ناشطة مصرية تقود مبادرة "ربط غزة" لتوفير الإنترنت للقطاع بدعم من متطوعين ومانحين دوليين

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
ناشطة مصرية تقود مبادرة "ربط غزة" لتوفير الإنترنت للقطاع بدعم من متطوعين ومانحين دوليين
Credit: MOHAMMED ABED/AFP via Getty Images

(CNN)-- تجلس الناشطة والكاتبة المصرية ميرنا الهلباوي على سطح أحد المنازل في القاهرة، ووجهها مضاء بضوء القمر وبين يديها هاتف، وهي ترسل رسالة نصية إلى أب مذعور، زوجته وأطفاله محاصرون في غزة.

ويكتب لها باللغة العربية: "لا أريد أي شيء من هذا العالم الآن، باستثناء أن أكون قادرا على التحدث معهم، حتى لو كانت للمرة الأخيرة، دعوني أقول لهم وداعا".

ميرنا الهلباوي التي تعيش على بعد أكثر من 200 ميل، لا تستطيع حماية عائلته من سقوط الصواريخ الإسرائيلية. لكن يمكنها أن توفر للعائلة الفرصة لتقول مرة أخرى: "إننا نحبكم". 

الكاتبة والناشطة المصرية هي مؤسس مبادرة توصيل غزة، وهي مبادرة شعبية تستخدم شرائح eSIM- أو بطاقات SIM الافتراضية- لمساعدة الفلسطينيين على تجنب انقطاع الاتصالات، وسط الغارات الجوية الإسرائيلية في جميع أنحاء المنطقة.

وتقول ميرنا الهلباوي، بجانب مجموعة صغيرة من المتطوعين ومجموعة كبيرة من المانحين الدوليين، إنهم أعادوا الاتصال الهاتفي والإنترنت إلى أكثر من 200 ألف فلسطيني في غزة، وسيواصلون الجهود حتى تنتهي الحرب المدمرة بين إسرائيل وحركة حماس.

وأضافت الهلباوي، 31 عاما، لشبكة CNN إن "الحق في الوصول إلى الهاتف والإنترنت هو حق أساسي من حقوق الإنسان لا يقل أهمية عن الغذاء والماء".

وبدون القدرة على الاتصال، لا يستطيع المدنيون الفلسطينيون المحاصرون وسط خط النار الاطمئنان على بعضهم البعض أو طلب المساعدة. ولا يستطيع عمال الطوارئ والعاملون الطبيون تنسيق استجاباتهم، وتقول إن "الصحفيين لا يستطيعون توثيق الفظائع على الأرض، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة".

وأوضحت الهلباوي: "بعد كل هذا الألم، لا يمكنهم حتى مشاركة حزنهم مع العالم أو الصراخ من أجل مطالبة الناس بوقف إطلاق النار". وقالت: "كان عليهم تحمل القصف والهجمات في صمت مطلق، الأمر أشبه بالقتل بينما يضع شخص ما يده على فمك، لذلك لا يمكنك حتى الصراخ لطلب المساعدة".

غزة صامتة

وكانت الهلباوي، مثل ملايين آخرين، تراقب بقلق تطورات الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما شنت حماس هجوما سافرا على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 240 آخرين كرهائن.

وتعرضت خدمات الاتصالات لاضطرابات. وقطعت إسرائيل الكهرباء عن المنطقة وقال مقدمو الخدمات إن القصف دمر البنية التحتية الحيوية للشبكة. وكان بعض الفلسطينيين ما زالوا قادرين على إجراء مكالمات هاتفية والوصول إلى الإنترنت، ولكن الاتصال كان متقطعا.

ولعدة أسابيع، تابعت الهلباوي الأخبار عن كثب. لقد حطمت الصور ومقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي قلبها، حيث تحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض، ويكافح الأطباء لعلاج المرضى دون أدوية، والآباء في حداد على وفاة أبنائهم.

وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول، وبينما كانت إسرائيل تستعد لتوسيع عملياتها البرية، صمتت غزة.

وقالت شركة بالتل، شركة الاتصالات الرائدة في الأراضي الفلسطينية، في بيان: "يؤسفنا أن نعلن عن انقطاع كامل لجميع خدمات الاتصالات والإنترنت مع قطاع غزة في ظل العدوان المستمر". وكان هذا هو أول انقطاع من بين عدة مرات لانقطاع للتيار الكهربائي والإنترنت في غزة.

وخوفا من أن يوفر انقطاع التيار الكهربائي غطاءً لـ"جرائم حرب"، انشغلت الهلباوي بإيجاد حل.

في البداية، انضمت إلى الآخرين على منصة "إكس"، ودعت إيلون ماسك إلى توصيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية Starlink إلى غزة - وكانت متحمسة عندما قال ماسك إنه سيقوم ذلك. ولكن عندما تعثرت المحادثات بشأن تلك الخطط، قررت الهلباوي أن تجرب أمرا آخر.

