شمس الدين النقاز يكتب لـCNN: هل هي حرب سنية شيعية بين إيران والسعودية؟

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير شمس الدين النقاز

هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.

على إثر تنفيذ حكم الإعدام برجل الدين الشيعي نمر باقر النمر يوم السبت الماضي، قامت جموع غاضبة في العاصمة الإيرانية طهران باقتحام مبنى السفارة السعودية وإضرام النار فيها كما قاموا بإنزال العلم السعودي من فوق المبنى وكذلك في قنصلية المملكة في مدينة مشهد الإيرانية.

إعدام "النمر" كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الغضب الشيعي في المنطقة بأسرها وليس فقط داخل المدن الإيرانية، فالتنديدات توالت وتتالت من كل حدب وصوب خاصة من زعماء الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا والبحرين واليمن وغيرها من الدول العربية والغربية.

أمّا الجهات الرسمية الإيرانية فظلّ دبلوماسيوها ومسؤولوها وإن اختلفوا، وفيّين لعاداتهم باتهام المملكة العربية السعودية بتهم ما فتئوا يردّدونها عند كلّ مناسبة، ولنا في ما خلفته حادثة تدافع الحجاج في مشعر منى في موسم الحج الماضي خير دليل على ذلك.

قد يهمك أيضاً.. بالفيديو: جولة حصرية لـCNN داخل عربة مدرعة في مدينة العوامية مسقط رأس النمر

الجديد هذه المرّة في العلاقة بين البلدين هو قطع العلاقات الدبلوماسية ودخول أكثر من دولة على هذا الخط، فبعد ساعات من إعلان وزير الخارجية السعودى عادل الجبير أن المملكة قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد دبلوماسيها، قررت الإمارات هي الأخرى تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران إلى مستوى قائم بالاعمال وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين فى الدولة، كما طردت السودان السفير الإيراني وقطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.

الرد الإيراني لم يتأخر كثيرا فبعد ساعات من هذه القرارات المنتظرة، انتقد نائب النائب الأول للرئيس الإيرانى "إسحاق جهانغيرى" قرار السعودية واصفا إجراءاتها بأنها "متسرعة وغير مدروسة وأنها هي من يتضرر من قطع العلاقات مع إيران"، مضيفا "إيران بلد كبير وعليكم أن تجيدوا كيفية التعامل مع الكبار"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.

بيان دولة البحرين والإمارات يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن قطع العلاقات مع إيران ليس مرده حرق السفارة السعودية بل هو نتاج لتدخل متكرّر وسافر من الجانب الإيراني في قضايا دول الخليج فقد جاء في البيان المذكور "إزاء استمرار وتفاقم التدخل السافر والخطير من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس فى شؤون مملكة البحرين فحسب، بل وفى شؤون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكذلك الدول العربية الشقيقة، دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق، أو اعتبار لمبادىء حسن الجوار أو التزام بمبادى الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامى، ما يؤكد إصرارًا على إشاعة الخراب والدمار وإثارة الاضطرابات والفتنة فى المنطقة عبر توفير الحماية وتقديم الدعم للإرهابيين والمتطرفين وتهريب الأسلحة والمتفجرات لاستعمالها من قبل الخلايا الإرهابية التابعة لها فى إزهاق الأرواح وقتل الأبرياء."

إنّ الصراع الإيراني السعودي ليس مردّه إعدام شيعي أو قتل سنّي أو حرق سفارة، بل هو صراع هيمنة وبقاء بين قوتين إقليميتين في المنطقة إحداهما تمثّل حسب زعم البعض الحصن السنّيّ ضدّ التغلغل الشيعي الفارسي والأخرى تقدّم نفسها كدولة قومية مدافعة وحاضنة لشيعة العالم، وهو ما أحدث حالة من التصادم بين الدولتين "القوميتين" في السنوات الأخيرة.

كذلك.. بالفيديو: ماذا يحدث في المواجهة المتصاعدة بين السعودية وإيران؟

فالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ودول الجوار السعودي أقوى من نفوذ المملكة العربية السعودية التي تبدو محاصرة من الجوانب الأربعة، ففي داخل البلاد وبالتحديد في شرق المملكة ولا سيما في القطيف والأحساء، يشكّل الشيعة الأغلبية المعارضة للحكومة بالإضافة إلى أقلية شيعية أخرى فى مناطق مثل المدينة المنورة، وعسير، وجيزان، ونجران، والطائف، والخبر.

