دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تتجه أنظار محبي الفنّانة المصرية رجاء الجداوي إلى مستشفى "أبو خليفة" للعزل في الإسماعيلية، حيث يكافح جسدها للبقاء على قيد الحياة بالاستعانة بجهاز التنفس الصناعي، بعد إعلان إصابتها بفيروس كوفيد 19 المستجد في 24 أيار/ مايو الماضي، فترةٌ قد تعادل عمراً بأكمله، لعبت فيه الصدف دوراً بارزاً بحياتها، لتصبح نجمةً في عالم عروض الأزياء والتمثيل، والتقديم التلفزيوني.
"لم أختر شيئاً في حياتي... كل ما فعلته كان حقيقةً صدف"؛ هذا ما قالته الفنانة المصرية نجاة علي حسن الجداوي، الشهيرة بـ "رجاء"، في أكثر من لقاءٍ تلفزيوني تحدثت فيه عن مسيرتها الفنيّة الممتدة منذ العام 1958.
الصدفة الأولى كانت حينما قررت رجاء أن تتخلى عن نمط حياتها الباذخ في كنف خالتها النجمة المصرية الراحلة تحية كاريوكا التي ربتها منذ عمر 3 سنوات، للوقوف إلى جانب والدتها في أزمتها الاقتصادية، بعدما أفقدتها قرارات التأميم بمصر في زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مصدر رزقها.
تركت الجداوي دراستها في مدرسة داخلية، بعد أن حازت المركز السادس على "القطر المصري"، مما كان سيؤهلها للفوز بمنحة لإكمال دراستها في فرنسا، إلا أنّها خلفت كل ذلك وراءها، ولجأت إلى أحد أصدقاء خالتها تحية، الذي وظفها كمحاسبة في "كراج" لشركة نقلٍ عام يملكها.
تحولٌ في نمط الحياة بعمرٍ مبكر عبرت عنه رجاء بالقول في أكثر من لقاءٍ تلفزيوني: "القَطر كان رايح اسكندرية.. فالمحولجي (محولّ سكة القطار) غير القضيب وراح على الصعيد... فبدلاً من أن أذهب إلى فرنسا، ذهبت إلى الكراج..."، وقالت إنّ هذه "النقلة من مدرسة داخلية ومربية إيطالية، إلى العمل بكراج"، دفعتها للتوازن، الأمر الذي كان يمكن أن يتسبب لغيرها بـ "خلل نفسي رهيب" على حد تعبيرها.
وبعد فترة قصيرة، وخلال حضورها مع والدتها إحدى الحفلات "على ضفاف النيل"، اختيرت بالصدفة للفوز بقلب "سمراء القاهرة"، حينما تم تسليط الأضواء الكاشفة على الحضور لاختيار فتاة لنيل اللقب، بسبب عدم رضا اللجنة عن الفتيات اللواتي تقدمن رسمياً للمسابقة، فوزٌ أهلها للمشاركة بمنافسات "ملكة القطن المصري"، فشاركت بالمنافسات وعينها على الجائزة التي كان من شأنها أن تعيد سكة القطار إلى وجهتها، "تذكرة سفر إلى فرنسا"، لكن ذلك لم يحدث رغم فوزها باللقب الملكي، بسبب إشكال أدى لحجب التذكرة.
لكنّ صدفة جديدةً كانت بانتظارها في ذلك اليوم من عام 1958، حيث كان بين أعضاء لجنة تحكيم مسابقة "ملكة القطن المصري"، المخرج هنري بركات، الذي اختارها لدور "خديجة بنت المأمور" في فيلم "دعاء الكروان" 1959، كما لفتت أنظار مصمم الأزياء اليوناني بيير كولوفاس، فقرر تأهيلها للدخول إلى عالم عروض الأزياء، وبذلك تكون هذه الصدفة بوابتها لبناء مسيرتها المهنية الممتدة على مدى أكثر من 60 عاماً، كممثلة وعارضة أزياء.
