دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)— أثارت أعمال فنية مؤخرا تناولت في جوانبها حياة السلطان العثماني، محمد الفاتح، جدلا واسعا بين المتابعين وخصوصا في الجانب الذي يتعلق بإقدامه على قتل أخيه الرضيع، أحمد، "خوفا على العرش".
الوكالة التركية ردت في 7 نقاط على ذلك جاءت كالتالي:
1- سؤال يطرح نفسه بنفسه: لماذا لم تُروّج هذه التهمة قبل أن تنشب الأزمة السياسية بين بعض الأنظمة العربية وتركيا؟، الإجابة ببساطة شديدة، لأن المؤرخين العرب لم يتداولوا هذه التهمة في كتبهم عن الدولة العثمانية، ومَن نقلها منهم فإنما كان ناقلا عن المؤرخين والمستشرقين في الغرب، الذين يمثلون الرواية الغربية الصليبية تجاه فاتح القسطنطينية، والذين لم تخْلُ كتاباتهم من روح التعصب الديني باعتراف بعضهم.
2- لو كان السلطان محمد قد اقترف هذا الإثم فعلا، فلِمَ سكت عنه علماء عصره من العثمانيين؟ فمن المعلوم أن السلطان كان مُحاطا منذ نعومة أظافره بطائفة من خيرة العلماء والمؤدِّبين، وكانوا يربونه على الإيمان والتقوى والصلاح ويغلظون له أحيانا، ومما يؤثر في هذا الجانب، ما جاء في كتب التاريخ عن العالم آق شمس الدين، أنه رفض دخول السلطان محمد عليه في خيمته التي يتعبد بها، رغم أنه يُدخل عليه من هم دونه، كما حرص على ألا يقوم من مكانه للسلطان احتراما، وذلك ليدفع عنه بعض الزهو بعد أن فتح القسطنطينية.
3- التهمة تقول إن السلطان محمد الفاتح قام بقتل الطفل الرضيع بعد توليه الحكم، وقبل فتح القسطنطينية الذي تم بعد عامين من صعوده على العرش، ومن المعلوم أن هذا الفتح كان الحلم الأعظم للسلطان وتربى عليه، وقام بتجييش وتعبئة الشعب ومؤسساته لتحقيق هذا الهدف، فهل يُعقل أن السلطان الذي عُرف بالحكمة والذكاء وحسن تقدير المصلحة أن يقتل طفلا رضيعا وهو يُجهّز لهذا الفتح العظيم؟ هل الحكمة أن يقوم بذلك العمل البشع في وقت يحتاج إلى لُحمة داخلية وتعاطف شعبي وتأييد على كافة المستويات؟
4- رغم أنه ثبت وجود ابن للسلطان مراد الثاني (والد محمد الفاتح) واسمه أحمد بالفعل مات صغيرًا، إلا أن العديد من المؤرخين مثل الفيلسوف الروسي كانتمير، قد ذكروا أن السلطان مراد الثاني عندما تُوفي، كان جميع أبنائه قد ماتوا، عدا ابنه محمد الذي فتح القسطنطينية، فكيف يمكن أن يكون السلطان محمد قتل الرضيع الذي مات في حياة أبيه؟
5- الرواية تقول إن أحد رجال محمد الفاتح اقتحم حمام النساء عندما كانت المربية تقوم بغسل الرضيع، فأمسك بالطفل وغطسه تحت الماء كم أسلفنا، فالسؤال هنا: هل عجز السلطان أن يجد طريقة أخرى لقتل الولد دون إثارة البلبلة والشكوك؟ ألم يكن بإمكانه أن يقوم بالجريمة في سرية؟
6- هل السلطان محمد الفاتح الذي تربى على القرآن والعلوم الإسلامية وعُرف بالصلاح واتباع الشريعة والعدل والتسامح حتى مع غير المسلمين، هل يعقل أن يُسوغ لنفسه هذه الجريمة؟ لذلك نرى الشاعر والأديب التركي محمد نامق كمال (1840-1888م) ينفي بشدة عن السلطان ارتكاب هذه الجريمة، وما أدراك من هو محمد نامق كمال، رائد التحديث في الأدب التركي، واشتغل بالتأليف في التاريخ العثماني، وترجم لمحمد الفاتح وغيره، قال عنه جورجي زيدان في كتابه "تراجم مشاهير الشرق في القرن الـ 19" : "طالع علم الحقوق على العلامة الفرنساوي الشهير إميل أفولا، ودرس فني الاقتصاد والسياسة، أما التاريخ فقد كان من أكبر علمائه".
7- بعد عرض هذه المسائل، نجد أنفسنا أمام رواية ليس لها سند تاريخي يمكن الاتكاء عليه، ووفقا لقواعد الشريعة لا يمكن إلصاق هذه التهمة بالسلطان إلا ببينة وقرينة لا تحتمل الشك، وفي كل الدساتير والقوانين والأعراف الإنسانية يكون المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته، فهل ثبتت إدانة السلطان في قتل أخيه بدليل قطعي؟ لذا بعد كل هذا السرد، لا نستطيع القول إلا أن فاتح القسطنطينية برئ من هذا الفعل، وأن سيرته التي عطرت الآفاق على مدى قرون، صارت ضحية لخلافات سياسية.