مستشفى الشفاء.. كيف أصبح أكبر مجمع طبي في غزة "مركزًا" للحرب الإسرائيلية ضد حماس؟

الشرق الأوسط
نشر
12 دقيقة قراءة

تقرير من إعداد نادين إبراهيم، جيسي يونغ وكريستيان إدواردز، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

(CNN)-- اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء، الأربعاء، وهو أكبر مستشفى في غزة، بعد أن اتهمت حماس بحفر أنفاق موجودة تحت المجمع الضخم، وهو ادعاء نفته الجماعة المسلحة ومسؤولو المستشفى.

ويُعتقد أن آلاف الفلسطينيين يحتمون بالمستشفى وحوله، والذي قالت الأمم المتحدة إنه أصبح "مركزًا" للقتال في المنطقة، مما أدى إلى محاصرة المرضى والموظفين والفلسطينيين النازحين مع نفاد الإمدادات الطبية والوقود.

لقد توقف المبنى الرئيسي للمستشفى عن العمل فعلياً، حيث يعمل الأطباء على ضوء الشموع ويلفون الأطفال الخدّج بورق الألمنيوم لإبقائهم على قيد الحياة، مع تحذير البعض من أن الوضع في الداخل أصبح "كارثياً".

وفي الأيام الأخيرة، أصبح المستشفى نموذجًا مصغرًا للحرب الأوسع والخطاب المحيط بها. ويعتبر الفلسطينيون القتال حول مستشفى الشفاء دليلاً على استخفاف إسرائيل المتعمد بحياة المدنيين في غزة، في حين تشير إسرائيل إلى المستشفى كمثال على استخدام حماس للمدنيين كدروع بشرية.

لكن قرار القوات الإسرائيلية دخول المستشفى يمثل لحظة تصعيد محتملة في الصراع الذي بدأ في 7 أكتوبر، عندما دخل مقاتلو حماس إلى إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز أكثر من 200 آخرين كرهائن، وهو أكبر هجوم من نوعه على إسرائيل منذ تأسيس الدولة عام 1948.

ومنذ ذلك الحين قُتل أكثر من 11 ألف شخص في غارات إسرائيلية انتقامية في غزة، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في رام الله، التي تستمد الأرقام من القطاع التي تسيطر عليها حماس.

إليكم ما نعرفه حتى الآن عن مستشفى الشفاء وعملية الأربعاء.

ماذا حدث يوم الاربعاء؟

في وقت مبكر من صباح الأربعاء بالتوقيت المحلي، قال الجيش الإسرائيلي إنه "نفذ عملية دقيقة وموجهة ضد حماس في منطقة محددة في مستشفى الشفاء" في غزة.

وقال خالد أبو سمرة، طبيب في المستشفى، لشبكة CNN، إنهم تلقوا تحذيرًا قبل بدء العملية الإسرائيلية على المجمع بـ 30 دقيقة وذلك في الساعات الأولى من صباح الأربعاء.

قال: "لقد طُلب منا الابتعاد عن النوافذ والشرفات. يمكننا سماع صوت المركبات المدرعة، فهي قريبة جدًا من مدخل المجمع."

وقال خضر الزعنون، وهو صحفي داخل المستشفى، لشبكة CNN صباح الأربعاء إن الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية كانت في فناء المستشفى. وأضاف أن جنود الاحتلال كانوا "في المباني والأقسام يجرون عمليات تفتيش واستجواب مع الشبان وسط إطلاق نار كثيف وعنيف داخل المستشفى"، وكانوا يستخدمون مكبرات الصوت ليطلبوا من الشباب في المستشفى "رفع أيديهم، والخروج وتسليم أنفسهم."

ولا تستطيع CNN التحقق بشكل مستقل من مزاعم إسرائيل بأن حماس تعمل من المستشفى.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بيتر ليرنر، لشبكة CNN، الأربعاء إن الجيش الإسرائيلي قد أبلغ مديري المستشفى والمرضى والمدنيين بالداخل بالاحتماء "لأننا نعتزم إجراء عمليتنا العسكرية من أجل التمييز بين المدنيين والإرهابيين."

ماذا تدعي إسرائيل؟

كانت إسرائيل قد زعمت مرارا وتكرارا أن حماس تستخدم مجمع المستشفى لأغراض عسكرية. وفي عرض تقديمي لوسائل الإعلام الشهر الماضي، اتهم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، حماس بتوجيه الهجمات الصاروخية وقيادة العمليات من المخابئ الموجودة أسفل مبنى المستشفى، والتي قال إنها مرتبطة بشبكة الأنفاق التي حفرتها حماس تحت مدينة غزة.

