هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
دعيت من احدى الهيئات الاجتماعية للإسهام في مؤتمر دراسي عن حركة الالحاد التي اجتاحت شباب العالم الثالث بعد التغيرات الأخيرة من ثورة المعلومات وتأثيرها والتواصل الاجتماعي وانفتاح الحضارات على بعضها البعض فضلاً عن الدول التي اجتاحتها خماسين الربيع العربي.
عقد المؤتمر في احد الفنادق الفخمة المعروفة عالمياً في ولاية نورث كارولينا وهي احدي الولايات المغلقة على المحافظين من الحزب الجمهوري والأصوليين دينياً، وكانت حجرتي في الطابق السادس رقم 668 وستين وفي طريقي إليها وجدت رقم 664 أما 666 فلم أعثر لها على أثر، وهم هناك يرتبون الحجرات اما فردياً او زوجياً. وربطت بين هذه الظاهرة وغياب رقم 13 من فنادقنا في مصر والخارج على أساس انه رقم يجلب النحس حيث كان السيد المسيح ومعه اثني عشر تلميذاً في العشاء الأخير وقد خانه واحد منهم بل ان هناك بعض الفنادق تلغي الدور الثالث عشر أيضًا فتجد في قائمة الأدوار داخل المصعد الدور ال12 ثم ال 14 بعده مباشرة، اما رقم 666 فهذه اول مرة اصطدم به لكني تذكرت بعض التعاليم الدينية الأصولية التي تفسر الكتب المقدسة من خلال الأرقام أو ما يدعى ب "أسرار الأرقام ودلالتها في الكتب المقدسة" حيث يعتبرون أصحاب هذا الفكر ان الرقم 7 يشير الى الكمال وكذلك رقم 3 ولذلك يعتبرون ان رقم 6 هو رقم النقص بل "كمال النقص" كما يعبر البعض بهذا المصطلح. وأتذكر أن بعض علماء المسلمين عندما وقعت احداث 11 سبتمبر 2001 اخرجوا من القرآن الكريم دلالات نبوءات عن هذه الاحداث بتركيبة من أرقام سور وأرقام آيات.
وبالعودة للرقم 666 نجده في الكتاب المقدس العهد الجديد السفر الأخير "سفر الرؤيا" والذي يفسره الأصوليون على أنه يتحدث عن المستقبل خاصة الأيام الأخيرة ويوم القيامة والدينونة ونهاية العالم. ويتحدث الكاتب قائلاً أنه يرى وحشاً خارجاً من الأرض يقوم بعمل معجزات عظيمة يضلل بها البشر عن عبادة الله الواحد ويدعوهم للسجود لوحش آخر خرج من البحر ويضع على اياديهم سمة الوحش والذي يرفض يقتل، ويقول في نهاية هذه الصورة "من له فهم فليحسب عدد الوحش فإنها عدد انسان وعدده ستمائة وستة وستون" سفر الرؤيا 13: 18 . وبالطبع فسر المسيحيون الذين كانوا معاصرين للكاتب بأنه يقصد الامبراطور الروماني نيرون الذي كان يضطهد الكنيسة بوحشية والكاتب لا يقدر أن يكتب اسمه مباشرة لئلا يلقيه للوحوش في حلبة المصارعة لتسلية الجماهير أو يصلبه ويشعل النار فيه لإضاءة روما ويقتل أيضاً المرسل لهم الرسالة، حيث كان يوحنا كاتب الرسالة قد بلغ التسعين وكان منفياً بأمر الامبراطور الى جزيرة بطمس وكان من الحكمة ان يكتب بطريقة رمزية لا يفهمها سوى المتلقي أما حاملو الرسالة فظنوا انه وصل الى سن الخرف.
وقد اعتبر كثيرون أن هذا التفسير تفسير مقبول ولا يحتاج حتى لترجمة الأرقام لفهمه. لكن غير المقبول أن يتداول البشر مثل هذه الكتابات منزوعة من سياقها التاريخي ويعكسونها على أحداث حاضرة ومستقبلية فمثلاً في عام 1666 باع الأوروبيون خاصة في إنجلترا وهولندا وبلجيكا بيوتهم وكل ممتلكاتهم وأخرجوا أولادهم من المدارس وتركوا أعمالهم ليلة رأس سنة 1666 وسجدوا على الجليد في درجة برودة منخفضة انتظاراً ليوم القيامة ونهاية العالم وبالطبع خسروا كل شيء بسبب تفسير خرافي .
