هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
في كل مرة أشاهد فيها فيلما أو مسلسلا جديدا، أجد نفسي مقبلة على الكتابة عنه، ونقده من شتى الزوايا. هذا بالضبط ما حدث معي بعد مشاهدتي فيلم "أصحاب ولا أعز" على نتفليكس مؤخرا. لكن بعد دقائق قليلة، توقفت. ربما رغبة مني في الانتظار قليلا لاستكشاف الآراء المختلفة حول الفيلم، والجدل الذي يمكن أن يثيره.
وفعلا، لم تخيب الجماهير العربية ظني، بل شن الكثيرون حملة شرسة على الفيلم وأبطاله، لعل من أبرز جوانبها مطالبة الممثل المصري أحمد حلمي بـ"تطليق زوجته" منى زكي، التي شاركت في الفيلم. إضافة إلى وصف الفيلم بأقبح الأسماء والأوصاف نظرا لأنه يتطرق لموضوعات لطالما اعتبرت من المحرمات في السينما والمسلسلات، مثل إدمان الكحول، والمثلية، والخيانات الزوجية وغيرها.
كل ذلك بحجة أن الفيلم "لا يمثل قيم المجتمع العربي"! فما أسهل الإقصاء والتخوين عند الكثيرين في المجتمعات العربية، وحولنا نماذج لجرائم وتجاوزات وإساءات للإنسان علينا هي أن نثور عليها ونغضب لوقوعها!
على الهامش، وبينما كنت أتابع التعليقات على تويتر وفيسبوك، قرأت نكتة أضحكتني تقول: "انتو بتقولو الفيلم لا يمثل قيم المجتمع العربي؟ لو نتفليكس نفسها تعرف القصص والخبايا في مجتمعنا، هي نفسها حتتكسف."
لنتفق بداية أن أي فيلم أو مسلسل أو عمل فني، ليس مطلوبا منه أن يمثل مجتمعا كاملا، فهو فقط نافذة صغيرة على قصص تجري هنا وهناك، وليس من الضروري أن تجري في كل بيت.
لن أخوض في التفاصيل الفنية للفيلم، فباعتقادي، الفيلم استكمل معظم المعايير الفنية التي يجب أن تتوافر في الفيلم الناجح: فيلم ممتع، الحوارات فيه مكتوبة بطريقة سلسة وغير متكلفة، النجوم المشاركون في الفيلم قدموا أدوارهم بصورة حرفية، وبشكل متميز لا غبار عليه على الإطلاق، إلى جانب التصوير، والمونتاج، وحتى الموسيقى، وإن كانت خفيفة في الفيلم، فقد شغلت موضعها المناسب.
لن أتطرق أيضا إلى الموضوعات التي ذكرت في الفيلم، فهي كما ذكرت سابقا موجودة ونتشارك فيها نحن البشر في كل مكان في العالم، وأقصد هنا الخصوصية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف الذكية التي تحمل أسرارنا، وغيرها.
غير أن ما يقلقني هو أن يصبح هذا النوع من القصص والأفلام ونجاحه هو "الترند" السائد، وأن تسود حالة من "استسهال النجاح" في الأفلام العربية التي تصل إلى كل بيت. هذا الفيلم قدم بـ 18 نسخة حول العالم، وتم تطويع أجزاء من الحوارات فيه لتتناسب مع المجتمع المحلي العربي، ويظهر ذلك جليا من حلال طبق "الملوخية" الذي أعدته مريم، أو حتى التعابير اللبنانية والمصرية التي استخدمها الممثلون في الفيلم، ولكن رغم ذلك، هناك بعض اللحظات التي تمر في الفيلم والتي لا نشعر فيها أننا نشاهد شخصيات تشبهنا أو تشبه الغالبية منا.
أخاف أن تصبح موضوعات مثل الخيانة والجريمة وغيرها هي السائدة لبعدها العالمي الذي يجمع بين كل الناس، فننسى في المقابل، أنواعا مختلفة من المعاناة التي نعانيها نحن وليس غيرنا في الدول العربية، خصوصا تلك المرتبطة بالنساء، والفئات المهمشة، والقوانين التي تظلم فئات محددة في المجتمع، كله بحجة أن هذه الأفلام "كئيبة ومؤلمة" جدا.
وبالحديث عن فئات المجتمع المختلفة، خطر في بالي سؤال منذ مدة من الوقت مفاده: أين الفقراء من الأفلام والمسلسلات؟ ألم يعد لهم مكان على شاشاتنا؟ حتى إن قدمت هذه الأعمال الفنية الفقر والفقراء، فإنهم يظهرون بصورة "رومانسية" لا علاقة لها بالواقع. فيظهر الفقير على الشاشة مختلفا عن ذاك الذي نراه في الواقع حولنا، ولعل ذلك هو جزء من جماليات الصورة على الشاشة (تماما كما تقدم في المسلسلات التركية).
بالعودة إلى الفيلم، أخاف أن تصبح الكلمة الأولى والأخيرة هي للمنصة العملاقة التي تقرر ما نشاهد وما لا نشاهد. فهذه المنصات عادة ما تفرض "فورما" أو نمط معين للقصص التي تقوم بإنتاجها، ولا ألومها في ذلك، فهي في نهاية المطاف تسعى للربح والأرقام والمشاهدات لا أكثر.
أما بالنسبة للجمهور العربي الذي اتهم الفيلم بأسوأ الاتهامات ووصفه بأقبح الأوصاف، أعتقد أن الأمر أسهل بكثير من الخروج على وسائل التواصل الاجتماعي وممارسة الإقصاء والإلغاء: بين أيديكم جهاز تحكم صغير، يمكنكم من اختيار ما ترغبون، فلا داعي لتنصيب أنفسكم حكاما على كل ما ينشر أو يبث.