ولم يقدم هاغاري في ذلك الوقت سوى دليل واحد: مكالمة هاتفية يُزعم أنها بين اثنين من سكان غزة يناقشان وجود مقر حماس في مستشفى الشفاء. ولم تتمكن CNN من التحقق بشكل مستقل من صحة التسجيل.

ونشر الجيش الإسرائيلي أيضًا مقطع فيديو مصورًا "استخباراتيًا" لما يبدو عليه مقر حماس تحت مستشفى الشفاء. يُظهر الفيديو رسمًا تخطيطيًا ثلاثي الأبعاد للمستشفى، والذي يتحرك لإظهار شبكة متحركة من الأنفاق وغرف العمليات المزعومة.

ادعى هاغاري خلال العرض بأن حماس تستخدم مستشفيات أخرى داخل غزة بطرق مماثلة، والذي تضمن صورًا جوية ورسومات بيانية وتسجيلات صوتية.

وبذلت إسرائيل جهودا أخرى لنشر ما تقول إنه دليل على عمليات حماس تحت المستشفيات. فقد دعا الجيش الإسرائيلي، الإثنين، وسائل الإعلام لزيارة مستشفى الرنتيسي للأطفال في مدينة غزة، حيث زعم هاغاري أن أجزاء من الطابق السفلي كانت "مركز قيادة وسيطرة" لحماس وربما تم استخدامها لاحتجاز الرهائن.

عرض على فريق CNN الذي رافق للجيش الإسرائيلي أسلحة ومتفجرات في إحدى الغرف الواقعة أسفل المستشفى، والتي وصفها هاغاري بـ"مستودع الأسلحة".

ونفى مدير المستشفيات في وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس، الثلاثاء، الاتهامات الإسرائيلية، قائلًا إن الطابق السفلي من مستشفى الرنتيسي يستخدم لإيواء النساء والأطفال، وليس لتخزين أسلحة حماس واحتجاز الرهائن.

كيف رد الفلسطينيون؟

لقد أنكر كل من حماس ومسؤولو الصحة الفلسطينيون والعاملون الطبيون بشدة مزاعم إسرائيل بشأن مستشفى الشفاء، وأدانوا اقتحام الأربعاء.

وقال المدير العام لوزارة الصحة في غزة، الدكتور مدحت عباس، لشبكة CNN إن مستشفيات غزة "تُستخدم لعلاج المرضى فقط" ولا تُستخدم "لإخفاء أحد".

وبعد بدء المداهمة، قالت وزيرة الصحة في السلطة الفلسطينية، الدكتورة مي الكيلة، إنها تمثل "جريمة جديدة ضد الإنسانية والطواقم الطبية والمرضى"، وحذرت من أنها قد تكون لها "عواقب كارثية" على المرضى والطواقم الطبية.

وفي بيان صدر يوم الأربعاء، ألقت حماس باللوم على كل من إسرائيل والولايات المتحدة في الغارة، زاعمة أن الولايات المتحدة أعطت إسرائيل "الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين" باستخدام "الرواية الكاذبة" التي تقدمها إسرائيل عن استخدام مستشفى الشفاء كمركز قيادة.

واتهم البيان أيضًا الأمم المتحدة بالفشل في الدفاع عن الفلسطينيين.

ماذا قالت الولايات المتحدة؟

كان البيت الأبيض قد دعم مزاعم إسرائيل، الثلاثاء، قائلًا بأن حماس تخزن أسلحة وتدير وحدة قيادة من مستشفى الشفاء في غزة، نقلًا عن معلومات استخباراتية أمريكية.

وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، للصحفيين المسافرين مع الرئيس جو بايدن: "يدير أعضاء حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، نقطة قيادة وسيطرة من مستشفى الشفاء في مدينة غزة. لقد قاموا بتخزين الأسلحة هناك وهم مستعدون للرد على العملية العسكرية الإسرائيلية ضد تلك المنشأة." ولم يقدم كيربي أي دليل يدعم أقواله.

لكن بايدن قال أيضًا يوم الاثنين إن المستشفيات في غزة "يجب حمايتها" وأن "أمله وتوقعه هو أنه سيكون هناك أعمال اقتحام أقل" حولها.

