دمشق، سوريا (CNN)-- ليس بعيداً عن البرلمان السوري، حيث يقع محل "أبو شاكر" في أحد أزقّة حي "الصالحية" بدمشق، يمارس عشرات الزبائن على مدار النهار طقس الاستمتاع بشرب العصائر و"الكوكتيل"، صيفاً، وشتاءً هنا، وربما تشكل كثافة تواجدهم أمام المحل، مشهداً "سوريالياً"، يعبر عن تمسك الناس بالحياة في العاصمة السورية، يتناقض مع رؤية الشوارع الفارغة أحياناُ في المحيط، لدواعٍ أمنية فرضتها مؤخراً انعقاد جلسات "مجلس الشعب" السوري بشكلٍ مكثف تحضيراً للانتخابات الرئاسية، أو تحسباً من سقوط القذائف، التي سقطت فعلياً، أكثر من مرّة قرب المحل.
تجاهل الخطر أو اعتياد الحرب هو القاسم المشترك في أحاديث الشباب الذين التقتهم CNN بالعربية، بينما هم يأخذون استراحة قصيرة، يشربون فيها ما يشتهون من عصائر أبوشاكر قبل متابعة يومياتهم، هكذا تقول آلاء الطالبة في كلية الإعلام بجامعة دمشق: "نحن ننسى الشعور بالخطر، وربما نتجاهله، بمجرد أن نتجوّل في شوارع الشام،"
ويوافقها الرأي زملاؤها لؤي وآكاد وراما التي تخبرنا بأنها اعتادت ارتياد المحل مع أصدقائها منذ بداية دراستها الجامعية قبل عامٍ تقريباً، وتبدو متحمسّة لكل ما يقدّمه "كوكتيل أبوشاكر" وخاصّةً الكريما التي تميّز كوكتيلاته، أمّا لؤي فيؤكد لنا أن هذا المحل، حاضرٌ باستمرار على قائمة مشاريعهم الترفيهية في دمشق، ويُلفت إلى أنّه عادةً ما يلتقي بأصدقاءٍ له هنا لم يرهم قبل وقتٍ طويل، ويكشف لنا آكاد بأنه قام مع مجموعة من الأصدقاء، بإنجاز فيلم قصير تحت عنوان بألف، يقدم اقتراحات للشباب حول كيفية قضاء طالب جامعي، ليومٍ ترفيهي كامل يزور فيه عدة أماكن بدمشق اليوم، دون أن تتجاوز ميزانيته الألف ليرة سورية (نحو ستة دولارت) وتضم قائمة المقترحات: محل أبوشاكر كأحد المحطّات الأساسية.
ومن الزبائن الذين اعتادوا زيارة المحل بشكلٍ دائم؛ مهيار الذي يعتبر أن أبوشاكر "أصبح يشكّل ثقافة، أو حالة اجتماعية جميلة في الشارع، ، وزيارته تشكّل متعة، بغض النظر عن المشروبات التي يقدّمها."
بينما يشير مجد إلى أهمية موقع محل أبوشاكر على مقربةٍ من الوسط التجاري، والإداري لدمشق، حيث سوقي الصالحية والحمراء وشارع المصارف 29 أيّار، وساحة المحافظة، وبالنسبة له اعتاد أن يأخذ استراحته هنا يومياً، فيما يعتبره مصيف صغير، ويعلّق مبتسماً: "تعرفت على أبوشاكر منذ الطفولة حيث كنت آتي مع العائلة إلى هنا، بحكم قربه من حارتنا."
على مدى 61 عاماً، اعتاد عدنان العمري الملقب بأبو شاكر والبالغ من العمر 74 عاماً، الاستيقاظ منذ ساعات الفجر الأولى، والذهاب إلى ما يعرف بسوق الهال، لتأمين مستلزمات محل العصائر الذي يديره، وبدء رحلة عملٍ يومية تستمر لساعاتٍ طويلة، ويبدو العمري سعيداً بما حققه خلال حياته، مرّ عليه الكثير من الحروب التي شهدتها سوريا، كحربي الـ1967 و1973 مع إسرائيل، وأزمة الثمانينيات، لكنّه قال لـ CNN بالعربية: "لم تمر دمشق بأصعب من هذه الأزمة."
ورث أبوشاكر مهنة إعداد العصائر الطازجة وبيعها عن والده، الذي احترفها بدوره منذ العام 1925، قرر العمري الابن ترك المدرسة، والالتحاق بالعمل إلى جانب الأب، وكان ذلك سنة 1953، ولم يضطر لإغلاق المحل تحت ضغط أي ظرف سياسي، باستثناء يوم اغتيال العقيد عدنان المالكي يوم 22 نيسان/ إبريل من العام ذاته، ويروي لنا الحادثة بلهجته الدمشقية قائلاً: "الشام يومها كانت فايرة، كتير ناس بيحبوّا المالكي، وأنا ما كنت عرفان شي، إجوا شباب وأجبروني سكّر المحل بالقوّة."
