هديل غبّون
عمّان، الأردن (CNN)-- وجّه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الأربعاء، الحكومة بإعداد مشروع قانون للعفو العام والسير بإجراءاته الدستورية، تزامنًا على مناسبة اليوبيل الفضي لتوليه سلطاته الدستورية وجلوسه على العرش، فيما أعلنت الحكومة الأردنية منح مشروع القانون صفة الاستعجال لإقراره في الدورة البرلمانية العادية الحالية لمجلس الأمة، التي تنتهي في الحادي عشر من إبريل/نيسان المقبل.
وفور صدور التوجيه الملكي في خطوة اعتبرها مراقبون "سياسية بامتياز"، تفاوتت التقديرات حول القضايا التي سيشملها العفو العام الذي سيعدّ حال نفاذه الرابع في عهد الملك عبدالله الثاني، وفق الضوابط التي وردت في التوجيه وهي مراعاة "المصلحة العامة" والمحافظة على "الحقوق الشخصية والمدنية وفق مبادئ العدالة وسيادة القانون"، وألا يتعارض مشروع القانون" مع مقتضيات الأمن الوطني والسلم المجتمعي".
وأعرب العاهل الأردني في نص التوجيه، "عن أمله في أن يسهم مشروع القانون في التخفيف من الأعباء على المواطنين، والعمل على مساعدة من حاد عن طريق الحق وجادة الصواب في تصحيح مساره، والمساهمة في بث روح الإيجابية والتسامح في المجتمع وإشاعة مفهوم العدالة التصالحية".
وشدّد العاهل الأردني، بحسب البيان الصادر عن الديوان الملكي، "على أهمية أن تشكل هذه الخطوة فرصة للتغيير في نفوس ممن سيشملهم العفو العام حال إقراره، من خلال العودة إلى حياتهم الاجتماعية، والانخراط بحيوية في إطار احترام القانون وحقوق المواطنين".
في الأثناء، قال المتحدث باسم الحكومة الأردنية الوزير مهند مبيضين، في تصريح خاص لموقع CNN بالعربية، إن التوجيه الملكي يعدّ "جزءًا من التقاليد الملكية في الأردن وفي المناسبات الملكية المختلفة، عند بداية كل عهد وفي كل احتفالية، وذلك منذ عهد الملك المؤسس عبدالله الأول وفي عهد الملك الحسين واليوم يأتي هذا التوجيه مع اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية".
وأكد مبيضين أن لمشروع القانون صفة الاستعجال، دون الكشف عن أبرز ملامحه الأولية، لكنه أضاف بالقول: "تاريخ العفو العام في المملكة له تقاليده وصياغاته التشريعية ومناسباته أيضًا، وجرى العرف أن مضامين القانون متقاربة من حيث طبيعة القضايا التي يشتملها، والتي تحكمها مبادئ نص عليها التوجيه الملكي بوضوح. الغاية الأساسية منه التخفيف عن المجتمع وإصلاحه وكذلك تخفيف الأعباء عن الدولة".
وفي السياق، يرى النائب في البرلمان الأردني عمر عياصرة، أن"الدوافع والفوائد وراء إصدار قانون للعفو العام سياسية بامتياز، تتقاطع مع مرور 25 عامًا على تولي الملك سلطاته الدستورية، وكذلك مع مطالبات شعبية بدأت منذ بداية المجلس النيابي الحالي كخطوة لتخفيف الأعباء المعيشية والاقتصادية عن المجتمع".
ويعتقد العياصرة أيضًا في حديثه لموقع CNN بالعربية، أنها "التفاتة ملكية نحو الداخل في وقت انصب فيه النشاط الملكي على غزة والمشهد السياسي الخارجي، إذ ارتبط هذا النشاط بقبول شعبي أردني، وهي خطوة باعتقادي لخلق حالة من التوازن بين الهم الداخلي والخارجي الذي شغل الأردنيين أيضًا مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بالبلاد".
ويأتي التوجيه الملكي على بُعد أقل من شهر واحد من انتهاء العمر الدستوري للبرلمان الأردني الحالي التاسع عشر، الذي ينتهي في 11 إبريل/نيسان من هذا العام.
