دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "بوردو زيت الزيتون اللبناني" هذا ما يُلقب به زيت زيتون دير ميماس الذي يُعتبر الأطيب في لبنان. وامتهنت عائلة روز بشارة إنتاج زيت الزيتون في قرية دير ميماس الجنوبية. لكنّ بشارة الطفلة حلمت بإنتاج زيت زيتون لبناني تُطلقه عالميًا من قريتها، ويحظى باعتراف عالمي.
وكان لها ذلك، رغم أنها تأخّرت بتحقيق حلمها. فما أن أطلقت شركتها "درمّاسّ" في عام 2019، حتى راكمت أكثر من خمس جوائز عالمية في فترة قصيرة عن منتجها زيت الزيتون البكر الممتاز، آخرها جائزة عالمية مرموقة في مسابقة نيويورك العالمية لزيت الزيتون (NYIOOC) حيث نالت الميدالية الذهبية، وحجزت مكانًا لها ضمن الدليل الرسمي لأفضل زيوت الزيتون في العالم.
ولم تتوقّع بشارة الفوز بهذه الجائزة التي تردّد صداها محليًا وعالميًا. وكانت تعمل بجهد ومثابرة كبيرين حتى أبصرت شركتها "دَرمّاسّ" النور. وفي حديث لها مع موقع CNN بالعربية قالت: "كنت أمام خيارين، إمّا أقوم بإنتاج الزيت التقليدي الذي درجت قريتي وعائلتي وكل المناطق اللبنانية على تصنيعه، فأنافس فقط على السعر، وبالتالي لن أربح المعركة، أو أنتج زيت زيتون يتمتع بجودة عالية، أي زيت الزيتون الفاخر (Gourmet) وأنافس على النوعية".
وبفضل تخصّصها في مجال التسويق، وهي الحائزة على ماجيستير إدارة الأعمال التنفيذية (Executive MBA)، وعملها في مجال الطعام لفترة طويلة عالميًا، وسفرها الكثير لتذوق الزيت، شكلت هذه العناصر قاعدة صلبة لها كي تطلق شركتها، قبل انطلاق الثورة اللبنانية في 17 تشرين الأول عام 2019، بأيام معدودة.
ولم تثنها الأزمات اللبنانية المتتالية عن تحقيق هدفها. فقطاف الزيتون كان قد تمّ، وتعريبه، وعصره، وفلترته، وبات إنتاجها الأول جاهزًا بقناني للاختبار في السوق اللبنانية.
وقالت بشارة: "كنت أدرك أنّ السوق اللبنانية ستمثّل واجهة لي لكنّها ليست جوهر عملي. فأنا سعيت لإنتاج نوعية الزيت الأوروبي وليس اللبناني. ومنذ عام 2020 إلى اليوم، بتنا نصدّر 80% من إنتاجنا إلى الخارج، ونحن متواجدون في 16 دولة ونسعى للتوسّع أكثر. فأنا أنتجت هذا الصنف الممتاز للأسواق الأوروبية، والأمريكية، والأسترالية، وغيرها".
التحديّ الأول.. أنا إمرأة
ولم تكن البدايات سهلة، فالإعداد لهذه الخطوة استوجب العمل بداية على صورة تعريف المنتج (visibility) التي استغرقت نحو 3 سنوات.
وأوضحت بشارة أن مشاعر الخوف من الفشل انتابتها لفترة من الزمن، لا سيّما خلال سنة الاختبار الأولى بالسوق اللبنانية، إذ قالت: "اللبناني معتاد على الزيت التقليدي حلو المذاق نوعًا ما، وها أنا أقدّم له صنفًا آخر.. فقلت لنفسي أنّ حظوظي بالنجاح تبلغ 50% فقط".
وبما أنّ هدفها التوجه عالميًا، شاركت منذ السنة الأولى بمسابقتين عالميتين. وفاز منتجها بميدالية فضية في اليابان، وأخرى ذهبية في إيطاليا. وهذا الأمر عزّز موقعها كامرأة تدير هذه الشركة التي لم تنل ثقة مجتمعها بداية، إذ نظر إليها على أنّها "بنت ضيعة" فيما يسيطر الرجال على هذه الصناعة، وهذه كانت إحدى أولى التحديات التي واجهتها. بعدها بدأت التصدير إلى الخارج من دون خوف.
كما شكّلت الظروف اللبنانية عائقًا كبيرًا ومرهقًا أيضًا، مثل انقطاع الطاقة الكهربائية "الذي عرقل وأخّر إنجاز مراحل آلية إنتاج زيت الزيتون البكر الممتاز السريعة جدًا، والترويج له عالميًا، فضلًا عن غلاء كلفة المازوت، وعدم تمكن البلدة من تأمينه وبالتالي تأمين الطاقة الكهربائية، إلى ارتفاع سعر الإنتاج نتيجة ارتفاع سعر الفيول في لبنان".
