عمّان، الأردن (CNN)-- كشفت الإرادة الملكية التي صدرت عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الخميس، بشأن تقييد حركة وإقامة واتصالات أخيه غير الشقيق الأمير حمزة بن الحسين، عن 5 أشهر من الزمن فصلت بين صدور توصية بذلك من مجلس مشكّل وفقا لأحكام قانون الأٍسرة المالكة وبين مصادقة الملك عليها.
الإرادة الملكية التي رافقتها رسالة مفصّلة خاطب فيها الملك أفراد شعبه، حملت للمرة الأولى مكاشفة كاملة للأردنيين عن سلسلة من الوقائع لما عرف بقضية “الفتنة”، ويعتبر هذا الإجراء الذي وصفه البعض بـ“بالاحترازي” سابقة في تاريخ العائلة المالكة في أمر يخص “أمن البلاد “.
وتعود قضية الأمير حمزة إلى الرابع من نيسان 2021 ، إذ تم الإعلان يومها عن إحباط السلطات الأردنية مخططا يهدد استقرار البلاد يقوده الأميرة حمزة، بمشاركة رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد وآخرين بالتعاون مع جهات خارجية، وحوكم عوض الله وبن زيد بالحبس بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 15 عاما في تموز 2021.
ويقدّر العضو في مجلس الأعيان الأردني محمد المومني، بأن القرار الملكي "جاء بعد أن وصلت الجهود الملكية في التعامل مع قضية الفتنة فيما يخص الأمير حمزة إلى ما وصفه “بالطريق المسدود، بعد انقضاء ما يزيد عن العام، حين قرر العاهل الأردني حينها إحالة التعامل مع الأمير حمزة لعمّه الأمير الحسن وضمن إطار العائلة المالكة."
ويضيف المومني لموقع CNN بالعربية: "صادق جلالة الملك على تنسيب مجلس العائلة المالكة، بتقييد اتصالات وحركة وإقامة الامير حمزة، وهو إجراء قانوني ودستوري لأن مجلس العائلة المالكة منصوص عليه بأحكام قانون الاسرة المالكة لعام 1937".
وبحسب أحكام المادة 8 من القانون الذي ينظّم أيضا الأحوال الشخصية للعائلة المالكة، فإن المجلس يشكّل من عضو في العائلة الملكية يتولى رئاسته، وقد كان بحسب نص الإرادة الصادرة الأمير علي بن الحسين الأخ غير الشقيق أيضا للملك عبدالله، وعضوية كل من رئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة والوزير إبراهيم الجازي كعضو في الحكومة، إضافة إلى كل من قاضي القضاة ورئيس محكمة التمييز .
ولهذا المجلس بحسب نص القانون، مهمة مساعدة الملك على "استعمال" صلاحياته.
وينفّذ القرار بحسب المومني، أجهزة إنفاذ القانون في الدولة، بما في ذلك وزارة العدلية أو العدل حاليا، وفقا لنص المادة 17 من القانون.
ويأتي القرار الملكي بعد سلسلة من الأحداث والوقائع كان آخرها، إعلان الأمير حمزة في 3 نيسان المنصرم، تخليه عن لقبه كأمير عبر تغريده له، وهي الصلاحية المحصورة بيد الملك دستوريا، إذ لم يصدر في حينه أي تعليق ملكي على الأمر.
لكن المومني، لا يستبعد من جهته صدور قرارات أخرى لاحقا وهو ما أشار له العاهل الاردني في رسالته، في حال تكرار الأمير حمزة لسلوكياته، ويقول المومني "الأمل أن يكون هناك نتيجة لهذا الإجراء، وإن لم يكن هناك نتيجة سيتم التعامل مع ذلك في حينه، هذا القرار جاء بعد تكرار الأمير حمزة لعدة سلوكيات تمس أمن واستقرار البلاد وقد يكون هناك إجراءات أخرى إذا تكرر الأمر".
ويسمح قانون العائلة المالكة للعاهل الأردني أيضا الذي استخدم كلمة "أخي" في رسالته قرابة 14 مرة إخراج أي عضو منها، لعدم جدارته بالانتساب إليها.
