أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- كان الرئيس السوري ذو القبضة الحديدية بشار الأسد الجيل الثاني من سلالة عائلية استبدادية احتفظت بالسلطة لأكثر من 5 عقود، واختفاؤه وسط تقدم سريع للمعارضين السوريين المسلحين يشير إلى إعادة ترتيب هائلة للسلطة في دولة ذات أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط.
يُعرف الأسد بحكمه الوحشي لسوريا، التي دمرتها منذ عام 2011 حرب أهلية وحولتها إلى أرض خصبة لتنظيم "داعش" الإرهابي، كما أشعلت حربًا دولية بالوكالة وأزمة لاجئين شهدت نزوح الملايين من ديارهم.
بدأت الحرب بعد أن رفض نظام الأسد الرضوخ للاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية في ذلك العام خلال الربيع العربي، وشن بدلًا من ذلك حملة قمع وحشية على الحركة السلمية، مما أسفر عن مقتل وسجن الآلاف في الأشهر القليلة الأولى فقط من الاحتجاجات.
ومنذ ذلك الحين، اتُهمت قوات الأسد بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وهجمات وحشية ضد المدنيين طوال الحرب التي استمرت 13 عامًا، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبها. وفي بداية الحرب، دعت الولايات المتحدة والأردن وتركيا والاتحاد الأوروبي الأسد إلى التنحي.
لكن النظام الذي يعاني من عقوبات غربية شديدة ومعزول دوليا تمسك بالسلطة حتى الآن بفضل دعم حلفائه الأقوياء روسيا وإيران، وحملة بلا رحمة ضد المعارضة.
جاءت مشاهد الاحتفالات في المدن السورية كشاهد على فظاعة النظام. ففي حمص، أظهرت مقاطع فيديو رصدتها شبكة CNN سكان المدينة وهم يمزقون ملصقات تحمل صورة الأسد ووالده في مشاهد تذكرنا بصور رمزية من عام 2011.
بشار يصل إلى السلطة
تولى الأسد السلطة في انتخابات بلا منافسين في عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد، الذي ارتقى من الفقر ليقود حزب البعث واستولى على السلطة في عام 1970، ليصبح رئيسًا للبلاد في العام التالي. نشأ بشار الأسد في ظل والده، حليف السوفييت الذي حكم سوريا لمدة 3 عقود وساعد في دفع الأقلية العلوية إلى مناصب سياسية واجتماعية وعسكرية رئيسية.
ومثله كمثل ابنه الذي خلفه، لم يتسامح حافظ الأسد مع المعارضة، حيث كان القمع منتشرًا على نطاق واسع، وكانت نوبات العنف الشديد من جانب الدولة تحدث بشكل دوري. وفي عام 1982، أمر حافظ الأسد جيشه وأجهزة الاستخبارات بقتل الآلاف من معارضيه في مدينة حماة ــ التي استولى عليها مسلحو المعارضة في وقت سابق من هذا الأسبوع ــ وأنهى انتفاضة قادتها جماعة الإخوان المسلمين.
وباعتباره الابن الثاني غير المستعد لارتداء عباءة والده، درس بشار طب العيون في لندن حتى وفاة شقيقه الأكبر باسل، الذي كان قد تم إعداده لخلافة حافظ، في حادث سيارة عام 1994. ثم برز بشار على الصعيد الوطني ودرس العلوم العسكرية، وأصبح فيما بعد عقيدًا في الجيش السوري.
بعد وفاة والده في يونيو/حزيران عام 2000، لم يستغرق الأمر سوى ساعات حتى يتمكن البرلمان السوري من تغيير الدستور وخفض سن الأهلية للرئاسة من 40 عامًا إلى سن الأسد في ذلك الوقت وهو 34 عامًا، وهي الخطوة التي سمحت له بخلافة والده بعد انتخابات خالية من المنافسين في الشهر التالي.
وبدا أن العديد من المراقبين في أوروبا والولايات المتحدة يشعرون بالارتياح إزاء الرئيس القادم، الذي قدم نفسه باعتباره زعيمًا شابًا جديدًا قد يبشر بنظام أكثر تقدمية واعتدالًا.
وقد ساهمت زوجة بشار الأسد، أسماء، التي تزوجها في عام 2000، وهي مصرفية استثمارية سابقة من أصل سوري نشأت في لندن، في تعزيز هذا الرأي.
ولكن الآمال الغربية في سوريا أكثر اعتدالًا تبخرت عندما سارع الزعيم الجديد إلى الحفاظ على العلاقات التقليدية لبلاده مع الجماعات المسلحة، مثل حماس وحزب الله. ثم تحولوا إلى الإدانة الصريحة للنظام بعد أن واجه موجة المطالبة بالديمقراطية في عام 2011 بقوة وحشية.
في مايو/أيار 2011، قال الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما إن نظام الأسد "اختار طريق القتل والاعتقالات الجماعية لمواطنيه" ودعاه إلى قيادة التحول الديمقراطي "أو الابتعاد عن الطريق".
أعيد انتخاب الأسد بأغلبية ساحقة كل 7 سنوات، وكان آخرها في عام 2021 فيما اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا "انتخابات مزورة".
حرب أهلية
كانت قوات الأسد معروفة بتكتيكاتها الوحشية خلال الحرب الأهلية التي اندلعت بعد حملة القمع ضد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2011، عندما تشكلت معارضة مسلحة تتكون من ميليشيات صغيرة وبعض المنشقين عن الجيش السوري.
في عام 2013، قدم مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة أدلة "دامغة لا تقبل الجدل" على استخدام غاز الأعصاب في سوريا. ثم وصف الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون الهجوم الذي وقع في 21 أغسطس/آب، بضواحي دمشق، بأنه "أسوأ استخدام لأسلحة الدمار الشامل في القرن الحادي والعشرين".
وقالت الولايات المتحدة إن الهجوم ربما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، بينهم مئات المدنيين. ونفى المسؤولون السوريون مرارا وتكرارا ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أدى الهجوم وغيره من الهجمات إلى تحفيز القوى العالمية على العمل من أجل تفكيك الترسانة الكيميائية للنظام، ودفعت الولايات المتحدة في عام 2013 إلى زيادة دعمها لقوات المعارضة السورية، في أعقاب ما وصفته واشنطن بتجاوز "الخط الأحمر".
حذر الأسد الدول الغربية من دعم الجماعات المعارضة التي تقاتل ضد جيشه، وتوقع أن يقوم المسلحون ذات يوم بشن هجوم ضد الولايات المتحدة وغيرها. وفي وقت لاحق، في عام 2015، قال بشار الأسد إن سوريا لن تنضم إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة ضد جماعة "داعش" الإرهابية، التي سيطرت على أجزاء من البلاد التي مزقتها الحرب.
لقد أصبح الصراع الآن حجر الزاوية في إرث الأسد الوحشي، إذ خلف مئات الآلاف من القتلى، وما قالته الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام عن أكثر من 7 ملايين نازح داخل سوريا وأكثر من 6 ملايين لاجئ خارج سوريا.