وأشار العياصرة إلى أن هذه الخطوة من شأنها أيضًا أن "تصنع بيئة سياسية مريحة" للشارع الأردني مع استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة للبرلمان العشرين قبل نهاية العام الجاري، بعد أن "استبعدت مرجعيات عديدة في الدولة سابقا صدور عفو عام قريب"، بحسب تعبيره.
ورأى العياصرة أن هامش "تعديل مجلس النواب على صيغة مشروع القانون محدودة"، تبعًا للتوجيه الملكي،لافتاً أن قوانين العفو العام عادة ما تقر بتوافقية".
وأكد رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، غازي الذنيبات، في تصريحات لقناة "المملكة" الرسمية، إن اللجنة "ستدرس مشروع القانون بما يحقق المصلحة العامة ومصلحة الوطن" عقب إحالته من الحكومة للبرلمان، للمرور بالقنوات الدستورية.
وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أمر بصدور عفو عام عند توليه سلطاته الدستورية في العام 1999، ولاحقا في العام 2011. كما صدر قانون للعفو العام في العام 2019.
قانونيًا، يتجه العرف الدستوري، بحسب المحامي الدكتور صخر الخصاونة، إلى "استثناء الجرائم الواقعة على أمن الدولة من بينها التجسس والإرهاب والمخدرات والقتل العمد والجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة وجرائم التزوير الجنائي وجرائم الاعتداء على العرض كالاغتصاب وهتك العرض"، في مشروع القانون.
وأشارت الخصاونة، لـ CNN بالعربية، إلى أن بعض الجرائم لا يمكن التنبؤ بشمولها، خاصة تلك "المخالفات والقضايا والحقوق المالية المترتبة على المواطنين لصالح الدولة".
ويرى الخصاونة في العفو العام فرصة "لإصلاح المجتمع"، في وقت تحدثت تقارير للسلطات الرسمية، عن ارتفاع نسب الإشغال في السجون الأردنية بنسبة تجاوزت 180%، بحسب الخصاونة.
أما المختص في القانون والقانون الدستوري الدكتور سيف الجنيدي، فقد أوضح أن قانون العفو العام "بمفهومه الخاص أو الضيق، أي القواعد القانونية المكتوبة الصادرة عن السلطة التشريعية" يعني "إزالة الصفة الجرمية عن الفعل المشمول بالعفو العام والأثر المترتب عليه".
وبيّن الجنيدي لـ CNN بالعربية، أن العفو العام يشمل "توقف الملاحقة في مرحلة التحقيق، وكذلك سقوط دعوى الحق العام في مرحلة المحاكمة وتوقف الملاحقة، وكذلك إسقاط العقوبة وإخلاء السبيل للمحكوم في مرحلة التنفيذ"، كما أن العفو يشمل "الفاعل الأصلي والشريك والمتدخل والمحرَض".
وحسب الجنيدي، فإن الجرائم في هذه الحالة تقسم إلى 3 فئات، وهي: "جرائم غير مشمولة بالعفو، وجرائم مشمولة بالعفو، إضافة إلى جرائم مشمولة بالعفو شريطة إسقاط الحق الشخصي"، فيما رّجح الجنيدي السير على نهج قانون العفو العام السابق الذي صدر في 2019 في مشروع قانون 2024.
وأوضح الجنيدي أنه "بمطالعة أحكام القوانين السابقة، وفي ضوء التوجيهات الملكية بإعداد مشروع قانون عفو عام، من المتوقع السير على النهج الذي اتّبع في قانون العفو العام الأخير لسنة 2019، من شمول جميع المخالفات، والجنح والجنايات باستثناء طائفة من الجرائم، منها: الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي، والجرائم الواقعة على السلطة العامة، والجرائم الاقتصادية، وجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والجرائم الواقعة على العرض، وبعض صور جرائم المخدرات".
وجرت العادة وفقا للجنيدي، بحيث يتم "شمول العديد من الجرائم بالعفو العام مقترنة بشرط إسقاط الحق الشخصي أو دفع المبلغ المطالب به، كما في جرائم القتل بصورته المجردة، والاحتيال"، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يشمل مشروع قانون العفو العام الجرائم المرتكبة ما قبل تاريخ 19 آذار للعام الحالي 2024.
ورأى الجنيدي أن العفو العام من شأنه أن "يعزز العدالة الصالحية ويبث روح الايجابية والتسامح في المجتمع.. الأمر الذي يرتب أبعادًا اجتماعية واقتصادية ملموسة على واقع الأسر".