وللقرار رسائل سياسية حازمة بحسب المومني، من أهمها التأكيد على عدم السماح لأي كان ولأية جهة المساس باستقرار الدولة الأردنية، كما أن القرار ورسالته عكسا حالة من المكاشفة غير مسبوقة وانفتاحا على الشعب، باطلاعها على كل تفاصيل ما حدث على مدار عام كامل، ويضيف "هذا يعكس قوة الدولة الأردنية واحترافية الأجهزة والمؤسسات الامنية والرسمية ويؤشر على حكمة القيادة وحزمها وسعة صدرها".
الخبير القانوني والنائب الأردني الأسبق حسين القيسي، يؤكد من جهته على أن ممارسة الملك لصلاحياته وفق قانون الأسرة المالكة، يحدث للمرة الأولى فيما يخص “أمرا عاما متعلقا بأمن وسلامة البلاد”، فيما رأى بأن وجود فاصل زمني بين صدور التوصية من المجلس والمصادقة عليها يعني أن فرصة منحت للأمير حمزة؛ للتراجع عن أفعاله .
ورأى القيسي في حديثه لموقع CNN بالعربية، بأن تبعات قضية الفتنة لم تتوقف، رغم حرص الملك على أن تحّل داخل البيت الملكي بالشق المتعلق بالأمير حمزة، لكن الأحداث المتتابعة التي وردت في رسالة الملك عبدالله الثاني وما انتهت إليه ، تعبّر عن “ألم ملكي” واضح اتجاه أخيه.
ويربط المحامي القيسي بين الأحكام القضائية التي صدرت بحق عوض الله وبن زيد التي اعتبرها “عنوانا للحقيقة” وبين القرار الملكي، إذ أصبحت واقعة الفتنة قانونية ولها أركانها، وقال ”لو لم يتم التعامل مع الأمير حمزة في إطار العائلة المالكة لحوكم معهما ضمن ضمانات المحاكمة العادلة.”
وعن حقوق الأمير حمزة المالية وامتيازاته، قال القيسي إنه ما يزال يتمتع بلقب الأمير، فيما أشار إلى أن مدة هذا الإجراء لا تزول إلا بزوال أسباب وجوده” ، ويستدعي ذلك اتباع الطريقة ذاتها التي تم اتخاذ الإجراء فيها.
ولفت القيسي إلى أنه لم يسبق تفعيل قانون الأٍسرة المالكة في هذا النوع من القضايا على مدار 85 عاما، مبينا في الوقت ذاته أن القرار “ليس عقوبة” لكنه إجراء قانوني، مؤكدا أنها المرة الأولى التي يمارس فيها الملك صلاحياته بموجب هذا القانون في شأن عام “ينال من سلامة الدولة في مؤامرة لقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة.”
ويقول القيسي: ”بحسب ما علمت أن جلالة الملك مارس أقصى درجات ضبط النفس مع التصرفات الصادرة عن الأمير حمزة خلال الفترة السابقة ووضع التوصية جانبا، على أن يتراجع عن تصرفاته، لذلك انتهت الرسالة إلى الموافقة على التوصية بعد أن تبين أن الأمير أخل بالاتفاق رغم المراسلات المتبادلة واللقاء الشخصي الذي حصل ورسالة الاعتذار”.
ويرجّح القيسي أن المملكة مقبلة على مرحلة سياسية جديدة، وهو ما حتّم إغلاق هذا الملف وشرح حيثياته للرأي العام، خاصة بعد زيارة العاهل الأردني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإجرائه مباحثات مع الإدارة الأمريكية وما كشفت عنه مقابلته الصحفية لمعهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية، من حديث ملكي حول بحث كيفية “رسم رؤية جديدة للمنطقة".
ويرجح مراقبون، أن تغييرات داخلية سياسية وأمنية ستجرى على ضوء القرار، والتحرك الملكي الدولي في إطار حماية الوصاية الهاشمية على المقدسات والتطورات الإقليمية في المنطقة، وما يرافقها من تحركات دبلوماسية مع دول الخليج والجوار.