ما الذي نعرفه عن الإفراط بأحلام اليقظة؟

علوم وصحة
نشر
6 دقائق قراءة
ما الذي نعرفه عن الإفراط بأحلام اليقظة؟
Credit: bnenin/Adobe Stock

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أحلام اليقظة قد تعود علينا بفوائد كثيرة. إذ أظهرت الأبحاث أنها تشكّل مصدرًا للمتعة، وطريقة للتخلص من الملل، وتعزّز قدرتنا على الهروب عقليًا من الحاضر والابتكار أيضًا، وحلّ المشاكل، والتخطيط، بالإضافة إلى تشكّيلها علاجًا للوحدة.

وجاء في مقال نُشر على موقع منظمة "The Conversation" غير الربحية، أنّ مفهوم أحلام اليقظة يحدّد على أنّ هذه الأحلام بمثابة أفكار لا تمتّ بصلة إلى ما نقوم به راهنًا، وأنّها تحتل جزءًا كبيرًا من حياتنا اليقظة، بمعدل زمني وسطي تبلغ نسبته حوالي 30٪. كما تشكّل أحلام اليقظة جزءًا من تجربتنا الواعية اليومية. وينظر الأشخاص إلى الأمر على أنه الوضع الافتراضي الذي يعودون إليه، لا سيّما لدى قيامنا بمهام عادية لا تتطلب الكثير من قوة العقل.

لكنّ التقديرات تشير إلى أنّ نسبة 2.5٪ من البالغين يختبرون نوعًا من أحلام اليقظة المفرطة المعروفة باضطراب أحلام اليقظة. ويُعرّف عمّن يعيشون هذا النوع من أحلام اليقظة بالحالمين غير القادرين على التكيّف، أو ما يُعرف بالانخراط القهري في تخيّلات حيّة ومؤامرات في أحلام اليقظة بشكل مفرط، الأمر الذي يتعارض مع قدرتهم على العمل في الحياة اليومية.

ما هي أحلام اليقظة غير القادرة على التكيّف؟

وتختلف أحلام اليقظة غير القادرة على التكيف عن أحلام اليقظة النموذجية من نواحٍ عدة.

وبخلاف أحلام اليقظة النموذجية التي قد تكون عابرة وتدوم لثوانٍ عدة، يمكن أن يقضي الأشخاص الذين يختبرون أحلام اليقظة المفرطة ساعات في حلم يقظة واحد كل مرة. وأشارت إحدى الدراسات، إلى أنّ الأشخاص الذين يعانون من إفراط في أحلام اليقظة يقضون ما لا يقل عن نصف ساعات يقظتهم منغمسين بعوالم خيالية مبنية عن قصد. وغالبًا ما تكون هذه العوالم المخترعة غنية وخيالية، وتتميّز بحبكات مؤامرات وقصص معقدة، تتطوّر أحداثها على مدى سنوات عديدة.

وتُعد العوالم الخيالية لأصحاب أحلام اليقظة المفرطة حيوية ومجزية، وقد تكون الحاجة إلى مواصلة الخيال ملحّة ومدمنة. ومع أحلام اليقظة المفرطة، تتملّك هؤلاء رغبة قوية بعيش أحلام اليقظة ويشعرون بالانزعاج عندما تنتفي إمكانية ذلك أو تُقاطع. ويجد غالبيتهم أيضًا صعوبة بالتوقف أو حتى تقليل مقدار الوقت الذي يقضونه في أحلام اليقظة.

لكنّ إعطاء الأولوية لقضاء الوقت في حقائق بديلة متخيّلة على حساب الاحتياجات المادية والاجتماعية قد يتسبّب بمشاكل في العمل، والمدرسة، والحفاظ على العلاقات الوثيقة. وأفاد العديد من الأشخاص الذين يعانون من أحلام اليقظة غير القادرة على التكيف (المفرطة) أنهم يعانون من ضغوط نفسية، وصعوبة في النوم، كما تنتابهم مشاعر الخجل من نشاط أحلام اليقظة، الأمر الذي قد يخفونه عن الآخرين.

