بذلك العديد من كبار اللاعبين فيها لاعتماد تغييرات كبيرة في هيكل أعمالها، بما في ذلك أرامكو السعودية، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم وأكثرها ربحية.
وألقى الانهيار الهائل في أسعار النفط هذا العام بثقله على شركة النفط العملاقة في المملكة العربية السعودية، والتي تعتمد على ضخ النفط الخام لتوليد السيولة التي تحتاجها لدفع أرباح الأسهم للمستثمرين وتمويل جزء كبير من الإنفاق الحكومي.
وقد تضطر أرامكو الآن إلى فعل ما لم يكن من الممكن تصوره في السابق: التخلي عن الصفقات وبيع الأصول.
وقد تقوم أرامكو في أول خطوة لها ببناء شبكة من المصافي في أكبر أسواق العالم، في محاولة لاستخراج قيمة أكبر من كل برميل نفط خام تضخه.
ويبدو أن صفقات الدخول في أعمال التكرير في الصين والهند، وهما من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، قد علّقت في الأسابيع الأخيرة، حيث أشارت تقارير إعلامية نهاية الأسبوع الماضي إلى أن أرامكو ستؤجل أيضاً توسيع مصفاة كبيرة في الولايات المتحدة.
وقال مصدر في أرامكو مطلع على استراتيجيات العمل المتعلقة بالمشاريع إنه "من الإنصاف القول إنه هناك إعادة تقييم لكل شيء في الوقت الحالي".
وقد يكون لإعادة ترتيب الأولويات عواقب طويلة المدى على الشركة والمملكة العربية السعودية، نظراً لطبيعة بعض المشاريع السياسية الحساسة.
وتقول إيمان ناصري، المديرة الإدارية لمنطقة الشرق الأوسط في شركة "فاكت غلوبال إنيرجي" إنه "هناك دائماً سياسة معنية".
وتكمن المشكلة الكبرى بالنسبة لأرامكو في توقعات أسعار النفط، حيث لا تزال العقود الآجلة لخام برنت، المعيار العالمي، أقل بنسبة 33٪ مما كانت عليه في بداية العام. في حين انخفض صافي أرباح أرامكو بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران بأكثر من 73٪ إلى 6.6 مليار دولار، بينما أدت عمليات الإغلاق التي فرضها الوباء إلى انخفاض حاد في الطلب على منتجات الطاقة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، أمين ناصر، الشهر الماضي إنه مع بدء فتح الاقتصادات، يشهد الطلب "انتعاشاً جزئياً". ولكن رغم ذلك، لا يزال يخفض المحللون توقعاتهم لانتعاش الكامل، بينما يتساءل البعض في الصناعة عما إذا كان الطلب العالمي على النفط قد بلغ ذروته بالفعل.
ويقول جيم بوركارد، رئيس أسواق النفط في "IHS Markit"، إن الطلب على النفط لن يصل إلى مستويات ما قبل الوباء حتى نهاية الربع الأول من العام 2021 على الأقل، مضيفاً: "لكي يعود الطلب بالكامل، يجب أن يعود السفر، وخاصة السفر بالطائرة والتنقل إلى العمل، إلى طبيعته. وهذا لن يحدث حتى يتم احتواء الفيروس وتتوفر لقاحات فعالة".
وتعد هذه مشكلة خاصة بالنسبة لشركة أرامكو، التي لديها التزامات لتوزيعات أرباح سنوية تبلغ قيمتها 75 مليار دولار في السنوات الـ5 المقبلة.
وكانت توزيعات الأرباح هذه جزءاً أساسياً من عرض المستثمرين التقديمي خلال طرح الشركة الأولي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فضلاً عن كونها سبباً رئيسياً في قيمة الشركة التي تساوي 1.9 ترليون دولار، ما يجعلها ثاني أكثر الشركات العامة قيمة في العالم بعد آبل. ويتم تداول أسهم أرامكو حالياً بسعر أعلى من سعر اكتتابها العام بنسبة 13٪.
وقامت كل BP وشيل بتخفيض توزيعات أرباحهما للمساعدة في الحفاظ على السيولة، ولكن بالنسبة لأرامكو، هذا الأمر ليس خياراً.
يقول أنيش كاباديا، مدير الطاقة في "باليسي أدفايزرز"، وهي شركة استشارات استثمارية مقرها لندن إنه "دون توزيع الأرباح، يبدو السهم مكلفاً للغاية. إذا كانوا يرغبون في جذب المزيد من المستثمرين إلى الشركة، أعتقد أن توزيعات الأرباح يجب أن تبقى عند المستوى الحالي".
كما من المتوقع أيضاً أن تقدم الشركة مدفوعات للحكومة السعودية، التي تعتمد على دخل النفط لتمويل الإنفاق الاجتماعي والعسكري الكبير.
وقد يجبر الانهيار في أسعار النفط ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على تقليص خطته لرؤية 2030 لتقليل اعتماد المملكة العربية السعودية على صادرات النفط الخام، والتي تضمنت العديد من المشاريع السياحية الضخمة وبناء مدينة مستقبلية.
وتواجه أرامكو حالياً مجموعة صعبة من الخيارات بينما تتسابق للحفاظ على السيولة، إذ قد تؤجل بعض الصفقات التي أبرمت قبل الوباء، بما فيها صفقات ذات أهمية جيوسياسية كبيرة، بينما يتم حالياً إعادة تقييم مشروع مشترك لبناء مجمع تكرير بقيمة 10 مليارات دولار في الصين، والذي أعلن عنه خلال رحلة ولي العهد إلى البلاد في العام 2019، بالإضافة إلى تعليق اتفاقية شراء حصة 20٪ من أعمال التكرير والبتروكيماويات في شركة "ريلاينس إندستريز" الهندية.
كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن أرامكو تراجع أيضاً استثماراً بقيمة 6.6 مليار دولار لإضافة إنتاج البتروكيماويات في مصفاة موتيفا في تكساس، فضلاً عن مراجعة خطة تعاون في مجال الغاز الطبيعي مع "سيمبرا إنيرجي".
وتقول ناصري من شركة "فاكتس غلوبال إنيرجي" إن مشاريع التكرير على وجه الخصوص ستشمل استثمارات بمليارات الدولارات، وقد لا تساعد في توليد السيولة لعدة السنوات، وهي مخاطرة كبيرة مع انخفاض أسعار النفط.
ويعد التخلي عن الاتفاقيات السابقة أحد الخيارات الوحيدة المتاحة لأرامكو حالياً، إذ لا يمكن للشركة ضخ المزيد من النفط بسبب عضويتها في أوبك، التي وافقت على تخفيضات إنتاج قياسية في أبريل/ نيسان. وبينما تبدأ أوبك في زيادة الإنتاج مرة أخرى، لا تزال المنظمة وحلفاؤها يخططون لإنتاج 7.7 مليون برميل يومياً أقل مما كانوا ينتجون قبل التخفيضات حتى نهاية هذا العام.