هذه المعارضة دفعت عـضو مجلس خبراء القيادة فى إيران آية الله أحمد خاتمي إلى القول في تصريحات إعلامية عقب إعدام نمر النمر "بأن التجربة أثبتت أن مثل هذه الإستشهادات تُشكل المحرك للحركات المقدسة، معربا عن ثقته بأن المسلمين الشيعة فى السعودية سيحولون نهار آل سعود إلى ليل مظلم" في تحدّ صارخ للنظام السعودي وفي تحريض واضح على التمرّد.

شيعة الداخل السعودي ليسوا أقل خطورة من شيعة الخارج وعلى رأسهم مقاتلو حركة أنصار الله الحوثية "الحوثيون"، اللّذين أعلنوها حربا لا هوادة فيها مع النظام السعودي وهو ما دفع المملكة لتشكيل تحالف عربي أطلقت عليه عاصفة الحزم لردع الحوثيين والقضاء عليهم وسيدخل هذا التحالف عامه الأول بعد شهرين دون تحقيق الغاية المرجوة من تشكيله.

الصراع بين ممثّليْ السنة والشيعة ظلّ قائما بدوره فى البحرين، فالدعم السعودي للسطات البحرينية لا يزال قائما إلى يومنا هذا، كما تواصل الدعم الإيرانى للمعارضة الشيعية بدوره على مدار السنوات الأخيرة، وهو ما تسبّب في اندلاع مظاهرات في البحرين من قبل الشيعة عام 2011  ما استوجب وقوف الرياض إلى جانب قيادة المنامة وذلك على خلفية تصاعد احتجاجات المعارضة التى يشكل الشيعة السواد الأعظم منها فى ميدان اللؤلؤة بالعاصمة البحرينية.

لبنان هو الآخر ميدان صراع سعودي إيراني، ففي حين تدعم إيران حزب الله بالمال والسلاح تواصل السعودية دعمها هي الأخرى لرئيس الحكومة السني السابق سعد الحريري متسبّبة بذلك فى تفاقم الأزمة السياسية اللبنانية منذ الفراغ الرئاسى فى مايو 2014.

العراق بدوره لم يسلم من هذا التّناحر بين الدولتين ولعل المتأمل في الأحداث على أرض الواقع يكتشف بما لا يدع مجالا للشكّ حجم الصّراع المعلن بينهما وإن كانت إيران هي المنتصرة في نهايته خاصّة مع تشكيلها لميليشيات شيعية تعدادها عشرات آلاف المقاتلين وتكوين جيش طائفي شيعي في الوقت نفسه يقوده رئيس حكومة شيعي.

لكن ورغم كل هذا التصارع بين الدولتين العدوّتين، تبقى سوريا النقطة التي أفاضت الكأس في علاقاتهما، خاصة أمام تمسّك إيران ببقاء الرئيس بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية والدفاع عنه، وإصرار المملكة على رحيله بالقوة ما دفعها إلى تمويل وتسليح عشرات المجموعات المسلحة

في الأخير لا يمكننا القول أكثر من أنّ المنطقة مشتعلة والصراع بين الدولتين صراع مصالح وهيمنة ونفوذ وليس صراع دفاع عن السنة أو عن الشيعة، لكن ورغم ذلك فمن المستبعد أن تندلع حرب مباشرة بينهما في المستقبل القريب وذلك لنجاحهما حاليّا في خوض حرب بالوكالة عبر تمويل كلّ طرف لفصيل سياسي أو مسلّح في دول عدّة، ولتواصل حرب الإقتصاد وسياسة ليّ الذّراع عبر التلاعب بأسعار النفط في العالم لإلحاق أكبر ضرر ممكن بالخصم.

هذه الأسباب وغيرها كثير هي الّتي دفعت الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، إلى القول في حواره مع مجلة "إيكونوميست" البريطانية الخميس 7 يناير الجاري إلى أن نشوب حرب بين بلاده وإيران "سيكون إيذاناً بكارثة"، وأن الرياض لن تسمح بذلك.

فهل يخالف المستقبل التوقعات وتسمح طهران بنشوب حرب بيد البلدين؟