هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
غالبا ما تتبع الخطابات الحماسية نصراً عظيماً أو كارثة طامة. لا تخطئ الذاكرة الشخصية ولا أرشيف الباحث عندما ترجح النتيجة الأخيرة في معظم خطابات قادة الدول التي تحكمها طغمة من أي نوع كان فما بالك إن كان الحال مرهونا بقرار فردي وخارجي.
مع حفظ الألقاب والمقامات بما فيها تلك المستندة إلى هالة القداسة أو حصانة العصمة، فإنه من غير المعقول في الألفية الثالثة أن ينحصر قرار الحرب والسلام بيد شخص خاصة إن كان القرار يتجاوز حدود الدين والطائفة والحزب والميليشيا والدولة إلى ما يتعدى إقليم الشرق الأوسط برمته.
أسارع وأقر هنا إلى أنني لم أحبس أنفاسي خلال التراشق الكلامي عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية ليقيني أن خامنئي لا يريد حربا مفتوحة ويخطب ودّ الساعين إلى إصلاح ذات البين بين بلاده وبين "الشيطان الأكبر"! فإيران لا تريد الموت لأحد في حقيقة الأمر حتى لا "تبور تجارتها". أغلب الظن أن خامنئي تعلّم من أخطاء سلفه الخميني القاتلة وكذلك فعلت أيضا الدولة الراعية له في المهجر – فرنسا – التي ترعى الآن الوساطة بين إيران وأميركا. كان من المستحيل حتما السماح بانزلاق قدم التانغو الكاريكاتوري بين نصرالله و"بيبي" إلى اشتباك ولو محدود بين الجانبين. العارفون بالأمور يدركون أن الأمر أكبر من الجانبين معا، فالقضية الكبرى هي إعادة بناء شرق أوسط تستثمر فيه الأموال لما يعود بالنفع على اقتصادات بحاجة إلى الإنقاذ والتدخل السريع. اقتصادات تعني دول العالم كله المسكون بكابوس كساد عظيم لا يبقي ولا يذر. ولا بأس حتى تحقيق ذلك الهدف الأكبر والأسمى من تصريف أعمال عبر صفقات سلاح عملاقة يحركها الخوف والقلق المعدّ له بعناية فائقة كمن يطبخ الترياق الشافي لا السام القاتل.
لكن عقلية "شعللها" وذهنية "إن ما خربت ما بتعمر" التي أدت إلى كوارث إنسانية ووطنية في الشرق الأوسط، تقترب من الحافة التي عادة ما تلي "الصعود إلى الهاوية". ومرة أخرى، مع كل المحبة والاحترام لا بل والتبجيل الذي يكنه الكثيرون في عالمنا لآل البيت ومن والاهم، إلا أنه لا بد من ناصح أمين أو حتى عدو عاقل أن يتصدى – بهدوء – إلى الخطابات الانفعالية ولا أقول الحماسية فهي مطلوبة في مناسبات التحشيد لقرار -أي قرار- شريطة أن تصنعه الدوائر المختصة المؤهلة.
كمحب لسوريا ولبنان أتمنى تطبيق شعار سورية أولا ولبنان أولا دون حرج أو تردد أو إبطاء. وأحلم بسوريا للسوريين ولبنان للبنانيين بكل إثنياتهما العريقة. لا بد من إخلاء سوريا من أي فصيل عسكري باستثناء الجيش الوطني للبلاد بخاصة المليشيات ذات التحشيد المذهبي. قد تكون تلك مرحلة اقتضتها مواجهة إرهاب النصرة وداعش، لكنها مرحلة شارفت على الانتهاء في إدلب مقبرة الإرهاب الأخيرة في سوريا.
وأختم بالطلب إلى "الجنرال" – الرئيس اللبناني ميشال عون - وبكل محبة ورجاء أن تحتكر الدولة وحدها السلاح عبر مؤسستي الجيش والأمن فقط، وأن يناط قرار الحرب والسلام بيده وبيد البرلمان فقط، وأن يتم تقديم أي كان للقضاء في حال إعلان الولاء لأي كان غير بلاده، ولا فرق هنا بين ممثلي الخارج في الداخل اللبناني فكلهم موضع إدانة من الناحية الوطنية الصرفة.
نحن في عالم البقاء فيه للأصلح والأكثر نفعا. الميدان الحقيقي هو ما "ينفع الناس" والحرب الحقيقية أو "الجهاد الأكبر" هو خلافة الإنسان لله على الأرض لإعمارها لا لإفنائها، وتلك مسألة ليست بحاجة لا لوليّ ولا لفقيه..!