هذا المقال بقلم بارعة الأحمر، صحافية وناشطة لبنانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يجتهد المحللون السياسيون المهتمون بالأزمة السياسية في لبنان، بتحليل مغزى المواجهات المستجدة بين المنتفضين وأنصار السلطة. وتختلف تلك التحليلات بحسب المرحلة التي بلغتها الانتفاضة في تقدمها نحو إصلاح النظام والتي انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019 وتستمر وسط انهيار شبه تام للنظام المصرفي وشلل تام للمؤسسات الدستورية في الدولة.
الاشتباكات بين المنتفضين وأنصار السلطة ليست الأولى منذ بدء الحركة الاحتجاجية. فقد بدأت في الأيام الأولى عندما هاجمت عناصر مؤيدة لحركة أمل وحزب الله اللبنانيين في ساحة الشهداء ورياض الصلح وسط العاصمة بيروت وأوسعتهم ضربا وركلا وحرقت خيم المعتصمين السلميين. ثم أتبعتها هجومات بالعصي والسكاكين من هذه المجموعات نفسها يضاف اليها مناصرو التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية، عندما نظم المنتفضون مسيرات تتجه نحو القصر الجمهوري لإيصال مطالبهم الى الرئيس. حينها وصلت التوقيفات الى المئات والجرحى كذلك وسط "غزوة" تضامنية لم يعرف وسطها المحتجون من الذي كان يضربهم أو يوقفهم أم يخطتفهم: عناصر "غير منضبطة" من حركة أمل وحزب الله، أم عناصر المخابرات والمعلومات التابعة للجيش أم الحرس الجمهوري أم عناصر "منضبطة" من التيار الحزبي التابع للرئيس...
وفي اليومين الماضيين، استعاد أنصار السلطة نفسهم القتالي بعدما نجحوا في تشكيل حكومة تعددت تسمياتها: حكومة حزب الله، حكومة جميل السيد، حكومة النظام السوري، حكومة المواجهة، وكلها تسميات لحكومة عجزت السلطة عن الترويج لها على أنها حكومة إنقاذ أو حتى حكومة لإدارة الأزمة. فأول خطوة قامت بها، وقبل الحصول على ثقة المجلس النيابي، طلبت من المجلس النيابي إقرار موازنة العام 2020 من دون مناقشتها أو حتى حضور الوزراء، وهي موازنة وهمية كانت قد هندستها حكومة سعد الحريري التي أسقطها اللبنانيون في الشارع.
أولى مظاهر استعادة النفس القتالي لأنصار النظام كان حضور كتيبة من الوزراء السابقين ونواب تيار الرئيس لمؤازرة نائب في وجه مجموعة صغيرة من المنتفضين، كانت وقفت بسلمية أمام مطعم تنشد الأغاني الثورية والشعارات وتطلب من النائب مغادرة المطعم من ضمن حملة لشباب منتفضين يعتبرون أنه لا يحق للسياسيين اللبنانيين المسؤولين عن انهيار لبنان ونهب أموالهم وبالتواطؤ مع المصارف، أن يكملوا حياتهم ويخرجوا للسهر والسمر وكأن لبنان بألف خير.
لواء كامل من الجيش وقف بين المنتفضين ومرافقي وزير الدفاع السابق الياس أبو صعب ومرافقي نواب تيار الرئيس الواقفين بجانب زميلهم "التياري." الهجوم انتهى بعدد من الجرحى والتوقيفات لكنه لم ينته لأن النائب المذكور، زياد أسود" ختم ليلته بتسجيل فيديو يهدد فيه الثوار ويتحداهم.
الواقعة الأخطر والتي تشكل تهديدا للسلم الأهلي حصلت ليل الأربعاء حين تعمد النائب المذكور تناول طعام العشاء في مطعم بحري في منطقة جونية وتعمد تعميم حضوره من خلال صور تم توزيعها على وسائل التواصل الاجتماعي كي يستدرج الثوار الى فخ نصبه المرافقون ومناصرو النظام. حيث تم الاعتداء عليهم بوحشية وتكسيرهم مع سياراتهم ثم تسجيل فيديوهات يهينون فيها شابا جاء من طرابلس مع المنتفضين يضربه أفراد ويشتمون الله في وجهه ويقولون له ما معناه أنه ممنوع على أبناء طرابلس الانتفاض في منطقة كسروان ذات الغالبية المسيحية.
ثوار منطقة كسروان المناهضين للنظام انتفضوا ونددوا بالحادثة، وخصوصا بالرسالة الطائفية والمناطقية المقصودة، وعبروا عن غضبهم ورفضهم من خلال دعوة ثوار طرابلس وعكار الى بيوتهم المفتوحة في كسروان. إلا أن غضب أهل الشمال كاد أن يحرق لبنان ليل الأربعاء لولا تدخل العقلاء الذين عملوا على تنبيه الثوار من الفتنة، وبأنه ربما في هذه المرحلة من الانتفاضة، يكون المخرج الوحيد لأنصار السلطة هو افتعال صراعات داخلية وحرب أهلية للهرب من المحاسبة، في ظل دعوات تم توجيهها على نطاق واسع، تتهم شريحة واسعة من السياسيين بجرائم استغلال النفوذ والإثراء غير المشروع، والتي قد تودي بعدد كبير منهم الى السجون. ليل الأربعاء الخامس من شباط 2020 أنقذت العناية الالهية لبنان من فتنة مدمرة، في حين يرزح المجتمع اللبناني تحت ظل أزمة اقتصادية خانقة. لكن أنصار نظام المحاصصة الطائفية والفساد سيستمرون في الدفاع عن النظام الذي رمى الدولة في الافلاس من خلال حماية حصصهم ومصالحهم الشخصية والانتخابية. فهل يتأرجح هؤلاء المتهمين بين العمل على إشعال حرب أهلية، أو الهرب والاختفاء، أو مواجهة العدالة والاحتكام الى القضاء؟