رزان أبو شقرا، طالبة في الجامعة الأمريكية في دبي، ومتدربة في موقع CNN بالعربية. والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
هذه أنا، فتاة عشرينيَّة تسعى لنيل ما كتب لها في عالم سريع لن ينتظرها. عالم مليء بالمفاجآت والخبرات. عالم كثرت فيه الأخبار والمزاعم وقلة مصداقيَّة أهل العلم والخبر. ولكن هذه أنا اليوم، أودِّع مقاعد الدراسة في الجامعة بشهادة "مهنة المتاعب" كما يصف بعض الصحافيين مجالهم هذا. هذه المهنة التي بإمكانها كسر جميع أنماط الفساد الذي يسود أغلب مجتمعاتنا العربيَّة والعالم بأسره.
ولكن لم تكن مكافحة الفساد وتسليط الضوء على ما يحصل حول العالم من اهتماماتي، بل على العكس تماماً، فلم أكن أؤمن بدور الصحافة وأهميَّة أي شيء خارج نطاق الدرسات العلميَّة الطبيَّة، فكنت من الذين تم قبولهم في الجامعة الأمريكيَّة في بيروت لدراسة الطب ولكن لعل للقدر سلطة تفوق سلطتنا.
حينما أريد أن أشرح سبب انخراطي في مهنة الصحافة أردد جملة واحدة: "عشقت المسرح ومكانه وجبروته وثقافته وإحساسه" وهذا فقط ما جعلني في أسبوع واحد أغيَّر مجرى مسيرتي الدراسيَّة من طبيبة لصحفيَّة، لأنني كنت مولعة بالتواصل المباشر الذي يحصل ما بين صانع المحتوى والجمهور.
"لا أحلم بتغيير العالم ولا أن تصل رسالتي له بل أحلم بتغيير نفسي للأفضل أولاً ليؤمن غيري بالتغيير."
ولأنني لم أكن من الذين آمنوا بالصحافة ودورها في المجتمعات، كان تعلقي بالمهنة في البداية أشبه بتحد وشرط نجاح شخصي. فهل باستطاعتي تعلم كتابة اللغة العربيَّة بشكل صحيح بعد أن كبرت، وبالتالي إتقان فن الإلقاء المسرحي؟ وهل سيبقى عالم الصحافة يغريني؟ أم سيكون قراري "غلطة حياتي" كما يقال؟
مازلت لا أملك الإجابة عن أي من تلك الأسئلة أو أن أكون على يقين بأنَّ قراري هو الأمثل، ولكن اليوم مع دخولي ميدان العمل بت أؤمن بقدرة الصحافة، وأؤمن بتعلقي الشديد بهذه المهنة. فكل مقابلة أُجريها، وكل مقال أكتبه يزيد في داخلي الفخر بما تمكنت من القيام به.
جميلة هذه المهنة. رونقها مختلف. فهي تعتمد على خبرة وسمعة اسمك، وكلما زاد، زادت ثقة العالم بك. وكي لا أدخل في دوامة المصداقيَّة العارمة التي يتباهى بها بعض الصحفيون اليوم، أؤكد لكم أنَّ أكثر ما أغراني لأدخل هذا المجال هو كثرة الخيارات المتاحة لي وقدرتي على اختيار درب مستقل عن السائد.
وخياري اليوم كالتالي، أريد أن أكون مراسلة تنزل إلى الميدان ومخرجة أفلام استقصائيَّة للإجابة على الأسئلة التي تراودني. وبعد خدمة طويلة في هذا المجال، أريد أن أتوجه إلى مجال الاستشارات القانونية الإعلامية لحماية الصحفيات اللاتي يذهبن إلى مناطق النزاع. ولكن هذا لا يعني أنكم لن تروني أيضا في أروقة المتاحف والمسارح أقابل المبدعين والمثقفين. فأنا من أشد الداعمين للفن وأهله. فروح الفن فيهم حقيقيَّة منبتها بحثهم المكثف عن معاني الحياة التي نفتقدها اليوم ونحن نجاري العصر.
وللعصر هذا وأهله رجاء مني، أرجو أن لا يبقى الصحفيَّ في خانة "الخائن" و"المشكلجي" و"الكاذب" و"الأناني", وأن لا يُنظر للصحفيَّة الأنثى على أنَّها معجبة بالشهرة أكثر من المحتوى التي تقدمه ونستخف بها فقط لأنَّ "مظهرها جميل" فلو لا رزانة فكرها ما وصلت لما هي عليه.