رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب لـCNN: من هو الإماراتي.. مجددًا

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
إماراتيون يحضرون احتفالات اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 2020
Credit: KARIM SAHIB/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم د. عبدالخالق عبدالله، أكاديمي إماراتي زائر بجامعة هارفرد، والآراء الواردة أدناه، تعبّر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

مقال من هو الإماراتي ومن نحن وما الثابت والمتغير في الهوية الوطنية، الذي نُشر على موقع CNN بالعربية بتاريخ 12 سبتمبر 2022، حفّز البعض ليشارك في إغناء الحوار، لكنه أيضًا استفزّ البعض الآخر، الذي استكثر طرح سؤال من هو الإمارتي أصلًا وشكّك في نوايا من يطرحه في هذا التوقيت بالذات.

وجاء مقال الصديق العزيز ناصر بن حسن الشيخ بعنوانه الشيّق الهوية الوطنية الإماراتية: الماضي والحاضر والمستقبل، الذي نُشر أيضا على موقع CNN بالعربية بتاريخ 15 سبتمبر 2022، ليشكّل إضافة قيّمة لفهم الثابت والمتحول في الهوية الوطنية الإماراتية قديمًا وحديثًا، خاصة مع بروز جيل إماراتي جديد له تطلعاته وقناعاته وقيمه المختلفة مما اعتبره البعض خروجًا وانسلاخًا وتحديًا لما استقر عليه مجتمع الإمارات من ثوابت متوارثة أبًا عن جد.

وعلى أهمية مقال الأخ ناصر، فإن مجال الاختلاف مع ما ورد فيه وارد خاصة لجهة الخوف المفرط من احتمال انسلاخ الإماراتي من قيمه وخروجه على عاداته وتقاليده وتمرّده على عروبته ودينه. حديث الانسلاخ ليس له أساس في الواقع لا من قبل جيل سابق ولا من قبل جيل لاحق. فاتهام الانسلاخ يتكرر عادة من جيل الآباء لجيل الأبناء في كل زمان ومكان. وهو اتهام غير صحيح وليس له موقع من الإعراب ولا يستند على شواهد من الواقع.

قد يقرر البعض الخروج بعادات وتقاليد جديدة ومختلفة ومتسقة مع متطلبات عصر جديد، وقد ينسلخ البعض الآخر عن عروبته ودينه. هذا أيضًا وارد وممكن، لكنه يقع ضم بند الشأن الخاص للفرد والمكفول في دستور الإمارات الذي يحترم الحريات الفردية كدولة مدنية. لذلك، أن يقرر أحدهم الانسلاخ عن عروبته فهذا شأنه الخاص. كذلك إن رغب البعض أن ينسلخ عن دينه فهذا أيضًا شأنه الخاص. فالإيمان والإلحاد يحاسب عليهما رب العالمين.

الخروج على عادات وتقاليد متوارثة قد يحدث في أي وقت وفي كل المجتعات، وهو كالفقاعة يبرز فجأة ويختفي فجأة دون أن يترك أثرًا. فمهما تمرّد وتمادى جزء من المجتمع، فإنه لا يؤثر في الكل الاجتماعي السليم والمعافى والذي لا خوف عليه، رغم أنه أصبح أقلية في وطنه.

خطاب الانسلاخ القيمي هو خطاب ماضوي يثيره البعض من العالقين في الماضي، بوعي أو بدون وعي، في الوقت الذي يركز فيه مجتمع الإمارات على الحاضر ويتجه نحو المستقبل بكل ثقة وطموح عالمي. والأسوأ من كل ذلك أن هذا الخطاب التقليدي الذي يتكرر بين الحين والآخر يتحسس من الانفتاح الذي هو خيار سيادي ساهم في استقرار وازدهار نموذج إماراتي وطني ومدني وحداثي وتعددي جاذب. كذلك، فإن استخدام خطاب الخوف المفرط من الانسلاخ العقائدي من قبل جماعات التشدد الديني، كان سببًا من أسباب بروز وانتعاش جماعة الإخوان في الإمارات في غفلة من الناس، والذي اتضح لاحقًا أن له أغراضا سياسية انتهازية.