ومن المهم ملاحظة أنّ أحلام اليقظة التفاعلية والنشاط الخيالي الحيوي لا يؤدي إلى سوء التكيف افتراضيًا. وأنّ ما يجعل أحلام اليقظة "غير قادرة على التكيف" يتمثل بصعوبة السيطرة عليها، والتمتع بالأسبقية على الحياة الواقعية، وتعارض إلزامية أحلام اليقظة مع أهداف الحياة والعلاقات المهمة.

لماذا يحدث ذلك؟

ويعتقد الباحثون أنّ الأشخاص الذين يعانون من أحلام اليقظة المفرطة قد يملكون قدرة فطرية على التخيلات المبتكرة التفاعلية. ويكتشف الكثيرون هذه القدرة في وقت مبكر من الطفولة، ويمكن استخدام إدراك الخيال وأحلام اليقظة للتحكم بمشاعر الحزن، عبر استحداث عالم داخلي من الراحة، يمكنهم الهروب إليه من الواقع.

وقد يستخدم بعض من يختبرون ذلك أحلام اليقظة كاستراتيجية للتكيّف. وعلى سبيل المثال، يمكن لنشاط أحلام اليقظة أن يصرف الانتباه عن الواقع غير السار ما قد يساعد على التعامل مع الصدمات، أو أحداث الحياة الصعبة، أو العزلة الاجتماعية. لكن ذلك قد يؤدي إلى حلقة مفرغة من الخيال القهري، إذ قد يفاقم استخدام الخيال لتجنّب المشاعر السلبية الرغبة بأحلام اليقظة.

ومن نواحٍ عديدة، تصبح أحلام اليقظة سلوكًا إدمانيًا يغذي المشاكل التي يرغب المرء بالتخفّف منها. وربما ليس مستغربًا أن يختبر الأشخاص أحلام اليقظة غير القادرة على التكيف بالتوازي مع المعاناة من اضطرابات أخرى، أكثرها شيوعًا اضطراب نقص الانتباه، وفرط النشاط، والقلق، والاكتئاب، واضطراب الوسواس القهري.

ويبدو أن ثمة علاقة قوية بين الوسواس القهري (OCD) وأحلام اليقظة غير القادرة على التكيف. ووجدت إحدى الدراسات أن أكثر من نصف المشاركين الذين يعانون من أحلام اليقظة غير القادرة على التكيف أظهروا أيضًا علامات الوسواس القهري. وقد يشي هذا الواقع إلى وجود آليات مشتركة محتملة بين الاضطرابين، قد تشمل الأفكار التدخلية، والتفكّك، ونقص التحكم المعرفي.

إلى ذلك، فإنّ حقيقة أن أحلام اليقظة غير القادرة على التكيف ليست معترف بها كحالة نفسية، يعني أيضًا أننا لا نعرف سوى القليل عن خيارات علاجها. وهناك دراسة حالة واحدة موثقة نُشرت في مجلة بعدما خضعت لمراجعة الأقران، تتناول رجلاً يبلغ من العمر 25 عامًا تمكّن من تقليل الوقت الذي يقضيه في أحلام اليقظة إلى النصف، من حوالي ثلاث ساعات يوميًا إلى أقل من ساعة ونصف الساعة. وتمكّن من ذلك خلال ستة أشهر، خضع خلالها لمجموعة من العلاجات النفسية مثل العلاج السلوكي المعرفي واليقظة.

ورغم أنّ العلاج لم يؤثر على مدى شعوره بمكافأة أحلام اليقظة، فقد أبلغ عن تحسّن في العمل، والوظائف الاجتماعية، وكذلك في الهواجس الكامنة. ومن المتوقع أنه مع زيادة إدراك وفهم أحلام اليقظة المفرطة، ستتاح المزيد من خيارات العلاج للمرضى.