رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فلسفة الشر والخير التائهة في فيلم "حكاية الماعز"

منوعات
نشر
6 دقائق قراءة
رأي سامية عايش
رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فلسفة الشر والخير التائهة في فيلم "حكاية الماعز"
الممثل الهندي بريثفيراج سوكوماران بدور "نجيب" في مشهد من فيلم "حياة الماعز"Credit: Netflix /Goat life movie

هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

"العالم مليء بالشرور، ولكنه أيضا يزخر بالكثير من أشكال الخير".

الفكرة الأولى التي تكونت لدي بعد مشاهدتي فيلم "حياة الماعز"، الفيلم الهندي الذي أثار جدلا كبيرا بعد عرضه على منصة نتفليكس لما وصف بأنه "تشويه لصورة العرب والسعودية بالتحديد، وتنميط لظهورهم في السينما والدراما".

يحكي الفيلم قصة نجيب، رجل في مقتبل العمر، من ولاية كيرلا في الهند، يبحث عن فرصة أفضل لتحسين وضعه المعيشي هو وأسرته، فيقرر الذهاب إلى السعودية، ليعمل في إحدى الشركات، وليفاجأ بحياة صعبة للغاية على يد كفيله، ويواجه أقسى ظروف الحياة وسط الصحراء والماشية، ويستعرض الفيلم رحلته في محاولته للهروب من جحيم الإنسان والمكان.

بعد أيام من عرض الفيلم، ووسط كل الجدل الذي أثاره، نشرت نتفليكس رسالة قصيرة في بدايته تقول فيها "إن الفيلم يستند إلى رواية أحداثها حقيقية، وأضاف الكاتب عناصر من خياله لتغذية القصة، كما أن هناك الكثير من التغييرات على القصة التي أجرتها المنصة للحرص على عدم الإساءة لأي بلد أو أشخاص، وإن كان هناك تشابه مع أحداث حقيقية، فهو محض الصدفة البحتة".

لا أحد ينكر أن هذا النوع من السلوكيات تجاه العمالة الوافدة موجود في دول الخليج بالتحديد، وله أشكال أخرى في دول العالم أيضا. كما أن هذه الظروف الصعبة جدا التي يظهرها الفيلم بكل قسوتها موجودة أيضا، ونألفها بدرجات متنوعة، غير أن ما قدمه الفيلم يتجاوز فكرة وجود هذه السلوكيات، ليصل إلى فكرة أن جميع من هم في هذا البلد، وكان واضحا أنها السعودية، همجيون.

لن نتحدث هنا عن الصورة النمطية، لأن أي صورة نمطية بحاجة إلى شكل متكرر من الطرح من خلال عدة أفلام ومسلسلات عن شعب أو مجتمع معين، وهذا بالتأكيد بحاجة إلى نقاش آخر من خلال دراسة عدد كبير من الأفلام الهندية التي قدمت سابقا، وكيف قدمت الخليجي أو العربي.

فبالتالي، من المهم الاطلاع على الفيلم نفسه، ومقارنة شخصياته العربية بعضها ببعض، وإلى أي مدى كانت هذه الشخصيات تطرح وتقدم التنوع الطبيعي الموجود في أي مجتمع.

من أول الفيلم وحتى نهايته، يظهر السعودي أو العربي وكأنه شخص اعتاد الإساءة خصوصا للعمال الآسيويين. الشخصية الوحيدة التي ظهرت بشكل إيجابي هي شخصية الرجل الغني (وأدى دوره الممثل الأردني عاكف نجم)، والذي انتشل نجيب من الطريق، وحمله إلى المدينة وأعطاه بعض الماء. ولكن حتى هذه الشخصية كانت شخصية منقوصة.

كنت أتمنى لو تساءل في نفسه عن سبب حالة هذا الرجل المسكين؟ كان من الممكن لهذا الرجل أن يكسر هذه الهمجية التي رأيناها على مدى الفيلم، ويطرح فكرة أن الشر موجود والخير موجود. وفوق هذا كله كنت أتمنى أن يأخذه إلى مستشفى أو مركز طبي بدل أن يرميه في الشارع وهو بهذه الحال. كان من الممكن "تعديل الخط الدرامي في القصة" ليس من أجل تلميع الواقع الصعب الذي تعيشه العمالة الآسيوية في الخليج، ولكن من أجل ألا نظلم هذا المجتمع الذي يزخر بأفراد يحبون الخير وفعل الخير.

في الفيلم رسالة قوية، هي بالتأكيد غير موجهة للدول التي تستقطب العمالة الوافدة، ولكنها موجهة إلى العمال أنفسهم. فكلما كانت تظهر ذكريات نجيب في قريته الصغيرة مع عائلته وزوجته، ومن ثم نعود إلى نجيب في الصحراء، كنت أتساءل: هذا ليس المكان الطبيعي والملائم له، تماما كما الخراف والمعاز، التي أراها تدور في الصحراء بحثا عن العشب والنبات، ولا تجد شيئا، فكأنما باتت المعاز ونجيب في كفة واحدة، وهذه الرمزية تظهر جلية في اللقطة الأولى للفيلم، حين يشرب نجيب من نفس وعاء الماء الذي تشرب منه الخراف، ويرفع وجهه فتلمع عيناه في الظلام، وتلمع أيضا كل عيون الماشية من حوله.

تظهر الرمزية واضحة أيضا من خلال علاقة نجيب بالجمال، فهذه العلاقة لم تكن علاقة جيدة، تماما كما هي علاقته بأصحاب هذه الجمال، فكلما نظر إليها كان هناك شعور يلازمه بالخوف والدونية، بشكل يشبه كثيرا تعامل كفيله المزعوم معه.

كلنا ظننا أن مأساة نجيب ستنتهي بمجرد وصوله الشارع، وهذا الشارع ظهر بعد وقت طويل في الفيلم، وقت قد يجعل بعضنا يسرّع في الأحداث لأنها كانت طويلة بشكل مبالغ فيه، والفكرة أنه قد وصلت في النهاية.

غير أننا كنا مخطئين، فالصحراء وحدها لم تكن هي فقط الجحيم، وإنما أيضا المدينة التي وجد نجيب نفسه فيها كانت جحيما. فهل يعقل ألا يكون هناك شخص في هذه المدينة يمتلك جانبا خيّرا يجعله يعطف على هذا الرجل؟ وقس على ذلك المشاهد في مركز الشرطة، وفي السجن، وكل مكان آخر واجه فيه نجيب شخصا سعوديا أو عربيا.

القصص السينمائية لن ترضي العالم كله، فكلنا نشاهدها من منظورنا الخاص، ونحكم عليها بناء على هذا المنظور، وستكون هناك دائما أصوات تخرج وتقول إن هذه الأفلام لا تمثل مجتمعنا ولا تمثلنا، ومن الصعب أن يكون هناك فيلم يمثل مجتمعا كاملا، لأن المجتمعات متنوعة بأطيافها، وهذا هو الجوهر، التنوع الموجود على أرض الواقع يجب أن يظهر جليا في هذه القصص، ليس بالضرورة بشكل متساو، وإنما بشكل لا يظلم هذه المجتمعات ويسيء إليها.