ويستعيد عدنان العمري حادثة تاريخيةً أخرى وهي اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، حيث ترتبط بذهنه بيوم وفاة أبيه، ومن يومها أصبح المسؤول عن امتداد إرث الوالد في هذه المهنة، التي ورثّها لأولاده الأربعة، ويبدو فخوراً بكونه استطاع تعليمهم جميعاً، ومن بينهم حائز على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، وأصغر الأولاد يحضّر حالياً للماجستير في الإعلام، وجميعهم يعملون معه منذ الطفولة، في المهنة ذاتها حتى اليوم.
يؤكد أبوشاكر لموقع CNN بالعربية بأنّ الأزمة التي تشهدها البلاد، لم تؤثر على مهنته، باستثناء ما يعانيه من ازدحام الطرقات، بسبب حواجز التفتيش التي فرضتها الظروف الأمنية، ونقص المواد، واضطراره لتأمينها من أكثر من مصدر، وكذلك ارتفاع أسعارها، الذي أجبره على رفع سعر مشروباته، زيادةً يجدها معقولة مقارنةً بارتفاع أسعار كل السلع من جراء تداعيات الحرب الاقتصادية، لكن ذلك كلّه لم ينعكس على تراجع مبيعاته، حيث زاد عدد زبائنه مقارنةً بالسابق، ويحمد العمري الله على ذلك، معتبراً أنّ سببه الأساسي النظافة والكرم، وهما النصيحتان اللتان أخذهما عن والده، وعمل بهما، وورثهما لأولاده.
وخلال مشواره اليومي لتأمين متطلبات محلّه، تعرض عدنان العمري لخطرٍ حقيقي في أحد الأيّام، حينما سقطت قذيفة أمامه بسوق الهال، وتسببت بمقتل أكثر من شخص، يعلق على ذلك بالقول: "الحمد الله إلي عمر،" ويرى أبوشاكر، بأن الناس عموماً في دمشق اعتادوا على مخاطر الحرب، وهذا ما يلاحظه من تواجد الزبائن المكثف أمام محلّه في مكانٍ مكشوف تقريباً، وأحياناً تسقط قذائف على مقربةٍ من المحل، ويقول من باب التندر إن "شوارع دمشق قبل الأزمة، ربما كانت تفرغ من الناس لسماعهم إطلاق رصاصة، أما اليوم فتسقط القذائف بينما هم يتابعون شرب العصير." ويتمنّى من كل قلبه أن تعود "الشام" لسابق عهدها.
احتفل أبوشاكر مطلع العام 2014، بمرور ستين عاماً على تأسيس المحل، وتم توثيق الاحتفالية في فيلمٍ قصير، يروي فيه ذكرياته عن سنوات العمل الطويلة، ونُشِر لاحقاً عبر موقع يوتيوب، كذلك يوجد صفحات رسمية باسم كوكتيل أبوشاكر على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وانستغرام، يديرها عبد الهادي الابن الأصغر لعدنان العمري، وهو من كان وراء فكرة الاحتفالية، والفيلم، ونفذّها بالتعاون مع أصدقائه من طلاب، وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، والموسيقا بدمشق.
يؤكد عبد الهادي لموقع CNN بالعربية أن الهدف من ذلك ليس دعائياً مطلقاً، فأبو شاكر ليس بحاجة إلى دعاية، "كل ما في الأمر أنني أردت تقديم التحيّة، والتعبير عن الامتنان لوالدي، وإدخال البهجة على قلبه، وإرسال رسالة إلى العالم حول تمسكنا بالعمل والحياة في دمشق."
ويوضح العمري الابن أن الهدف الرئيسي من صفحات أبوشاكر على مواقع التواصل الاجتماعي هو منح الزبائن أريحية في توجيه الانتقادات لهم، فيما إذا صدرت عنهم، أو عن أحد العمّال أخطاء، يبادرون لمعالجتها أولاّ بأوّل: "حرصاً منّا في الحفاظ على سمعة الوالد، والمحل، والإرث الذي تركه لنا."
وفيما إذا كان الجيل الجديد يفكّر بفتح أفرعٍ جديدة للمحل، الذي بقي محافظاً على حاله تقريباً منذ العام 1976، باستثناء توسعٍ صغير بضم محلٍ آخر إلى جانبه قبل سنوات؟ يجيب عبد الهادي العمري على سؤال CNN بالعربية الأخير له: "تلقينا العديد من العروض، ونرغب بذلك، لكننا نحترم رغبة الوالد، ووجهة نظره بأن للرزق باب واحد، وإذا تعددت الأبواب تشتت الرزق."