آمال قرامي تكتب لـCNN عن الأزمة في تشكيل الحكومة بتونس

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير آمال قرامي
آمال قرامي تكتب لـCNN عن الأزمة في تشكيل الحكومة بتونس
رئيس الوزراء التونسي حبيب الصيد يقدم حكومة ائتلافية جديدة يهيمن عليها حزب نداء تونس العلماني وتضم أعضاء من الاسلاميينCredit: FETHI BELAID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

المتابع لتصريحات قياديي حزب النهضة قبل الإعلان عن تشكيل حكومة "الصيد" الأولى، يذهب في اعتقاده أنّ النهضة متعفّفة بالفعل، عن الحكم : لا تفرض أسماء، ولا تطالب بحقائب، ولا تريد أن تكون في موقع نفوذ علّها تتمكّن من 'محاصرة عمليّة التقليب في الدفاتر القديمة'.

ولكن عوّدنا قياديو النهضة على خطاب مزدوج: الظاهر والباطن. فالمعلن عنه عزوف عن المشاركة في الحكم، وإقبال على المشاركة في المفاوضات تعبيرا عن توجه توافقي، وتأكيدا على وزن الحزب في المعادلة السياسية. ولكنّ تصريحات قياديي حزب النداء بعد رفض تشكيل الحكومة الأولى، أكّدت أنّ حزب النهضة مثله مثل غيره من الأحزاب، كان يطالب بحقائب  محددة، ويقترح تسمية قياديين في مواقع صنع القرار ومن ثمّة لم يتميّز الحزب عن غيره من الأحزاب المتصارعة على كراسي السلطة، ولم يثبت أنّه يؤثر مصلحة البلد على التشبث بالحكم، ولم يؤكّد أنّه يؤمن بمبدأ التداول على الحكم. وهكذا بدا حزب النهضة شريكا في خلق الأزمة.

***

ورغم حرص 'الصيد" على التوليف بين المتناقضات، والجمع بين المستقلين والمتحزبين إلاّ أنّه اعترف بأنّه ليس من السهل إرضاء جميع الفاعلين السياسيين، وتحقيق المعادلة الصعبة. وما دام الأمر كذلك فقد كان على رئيس الحكومة أن يعيد النظر في تشكيلة حكومته، وتمثيلية الأحزاب، والنساء، والشباب، والجهات، وأصحاب الأموال، وأن يستأنف المشاورات.

وكالعادة كان الإعلاميون والمحللون يتابعون التسريبات، ويرصدون ملامح الوجوه فينتبهون إلى مغادرة بعض الشخصيات قصر الحكومة وعلامات الغضب بادية على وجوههم، بينما خرج 'الغنوشي' فرحا مسرورا. وانشغل الإعلاميون برصد تحوّل مواقف قيادي الأحزاب، والتكهن بما أخفاه هذا المسؤول أو ذاك، وفكّ الألغاز والطلاسم ...وما أكثرها.

***

والواقع أنّ المشهد السياسي يستدعي أدوات جديدة في التحليل نظرا إلى تعقّده وتضارب المصالح واختلاف المواقع. فالجدل قائم بين أنصار حكومة سياسية، وحكومة ائتلاف وطني، وحكومة معظمها مستقلون، وحكومة تخضع للمحاصصة الحزبية، وما يسمعه التونسيون خلال هذا الأسبوع، يدور حول: ائتلاف، تحالف، توافق، تشريك، تجميع التونسيين، خيار الوفاق، عهد حدث بين السبسي والغنوشي في باريس على اقتسام السلطة، حكمة الشيخين...

وفي المقابل نجد نعوتا تتداول: أطراف استئصالية، يسار متطرف، سياسيون يريدون إقصاء النهضة  ويقومون بالتعبئة وتجييش الشارع... وهكذا ترتفع وتيرة الخلاف الأيديولوجي ويلقي الاستقطاب بظلاله على سير المفاوضات. ويبدو أنّ الولادة ستكون عسيرة، وأنّ تشكيلة الحكومة التي من المرجّح أن تتضمن وجود قياديين من حزب النهضة ستثير رد فعل عنيف من داخل حزب النداء، ومن أحزاب أخرى كالجبهة الشعبية فضلا عن تونسيين ناصروا حزب النداء من أجل القطع مع عهد الترويكا وهيمنة حزب النهضة فإذا بحزب النداء يخذلهم ويتنكر لوعود كان قطعها.

***

ومرّة أخرى تظهر الأحزاب السياسية في صورة لا تتطابق مع توقعات التونسيين وآمالهم فالطبقة السياسية تزداد مواقفها تصلبا، وتبدي تمسكا بالسلطة أكثر من ذي قبل وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على الحياة السياسية المستقبلية. ففي الوقت الذي تنغلق فيه الدوائر: ركود اقتصادي، وصعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية للعيش، وتفاقم البطالة والتهميش، وخطر 'داعش' على الحدود مع ليبيا يهدّد الناس، ويقضّ مضاجعهم يتلهى السياسيون بتوزيع المناصب، وتقسيم الغنائم.

ولئن كانت الحكمة تقتضي أن تكون تونس لجميع التونسيين فلم أقصى "الصيد" حزب النهضة في تشكيلة الحكومة الأولى ثمّ عاد ليمكّنها من بعض المناصب؟ أهي إكراهات الواقع التي أملت عليه المناورة أم أنّه آثر تمرير خيار تشريك النهضة تصوره جرعة جرعة ما دامت الأصوات تتعالى هنا وهناك رافضة هذا الخيار؟ وفي كلّ الحالات يبدو تصوّر السياسيين لعامل الزمن خاصّا.