إعدام المتظاهرين.. هل يخنق النظام الإيراني الاحتجاجات أم تنفجر ضده؟

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة

تقرير من إعداد: جمانة كرادشة وتمارا قبلاوي وأرتيميس موشتاغيان، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

(CNN)-- صرخات النساء خارج محكمة في طهران تتصاعد إلى نحيب جماعي. يذكرنا التجمع بالانتفاضة التي اجتاحت البلاد على مدار شهور لكنها بدأت تتلاشى تقريبًا بعد أن أصدر القضاء الإيراني أحكامًا بالإعدام في الأسابيع الأخيرة.

أطفال يقفون أمام مبنى المحكمة وهم يهتفون: "لا للإعدام"، في مقطع فيديو من 14 يناير، نشرته وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (HRANA). رغم تغطية الوجوه في الفيديو، يمكن رؤية فتاة تمسح دموعها. يبدو أن عمرها لا يزيد عن 10 سنوات.

بدأت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، إثر موت الشابة مهسا أميني بعد احتجازها من قبل شرطة "الأخلاق"، وانتشرت في جميع أنحاء البلاد، وهزت النظام الإيراني، وشكلت أكبر تهديد محلي منذ أكثر من عقد لطبقة رجال الدين الحاكمة.

لقد اخترقت قاعدة الدعم المحافظة للنظام وأنتجت أعمال تحد لا حصر لها - وأحيانًا عنف – ضد قوات الباسيج، وهي مجموعة شبه عسكرية طوعية تشكل نقطة ارتكاز الجهاز الأمني للجمهورية الإسلامية. كان المتظاهرون صغارًا وغاضبين، وبدا أن حاجز الخوف قد انكسر.

بعد 4 أشهر، تلاشت الاحتجاجات وسط موجة متزايدة من القمع ضد المتظاهرين. أعدم النظام 4 متظاهرين؛ يخشى العديد من الأشخاص الآخرين من نفس المصير. وتعد عمليات الإعدام تتويجًا لحملة قمع عنيفة بشكل متزايد، بما في ذلك قتل المتظاهرين بالرصاص، والاعتقالات الجماعية، والاعتداء الجسدي والعنف الجنسي.

كما ضاعف النظام من قمع المنشقين والأقليات العرقية والنساء. وقد اعتبر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الاحتجاجات "مؤامرة أجنبية" ووصفها بأنها "خيانة".

عامل آخر يعمل ضد المتظاهرين: قال محللون ونشطاء إن معظم الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 25 عامًا ابتعدوا عن المظاهرات. وقد حرم هذا الحركة الاحتجاجية من الزخم اللازم لإسقاط نظام يخضع لعقوبات شديدة، ولا يملك المجتمع الدولي سوى القليل من النفوذ أو لا نفوذ عليه.

ومع ذلك، يتفق محللو الشؤون الإيرانية على أن النظام يؤخر التعامل مع المشكلة، وأن الاحتجاجات من المرجح أن تعود إلى الواجهة. إن القيادة الدينية في إيران إما غير راغبة أو غير قادرة على معالجة مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة، والتي تفاقمت بسبب نظام العقوبات الأمريكي والفساد المستشري.

قال ناشط يبلغ من العمر 25 عاما من جنوب شرق البلاد طلب عدم نشر اسمه خوفا على سلامته إن "غضب الناس زاد ولم ينخفض". وأضاف: "لو لم تكن هناك أسلحة في أيدي قوات الأمن، لكانت حشود كبيرة من الناس ستشن تمردا غدا".

تم اعتقال ما يقرب من 20 ألف شخص وفقًا لنشطاء. وقتل أكثر من 500 شخص، بينهم عشرات الأطفال، بحسب HRANA.

لقد تركت الأساليب القمعية المتظاهرين الإيرانيين في موقف صعب. يبدو أن الاستياء من النظام آخذ في الانتشار، لكن استخدامه للقوة الغاشمة منع المتظاهرين من الوصول إلى المستوى المطلوب لإجبار النظام على التنحي.

قال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن غياب الحشود الضخمة خلق "مشكلة حسابية" لحركة الاحتجاج.

وأضاف فايز لـCNN: "لن تنضم الأغلبية إلا عندما يفقد النظام إرادته في القمع". وتابع بالقول إنه "من غير المرجح أن تتصدع إرادة النظام في القمع ما لم تكن هناك كتلة كبيرة من الناس في الشوارع".