وفي العام 1961 مثلت رجاء الجداوي مصر في الهند، لتقديم عروض أزياء تروج للقطن المصري، تزامنت مع زيارة رسمية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحينما اكتشف بالصدفة أنها عارضة الأزياء المصرية الوحيدة إلى جانب أجنبيات في الوفد المصري، وجَه بتكليفها لتدريب عارضات أزياء مصريات، بحيث يكون تمثيل البلاد بالمحافل الدولية حكراً على المصريين، وبذلك أصبحت رجاء لسنواتٍ طويلة "عارضة مصر الأولى".
وبمحض الصدفة، وعلى نحو طريف، التقت الجداوي حب حياتها حسن مختار حارس مرمى المنتخب المصري لكرة القدم مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث طلبت الراحلة تحية كاريوكا من ابنة اختها أن تؤدي الدور الذي تلعبه الفنّانة نبيلة عبيد في عروض مسرحية "روبابيكيا" بالسودان، بعد اعتذار الأخيرة.
وتكللت قصة تعارف رجاء والكابتن حسن الطريفة، بالزواج خلال أيامٍ قليلة من عودتهما إلى مصر على متن الطائرة ذاتها، ليصبح حارس مرمى قلبها، كما وصفته أكثر من مرّة، هي لم تكن تعرف شيئاً عن كرة القدم، وهو لا يملك أدنى فكرة عن طبيعة عملها كعارضة أزياء، لكنّ صوت العقل الذي طغى على رنين نبضات القلب وقتها، كان مقدمة لقصة حبٍ كبير، امتد لنحو 46 عاماً، فترة زواجهما التي اعتبرت من الأطول في الوسط الفني المصري، وأثمرت عن ابنتهما الوحيدة أميرة، وانتهت بوفاة حسن مختار سنة 2016.
وأتاحت الصدفة السادسة لرجاء الجداوي، أن تحضر وفاة والدها "الحاج علي"، الذي انفصل عن والدتها منذ أن كانت بعمر الـ 3 سنوات، ورغم أنها التقته مراراً في حياته، لكنها لم تشعر تجاهه بعاطفة الابنة تجاه الأب كما قالت في مقابلة تلفزيونية سابقة، إلى أن تلقت خبر وفاته عبر مكالمةٍ هاتفية أثناء تقديمها لأحد العروض المسرحية.
وحينما ذهبت مع إخوتها في صباح اليوم التالي لتقديم واجب العزاء، فوجئت بكونه لازال على قيد الحياة، ما أتاح له طلب المسامحة من أبنائه رجاء وأشقائها، لما اعتبره خطاً بحق والدتهم زوجته السابقة، واستبقاهم على الغذاء الذي دعا إليه إخوتهم غير الأشقاء، وبعدها ذهب ليأخذ قيلولة انتهت بوفاته في حضورهم، صدفةٌ كشفت لها أنّ والدها "رجل هايل" على حد تعبيرها، لأن القدر أسعفه بطلب المسامحة من أولاده، وتصفية قلوبهم تجاهه في ساعات حياته الأخيرة.
تلك قصة الفنّانة المصرية رجاء الجداوي (نجاة علي حسن) مع الصدف التي شكلت حياتها، والتي يأمل محبوها بأن يكون لها من اسمها نصيب، في مواجهة كورونا، بعد قضائها ما يزيد على الشهر في مستشفى الحجر الصحي في الإسماعيلية، مسقط رأسها.
وكانت أميرة مختار ابنة الفنّانة رجاء الجداوي، قد صرحت لـCNN بالعربية مؤخراً، بأن والدتها: "ما زالت تحت جهاز التنفس الصناعي، ولكنها لم تفقد الوعي، فقط يتم تخديرها من جانب الأطباء لتحمل وجود أنبوب التنفس الصناعي عبر القصبة الهوائية لدفع الأكسجين للرئتين وإطعامها عبر أنبوب موصل للمعدة".
وأضافت أن الأطباء أخبروها أن "وضع والدتها على جهاز التنفس الصناعي به خطورة عالية"، وتابعت بالقول إنها "على ثقة بالله في شفاء والدتها التي تحملت معاناة كبيرة مع هذا المرض الشرس بكل صبر ورضاء"، مؤكدة أنها "لا تتوقف عن الدعاء للخالق هي وكل محبيها لإتمام شفائها".