كذلك استخدم البعض خطاب الخوف والتخويف من الجديد للقيام بدور الوصي على المجتمع والأفراد. تلك الوصاية كانت كارثية، وتسببت في تحكم جماعة إسلاموية في التعليم والسيطرة على عقول الشباب، وأدت الى تراجع التعليم سنوات عديدة إلى الوراء.

رغم ذلك، فإن الحرص على الهوية الإماراتية واجب وطني وفي محله بل هو ضروري خاصة بعد أن أصبح المواطن أقلية في وطنه يشكل 15% من إجمالي سكان الإمارات ونسبته تتناقص سنة بعد سنة وقد تصل إلى 10% قريبًا و5% بعيدًا. هذا الخوف على الهوية الوطنية الإماراتية مشروع ومحق أكثر من أي خوف آخر.

لكن شتان بين الخوف غير مبرر والحرص المبرر. الدولة حريصة على الهوية الوطنية ولديها برامج وسياسات وتشريعات لحماية الهوية الوطنية وتعزيزها بين أفراد المجتمع. الأسرة الإماراتية حريصة على الهوية وتقوم بدورها الأسري والمجتمعي والوطني على أكمل وجه. أما مؤسسات التنشئة الاجتماعية والمنابر الإعلامية فإنها تولي الهوية الوطنية أولوية ما بعدها أولوية. فلماذا إذا الخوف من الانسلاخ ورفع شعار الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد واللغة والدين.

ثم هناك نقطة أخرى في مقال الهوية الوطنية الإماراتية: الماضي والحاضر والمستقبل، فالهوية تستحق وقفة سريعة حيث لها علاقة بمقولة رائجة بأن الحفاظ على العادات والتقاليد المورثة هو الضامن الرئيسي لاستقرار مجتمع الإمارات وتماسكه وتطوره. هذا الحديث الذي ينادي به تيار محافظ ويدّعي أن العادات والتقاليد والقيم النبيلة هي الضامن للازدهار والاستقرار هو أيضا حديث تبسيطي واختزالي وفي غير محله.

فما يضمن الازدهار والاستقرار ليس التمسك بالعادات والتقاليد بل الاستقرار والازدهار مرتبط بشرعية الحكم أولًا، ونجاحات الدولة ثانيًا، والثقة في الحكومة ثالثًا، وتحقيق العدالة والمساواة رابعًا، علاوة على المشاركة السياسية خامسًا. هذه من بين أهم مصادر الاستقرار والازدهار والأمن والاطمئنان وليس الحفاظ على عادات وتقاليد تتغير من جيل إلى جيل.

لا يوجد إماراتي عاقل فرّط في هويته الوطنية. لقد حافظ الإماراتي على هويته خلال الخمسين سنة الماضية وسيكون أكثر تمسكًا بها خلال الخمسين القادمة، فلماذا هذا الخوف والتخوف من الانسلاخ عن الهوية الوطنية؟ فالإماراتي العالق في الماضي أو المتجه إلى المستقبل، إماراتي بفطرته السليمة وبحسه الوطني وإخلاصه لدولته وقيادته. ما عدا ذلك فهو ثانوي وقابل للأخذ والعطاء.

بالمختصر المفيد، الإماراتي هو من نشأ وترعرع في حضن الإمارات قديمًا وحديثًا، وتشرّب بخصائص وسمات وقيم الشخصية الإماراتية المنفتحة على العالم، وملأ قلبه بحب الإمارات. الهويه الإمارتية الوطنية تتسع للجميع من السابقين واللاحقين، من أهل البر والبحر والوافد حديثًا وقديمًا من بعد وعن قرب. لذلك لا فرق بين إماراتي وإماراتي إلا بالولاء للوطن وليس بالتمسك بعادات وتقاليد وقيم متغيرة لا تستقر على حال.