عندما قامت ثورة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن الخامس عشر اطلق بعض المصلحين على بابا روما حينئذ الذي وقف ضد الإصلاح وحرم بعضهم واحرق البعض الاخر بأنه الوحش الخارج من الأرض وحاولوا توليف اسمه على الرقم 666، وفي العصر الحديث كان ادولف هتلر وموسليني وتروتسكي ومن العرب كان صدام حسين وحافظ الأسد. وهكذا سقطت كل هذه المحاولات لأنها تعتمد على خرافة او لعبة الأرقام. وعندما طرحت هذه الفكرة في احدى جلسات المؤتمر أخذ الحاضرون من أمريكا وأوروبا في السخرية من الامر على أساس انه امر خرافي بينما بعض القادمين من العالم الثالث غضبوا واخذوا الامر بمنتهى الجدية خاصة القادمين من باكستان والهند وبعض الدول العربية، وهنا مربط الفرس، فعندما اتحدث مع تلاميذي او أصدقائي من مسيحيين ومسلمين عن انتشار الخرافة عندنا خاصة هذه الأيام وبالتحديد اكثر في القنوات الدينية المسيحية والإسلامية فضلاً عن القنوات الأخرى والتي تركز بصورة خطيرة على تفسير الاحلام ودلالة الأرقام سواء في الخيال او الواقع وإخراج الجن او الشيطان من أجساد البشر بالقرآن أو الزبور أو الإنجيل، فضلاً عن معجزات الشفاء الذي وصل الى حد ادعاء القدرة على قيامة الأموات.
هذه القنوات هي اكثر القنوات مشاهدة وجمهور المشاهدين يأخذون هذه الأمور بجدية شديدة ويرفضون الحوار لذلك خصصت جلسة بعنوان "الخرافة بين العالمين الأول والثالث" بناء على طلب عدد من عالمنا الثالث لإثبات وجهة نظرهم ان العالم كله يؤمن بهذه الامور وكنت من الذين رفضوا عقد مثل هذه الجلسة لأني اعرف جيداً ان الغرب قد تجاوز هذه المرحلة. بعد مناقشات مستفيضة وضح أن الفارق بيننا وبينهم ان مجتمعنا يؤمن حقيقة بالخرافة، فعندما تشتعل النيران بدون سبب واضح في بعض المنازل بالاقصر ينشغل المجتمع كله بالأمر ويناقشه بمنتهى الجدية في معظم وسائل الاعلام، وعندما تحدث ظاهرة كونية غير طبيعية تفسر على انها أمور معجزية هذا فضلاً عن ان عدداً كبيراً من البشر يؤمنون بالعلاقة بين الجن والانسان وإمكانية الزواج بينهم والفتاة التي لم تتزوج والرجل الذي اكتشف يوم زفافه انه غير قادر جنسياً كل ذلك نتيجة الاعمال السفلية والسحر الأسود ولاشك -عزيزي القارئ- انك قد سمعت وقرأت وشهدت البقرة التي تشفي فيروس(س).
وباعتراف الغربيين اقروا أن مثل هذه الأمور أو شبيهة لها تحدث في العالم المتقدم –وهذه هي الحجة التي يقذفها في وجوهنا الذين يؤمنون بهذه الأمور في عالمنا الثالث- لكن الحقيقة انه عندما تقع ظاهرة مثل هذه في العالم المتقدم فهم يعلقون عليها بسخرية مردين انه جان أو عفريت ثم يغلقون التلفزيون أو يضعون الجريدة جانباً ويتجهون الى أعمالهم وهم يدركون جيداً ان هذه الظواهر لابد ان يكون لها تفسيراً علميًا وان لم يكن قد اكتشف بعد أو انهم اذا كانوا لا يعرفونه فسيعرفونه غداً او بعد غدٍ فلا يشغلون بالهم ووقتهم بمثل هذه الأمور لأنها محسومة بشكل عام ثم ينطلقون للعمل والإنتاج لأجل تقدم بلدانهم وتحقيق ذواتهم وانجازاتهم الشخصية والعامة.
وفي موضوع اهتمام الفنادق بالأرقام قالوا اذا كان أصحاب الفنادق يفعلون ذلك بهدف تسلية نزلائهم فهذا من حقهم اما نحن فمن حقنا ان نهتم بما هو اهم وهو الذي جئنا هنا لأجله!! والسؤال هو متى يصل مجتمعنا الى هذه الدرجة من النضوج؟ وكيف؟