لماذا مستشفى الشفاء مهم جدا؟

تم بناء منشأة الشفاء الطبية مترامية الأطراف، والتي تقع في الجزء الغربي من مدينة غزة، في العام 1946 عندما كانت غزة لا تزال تحت الحكم البريطاني. ويُنظر إلى المستشفى منذ فترة طويلة على أنه العمود الفقري للخدمات الطبية في جميع أنحاء قطاع غزة المحاصر، وقد تعرض للضرب في الصراعات السابقة بين حماس وإسرائيل.

منذ حرب إسرائيل الأولى مع حماس في الفترة ما بين 2008-2009، بعد عام تقريبا من سيطرة الجماعة المسلحة على القطاع، كانت إسرائيل تزعم أن مقاتلي حماس يحتمون بالمساجد والمستشفيات وغيرها من الأماكن المدنية لتجنب الهجمات الإسرائيلية.

وقال وزير الأمن الداخلي السابق ومدير الشاباك، آفي ديختر، في العام 2009 إنه "سر مكشوف" بين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة أن حماس تستخدم مستشفى الشفاء لعملياتها، وهو ادعاء نفته حماس مرارًا وتكرارًا.

وكان المستشفى قد تعرض للقصف قبل تسع سنوات خلال الحرب بين إسرائيل وغزة في العام 2014، والتي أدانتها بشدة منظمات الإغاثة والمنظمات الطبية. وألقى الفلسطينيون باللوم في هجوم العام 2014 على إسرائيل، بينما قالت إسرائيل إنه كان نتيجة إطلاق صاروخي فاشل من قبل حماس.

تصدر المستشفى عناوين الأخبار بعد مرور عام، عندما نشرت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان تقريراً يدين حماس، بما فيه مزاعم بأن مقاتلي حماس قاموا باستجواب وتعذيب الناس في عيادة في مستشفى الشفاء.

ماذا يقول القانون الدولي بشأن استهداف المستشفيات؟

يحكم القانون الدولي الإنساني الطريقة التي تُدار بها الحرب ويسعى إلى الحد من المعاناة الناجمة عنها. إنه مصمم لتوفير الحماية للمدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك الطاقم الطبي والمرافق الطبية.

لكن الحماية ليست غير مشروطة، فقد أوضحت كورديولا درويغي، كبيرة المسؤولين القانونيين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في مقطع فيديو، الثلاثاء، أنه "يمكن أن يفقدوا حمايتهم إذا تم استخدامهم خارج وظيفتهم الإنسانية لارتكاب أعمال ضارة بالعدو"، مضيفة أن استخدام المباني مثل المستشفيات التي تأوي المقاتلين والأسلحة يمكن أن تحول الأعيان المدنية إلى أهداف عسكرية مشروعة.

بمجرد أن يفقد المستشفى وضعه المحمي، يمكن أن يكون الهجوم مسموحًا به، ولكن يجب على الطرف المهاجم إعطاء تحذير قبل شن الهجوم. وقالت درويغي: "الغرض من هذا التحذير هو السماح لأولئك الذين يسيئون استخدام المستشفى بوقف الأعمال الضارة بالعدو، أو إذا استمروا، السماح بالإخلاء الآمن للمرضى والطاقم الطبي"، مشيرةً إلى أن ذلك ليس ممكنا دائمًا في حالات الصراع.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، الأربعاء إنه حذر منذ أسابيع من أن "استمرار استخدام حماس العسكري لمستشفى الشفاء يعرض وضعه المحمي للخطر"، وأضاف البيان أن الجيش الإسرائيلي أبلغ السلطات المختصة، الثلاثاء، بأن جميع الأنشطة العسكرية داخل المستشفى يجب أن تتوقف خلال 12 ساعة.

وقالت درويغي إن هذا "لا يعني أن هناك ترخيصًا مجانيًا للهجوم"، تخضع جميع الضربات إلى "مبدأ التناسب"، الذي ينص على أنه يتعين على الطرف المهاجم التأكد من أن الضرر المتوقع الذي يلحق بالمدنيين لن يكون "مفرطًا" مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة. ويجب على جميع الأطراف أيضًا اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين.

لكن تحديد التناسب مهمة شاقة. وقال مايكل شميت، أستاذ القانون في جامعة ريدينغ وضابط سابق في القوات الجوية الأمريكية، لشبكة CNN، إن إجراء مثل هذا الحساب هو "أصعب قرار يمكن أن يتخذه القائد في ساحة المعركة."

وبينما لا يجادل أحد في فظاعة مثل هذه الهجمات، فإن الخبراء القانونيين منقسمون حول ما إذا كانت تصرفات إسرائيل تنتهك بالضرورة القانون الدولي الإنساني.