بشار جرار يكتب عن إرهاصات تغيير قد يبدأ من لبنان أو تونس: الربيع العربي والضربات "الشبحية"

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
رأي بشار جرار

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأميركية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لا أملك ترف التنجيم فحتى من صدقوا فيه من الكذبة. لكني أتلمّس خيوطا جميعها تقود إلى الحبكة: التغيير قادم، أقله جراء تداعيات كوفيد19 الذي تحوّر فصار نسخا حملت أرقاما جديدة بشهادات منشأ جديدة (البرازيل وجنوب إفريقيا) ناهيك عن الفيروس الجديد الذي أطل برأسه من الصين أيضا باسم "نيباه"!

تنبيه إثر آخر، أطلقته مجريات الأحداث بصرف النظر عن عبثيّتها أو ترابطها، الحقيقة الساطعة صدمات اقتصادية – اجتماعية متلاحقة أنّت تحت وطأتها أقوى اقتصاديات العالم وأعرق ديمقراطياتها. فما بالك بحال من يوصف بالعالم الثالث الذي طيبوا خاطره بتعديل اسمه إلى الدول النامية ويا لها من مفارقة أن تكون الصين إحدى تلك الدول التي صوت الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ لصالح دخولها منظمة التجارة العالمية والحصول على تفضيلات وإعفاءات حتى صارت مصنع العالم الأول.

هناك خياران تكررا في التاريخ بعد كل كارثة إنسانية طبيعية كانت أم بشرية: تطور الأمور أو تطويرها باتجاه حرب يحرك الاقتصاد أو اتفاقات سلام بوسائل "ضغط وإجبار غير عنيفة" توفر أسواقا لسلع وأنشطة اقتصادية تعيد تحريك العجلة الاقتصادية.

أظن الأحداث الأخيرة في كثير من الساحات أثبتت أن المحرك الأساسي اقتصادي لا شيء سواه. مع الاحترام، لا القيم ولا الحقوق باتت مسوغا كافيا لتصنيف الدول بين حليف أو شريك، عدو أو خصم. الجميع في عالم اليوم في حال تنافس من أجل البقاء.

كثير من التساؤلات أثيرت بعد علو صوت احتجاجات تونس ولبنان وكذلك وتيرة اعتداءات داعش الإرهابية لا بل وعودة الحديث عن تحالف القاعدة وطالبان التي قيل إن الرئيس السابق دونالد ترامب قد تمكن من ترويضها وتحييدها لتحقيق وعد انتخابي رئيسي وهو إعادة القوات الأمريكية إلى البلاد. يا للأسف فقد رأينا 5 أضعاف القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق معا يتولون حماية قلعة الديمقراطية الأمريكية وهيكلها – الكونغرس – بعد أحداث الأربعاء الأسود في السادس من يناير.

صحيح أن الرئيس الحالي أتى بفريق سلفه باراك حسين أوباما وتبنى أجندته في نسختها الأكثر يسارية وراديكالية بدفع من جناح اليسار في الحزب الديمقراطي، لكنه أكد مرارا أن إدارته مستقلة ولن تكون نسخة ثالثة لأوباما. أقوى تلك الرسائل صدرت على لسان وزير خارجيته أنتوني بلينكن فيما يخص إيران وبشكل مباشر الدعوة إلى "تطوير" الاتفاق النووي الإيراني وليس مجرد العودة إلى ما انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب.

ما يجمع تونس ولبنان الان هو الواقع الاقتصادي، لكن التشخيص الدقيق يعيد الملف إلى ثلاث ملفات هي الفساد السياسي، الاستحواذ الحزبي والهيمنة الخارجية. وهنا تعود الأمور بشكل أو بآخر إلى أنقرة وطهران وواشنطن. كيف ستتعامل هذه الأخيرة مع نظام الملالي من جهة والعثمانيين الجدد والإخوان المسلمين من جهة أخرى.

ما من عاقل ستنطلي عليه أكذوبة "الإسلاميين المعتدلين" ولا محور "المقاومة والممانعة". تلك مسألة على واشنطن أن تحسمها في المقام الأول. بعد ذلك كل الأمور تنساب في السياق الطبيعي للأحداث إما سلما وإما حربا.

لا أظنها صدفة، استمرار تبني إدارة بايدن لسياسة سلفه فيما يتعلق بالمطالبة بالتحقيق الجنائي مصرفيا في لبنان. ولا هي بالصدفة أيضا تصدي أحرار تونس من جميع القوى لمحاولة راشد الغنوشي (رئيس البرمان) الانقلاب على رئيسه ودستور بلاده. يظن الغنوشي أن – المسرح الدولي – سيسمح بما مكّن رجب طيب إردوغان من الانقلاب الفعلي على بلاده وتحويلها من "برلمانية" إلى "رئاسية تنفيذية".

في المقابل، مازالت طهران تواجه ضربات "شبحية" تارة على أراضيها وتارة في ساحاتها ومن بينها سوريا. وما زال الكثير من ال"شاتر" بالإنجليزية  بمعنى "الوشوشة" يرصدها "الراصدون" والمحللون حول ضربة بحجم تصفية الجنرال قاسم سليماني قد يكون مسوغها ارتفاع وتيرة هجمات الحوثيين على السعودية أو الاعتداء "الفاشل" الذي يبدو أنه استهدف السفارة الإسرائيلية في نيودلهي قبل أيام.

التغيير آت لا ريب فيه. نصلي أن يكون بسلام.. يعيد لمشرقنا المكلوم "سويسرا الشرق"..