وبناء على اقتراح أحد متابعي وسائل التواصل الاجتماعي، قامت بشراء شريحة eSIM مع خدمة التجوال، وحاول صديق الاتصال بشبكة أجنبية، ونجح الأمر.

وقالت الهلباوي: "أدركنا أن هناك أملا، حتى لو كان أملا صغيرا جدا، في أننا وجدنا حلا، لقد كان ضوءا في نهاية نفق مظلم للغاية".

وخلال 24 ساعة، نشرت على "إكس" و"انستغرام"، تطلب من المتابعين الذين يرغبون في المساعدة في استعادة الهاتف والإنترنت للفلسطينيين التبرع بشرائح eSIM عن طريق شرائها عبر الإنترنت وإرسال رموز QR لها. وشعرت الهلباوي بالثقة في قدرتها على العثور على أشخاص في غزة لديهم خدمة لتوزيع شرائح eSIM في جميع أنحاء المنطقة.

منح صوت للضحايا

عندما بدأت الهلباوي في تنفيذ خطتها، كان الصحفي أحمد المدهون في غزة يكافح من أجل كيفية الإبلاغ عن الحرب بدون هاتف أو خدمة إنترنت.

وكواحد من الصحفيين القلائل على الأرض، شعر المدهون بأنه ملتزم بإبقاء العالم على الاطلاع حول آخر الأخبار، ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو في أعقاب ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال المدهون، 27 عاما، لشبكة CNN: "إنها مسؤولية كبيرة، الناس هنا يموتون في صمت، ولا أحد يستطيع سماعهم، نحن صوت كل هؤلاء الضحايا".

ووسط مخاوفه، تمكن المدهون من الوصول إلى الإنترنت باستخدام بطاقة SIM إسرائيلية قبل أن يتم حجبها. في ذلك الوقت، نشر على منصة "إكس" متسائلا: "شخص ما أخبرني عن شريحة eSIM- من هو؟".

وبعد دقائق رأت الهلباوي سؤاله وردت عليه: "أنا...أرسل لي رسالة على وجه السرعة".

وسرعان ما أعطت الهلباوي للمدهون رمز الاستجابة السريعة لبطاقة eSIM وساعدته في إعادة توصيلها بالإنترنت، مما جعله أول شخص في غزة يحصل على واحدة، وهنا، وُلدت مبادرة "توصيل غزة".

الحل ينتشر بسرعة

وسرعان ما انتشرت أخبار المبادرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قام الأشخاص المعنيون من أنحاء العالم بشراء شرائح eSIM الإلكترونية والتبرع بها.

وتقول الهلباوي إن الجهات المانحة أرسلت رموز الاستجابة السريعة من أماكن بعيدة مثل الولايات المتحدة وسويسرا وباكستان وهولندا. ويقوم معظمهم بشرائها عبر تطبيقات الهاتف المحمول مثل Simly وAiralo، والتي تسمح للمانحين بمعرفة متى يتم تنشيط شرائح eSIM وتفعيلها.

وذكر غرايم برادلي، أحد المتبرعين من اسكتلندا، أنه انجذب إلى هذه المبادرة لأنها طريقة سهلة لإحداث تأثير كبير على صراع تتعرض فيه حياة الكثير من الأشخاص للخطر.

وقال برادلي، 38 عاما، لشبكة CNN: "إنه أمر مروع أن نرى مستوى الدمار والموت الذي يلحق بالمدنيين الأبرياء الذين يعيشون في منطقة محتلة وليس لديهم مكان يذهبون إليه، لا يوجد مفر لديهم".

ومن خلال مساعدة الفلسطينيين على رواية قصصهم، يأمل أن يتمكنوا من "تحويل الرأي العام والضغط على قادة العالم للدعوة إلى وقف إطلاق النار".

وأقرت الهلباوي بأنها مهتمة جدا بربط غزة. إنه أول شيء تفكر فيه في الصباح وآخر شيء ليلا.

وقالت: "بالكاد ننام، فربط شرائح eSIM هو أولويتنا الأولى في الحياة، ورغم أنني أشعر بأنني أفعل شيئا كبيرا من أجل غزة، إلا أنني لا أستطيع التوقف عن الشعور بأننا لا زلنا لا نفعل ما يكفي".

وحتى الآن، تم التبرع بشرائح eSIM بقيمة 1.3 مليون دولار أمريكي لتوزيعها، وفقا للهلباوي. وتقول إن المبادرة، تربط أكثر من 1000 فلسطيني يوميا، ويمكن لكل شخص تحويل هاتفه إلى نقطة اتصال مع خمسة أشخاص آخرين.