يقارن فايز الوضع في إيران بالاتحاد السوفيتي في أوائل الثمانينيات، وهي فترة من الإحباط العام والظروف الاقتصادية السيئة التي أدت بعد ذلك بسنوات إلى سلسلة من الإصلاحات، المعروفة باسم "بيريسترويكا" (إعادة الهيكلة)، التي سبقت انهيار الاتحاد السوفيتي.

وقال فايز: "(الجمهورية الإسلامية الإيرانية) تشبه الوضع الذي كان فيه الاتحاد السوفيتي في أوائل الثمانينيات... إنها مفلسة أيديولوجيًا، وهي في مأزق اقتصادي وببساطة غير قادرة على إصلاح نفسها". وأضاف: "على عكس الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينيات، (إيران) لا تزال لديها الإرادة للقتال".

وتابع بالقول: "يمكن للمرء أن يستنتج أن الاحتجاجات ستعاود الظهور عاجلًا وليس آجلًا بطريقة أكثر شراسة".

التأثير المخيف لعمليات الإعدام

لا تزال أصداء الانتفاضة تتردد في البلاد. في كل ليلة في طهران، تصدح هتافات "الموت للديكتاتور" من فوق أسطح المنازل ومن خلف الستائر، بعيدًا عن أنظار قوات الأمن. تستمر الاحتجاجات المناهضة للنظام في الظهور في بعض المناطق الحدودية التي تهيمن عليها الأقليات في البلاد والتي تحملت العبء الأكبر من قمع النظام.

يوم الجمعة الماضي، تدفق آلاف الأشخاص إلى شوارع مدينة زاهدان ذات الأغلبية البلوشية بعد صلاة الظهر، مطالبين بإسقاط النظام.

لا تزال الغالبية الكردية في غرب البلاد تشهد تجمعات بمناسبة انتهاء فترات الحداد التي استمرت 40 يومًا على المتظاهرين القتلى.

"كردستان، كردستان، مقبرة الفاشيين"، هتف المشيعون في شريط فيديو نشرته منظمة حقوق الإنسان الكردية الإيرانية Hengaw في 16 يناير/كانون الثاني الماضي. رفع المشيعون الورود في الهواء لإحياء ذكرى هومان عبدالله، متظاهر قُتل برصاص قوات الأمن.

بالنسبة للنشطاء، صمود الاحتجاج بين الأقليات العرقية هو علامة على ما سيأتي. ويقولون إن عمليات الإعدام سترتد في النهاية بنتائج عكسية.

حُكم على ما لا يقل عن 18 متظاهرا بالإعدام حتى الآن، فيما حصل 5 فقط على حق الاستئناف، بحسب HRNA. تم توجيه تهم إلى أكثر من 100 متظاهر بارتكاب جرائم عقوبتها الإعدام.

تم إعدام 4 أشخاص بالفعل، بما في ذلك سجناء بارزون مثل بطل كاراتيه ومدرب أطفال.

قال أحد النشطاء في إيران الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية ويطلق على نفسه السيد "زد": "أصبح الناس غاضبين أكثر بعد أن أدركنا مدى السرعة والتسرع في شنقهم لهؤلاء الرجال". وأضاف لـCNN: "أعتقد أنهم زادوا من الضغط بشكل كبير وفي المرة القادمة، لن يخاف الناس حتى من أن يُشنقوا".

قوبلت عمليات الإعدام بإدانة شديدة من المجتمع الدولي. تشير التقارير، بما في ذلك تقارير CNN الخاصة، إلى أن معظم المتظاهرين يُحرمون من الإجراءات القانونية الواجبة، مع محاكمات سريعة ومحامين معينين من قبل الدولة فقط.

لكن النشطاء يقولون إن أحكام الإعدام كان لها أيضًا تأثير مخيف، خاصة على الجيل الأكبر سنًا من الإيرانيين الذين ظلوا إلى حد كبير بعيدًا عن الشوارع والذين يحاولون الآن إبقاء أطفالهم في المنزل.

قال ناشط خارج إيران: "لا أحد يريد أن يحمل صورة طفله"، مشيرًا إلى أمهات يحملن صورًا لأبنائهن وبناتهن المقتولين والمعتقلين. انتشرت الصور في كل مكان منذ بداية الاحتجاجات.

لكن الناشط المعروف باسم Mamlekate ، والذي لعب دورًا رئيسيًا في توزيع الصور ومقاطع الفيديو من الاحتجاجات، وفي ربط الصحفيين بمصادر في البلاد، قال إن "الأبناء يريدون بناء مستقبلهم". وأضاف: "إذا لم يفعل الأبناء ذلك، فمن سيقوم بالأمر؟ هذا أبعد ما يكون عن الانتهاء".