وقالت بشارة: "أنا اصنّع منتجًا حِرَفيًّا، فلا أملك اقتصادًا ضخمًا. وارتفعت كلفة انتاج الزيت، لكن تركيزي كان على تحسين نوعيته أكثر فأكثر.. ورغم كل الظروف المعاكسة حصلنا على هذه الميدالية".
وظهرت تحديات أخرى مع الممارسة، إذ لفتت بشارة إلى الحاجة لمعدات محدّدة ومكلفة جدّا تتوافق مع الطموح والنموّ الكبير الذي تحقق منذ عام 2019 إلى اليوم، موضحة أنّ النجاح لا يتحقّق من دون بذل الكثير من الجهد، والوقت، والمثابرة.
الاعتراف العالمي والجوائز المتتالية
وإلى ذلك، لاقى الفوز الأخير بالميدالية الذهبية لجودة زيت الزيتون، صدًى واسعًا، زاد من الطلب على تذوق زيت دَرمّاسّ الفاخر في لبنان والخارج على حد سواء. وأعربت بشارة عن فرحها بأنها "حصلت على اعتراف عالمي من جهة متخصصة ومعترف بها عالميًا".
وعن شركتها الناشئة، أشارت بشارة إلى أنها اختارت نموذج الشركة الاجتماعية المتمحورة حول دعم وتمكين المجتمع المحلي. وتضطلع بمهمتين:
وقالت بشارة: "الأولى بيئية، ذلك أننا نروّج، ونستخدم، ونؤسّس، ونناصر الثقافة العضوية في قريتنا. ولا نعمل إلا مع مزارعين منفتحين على الثقافة العضوية ومنهم من سبقونا إلى ذلك بسنوات لأنهم يعتبرون الزيت دواء".
وأضافت: "الثانية اجتماعية، لأنّ دور المزارع مهم جدًا لنجاح درمّاسّ، من خلال طريقة اهتمامه بالأرض، واعتماده على الزراعة العضوية، ونظافة الزيتون بعد تعريبه وفق معاييرنا كي نتمكن من إنتاج هذه النوعية، مقابل شراء محصولهم بأسعار جيدة جدًا مع الدفع مسبقًا، وهذا الأمر يناسبهم ماديًا ومعنويًا".
وأعربت عن شعورها بالفخر للتعاون مع نخبة من المزارعين المنفتحين على الطرق الحديثة بإنتاج الزيتون.
وتشعر بشارة بالفخر أيضًا لأن زيتها حصل على جائزة معايير التميز لزيت الزيتون الغني بالفينول وهي سابقة في لبنان. فهذه الفئة جديدة في العالم تنظمها المفوضية الأوروبية، والبوليفينول مادة مضادة للأكسدة لديها فوائد صحية كبيرة يبدأ تشكّلها في المعصرة لأسباب عديدة بعضها متصل بالطبيعة، وأخرى متصلة بالآلية المعتمدة لإنتاج زيت الزيتون.
أما مضادات الأكسدة في زيت "درمّاسّ" فنسبتها عالية وتزيد عن 250 ميليغرامًا في كيلوغرام واحد. وأوضحت بشارة أن "زيت درمّاسّ يتميز بطيبته ويساعد وفق المواصفات الأوروبية، على محاربة الأمراض المستعصية. وتشمل هذه الفئة 10% من زيت الزيتون المصنّع عالميًا".
متى يحين موسم الحصاد لدى روز بشارة؟
ويبدأ موسم قطاف الزيتون قبل شهر من القطاف في القرية، في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول، وخلال فترة زمنية تتراوح بين 10 و15 يومًا كحد أقصى بهدف قطف الزيتون الأخضر الفجّ. ومن ثم تعريب الزيتون، واعتماد آلية خاصة عند العصر في معصرة ميماس بدير ميماس من دون ماء أو حرارة.
التسويق عالميًا.. كيف تم؟
وعن التسويق عالميًا، قالت بشارة:"اعتمدنا المزيج التسويقي الذي يلائمنا أكثر من خلال تحديد الزبون الذي نتوجّه إليه. كما نعمل مع موزعين وشركات تجارة التجزئة الذين يشترون هذا الصنف بعد تذوّقه، ويعلمون كيف يسوقونه للزبائن المهتمين به، ونحن نتحدث عن gourmet، أي زيت فاخر. كما نعمل مع المطاعم الفاخرة في لبنان وخارج لبنان لأنّ طاهي المطبخ الفاخر يستخدم زيت زيتون عالي الجودة".
وأعربت بشارة عن فرحها بالجائزة التي حققتها، لأنّ ذلك ينعكس إيجابًا على لبنان، مؤكدة: "نحن نبرهن، بأنه في هذه الفترة الصعبة التي نمر بها لسنا فاشلين، وفي وسعنا القيام بالكثير من الأمور الجميلة وفي مجالات عديدة. وأدعو الكل إلى التفكير بما يمكن إنجازه من خلال خلق فرص للمجتمع، لا سيّما في مجال الزراعة كي نتخطى هذه المرحلة بوقت أسرع".