حمزة عتبي، الجزائر (CNN)-- يعيش الصحفيون الجزائريون حالة تذمر كبيرة من الكيفية التي تنتهجها وزارة الاتصال في تجسيد إصلاحات قطاع الإعلام التي انطلقت ضمن ورشة إصلاحات كبيرة سنة 2011، ولم تأت إلا بضغوط اجتماعية يتكبدها ممتهنو الصحافة بسبب فوضى "الإشهار" وغياب الرقابة على الدعم الممنوح للجرائد.
ويشهد الوسط الإعلامي الجزائري توقف عدة عناوين إعلامية منذ مجيء الوزير حميد قرين على رأس قطاع الاتصال، وانتشار حديث عن توجه وزارة القطاع نحو إغلاق زهاء 50 جريدة بدعوى تقلص ميزانية "الإعلانات" العمومية التي تقدمها الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، وهو الوضع الذي سيؤدي إلى فقدان المئات من مناصب عمل الصحفيين والمساعدين المهنيين الآخرين.
ونددت مبادرة كرامة الصحفي الجزائري (إطار مطلبي حر تأسس سنة 2011) في بيان بمناسبة احتفالات الجزائر السنوية المخلدة لذكرى تأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، المصادف لـ 24 فبراير/ شباط، بما أسمته "المحق الاجتماعي" الذي يتعرض له رجال ونساء الإعلام، نتيجة السياسة الخاطئة المنتهجة في إصلاح المنظومة الإعلامية.
وقال المنسق في هذه المبادرة، الإعلامي رياض بوخدشة لـCNN بالعربية إن الصحفيين هم المتضرر الأكبر من السياسة المنتهجة في تطهير الساحة الإعلامية من عشرات العناوين.
ويرى بوخدشة أن وزارة الاتصال تنتهج سياسة خاطئة في معالجة مشاكل قطاع الصحافة، متسائلا كيف يتم السماح بظهور مؤسسات إعلامية من جرائد وقنوات خاصة في العلن، ثم تتوقف عن النشاط إما بالغلق الإيرادي أو تحت التضييق المالي، دون أدنى حساب لمصير الصحفيين والمهنيين العاملين فيها.
وتوجد في الساحة الإعلامية الجزائرية نحو 150 جريدة ما بين إخبارية عامة ورياضية، العديد منها تسحب أقل من 1000 نسخة يوميا.
وتضاءلت نسبة الدعم المتأتي عن طريق "وكالة النشر والإشهار" التابعة للدولة بأكثر من 45 في المائة، ويطرح في الوسط الإعلامي الجزائري سؤال كبير حول "معايير استفادة الجرائد من دعم الدولة"، بينما يتساءل الصحفيين عن سبب انسحاب الدولة من رقابة القطاع الخاص، وتمكينهم من رواتب تضمن لهم العيش الكريم.
ومن جانبه الصحفي في جريدة "اليوم" سفيان داسة، تساءل في تصريحه لـ CNN بالعربية عن مصير الدعم الذي تستعيذ منه الجرائد ولا يوجد له أثر في مستوى معيشة الصحفيين ولا ظروف عملهم، ولا حتى في عملية التطوير والتحسين وإيجاد مصادر تمويل مستقلة عن الدولة.
وقال الإعلامي مجيد ذبيح من صحيفة "صوت الأحرار" نأسف ونحن نحتفل بذكرى تأسيس أكبر منظمة نقابية في الجزائر بمآل عدد من زملائنا الصحفيين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل بعد أن تعرضت الصحف التي يشتغلون فيها إلى الإغلاق لأسباب أو لأخرى.
وتساءل ذبيح في تصريحه لـ CNN بالعربية، عن صمت المركزية النقابية تجاه ما حدث لعمال من المفروض أنهم من نخبة الجزائر وخيرة أبنائها ممن خدموا بالبلاد في أحلك الظروف، كما تساءل أيضا عن وضعية فيدرالية الصحفيين التي تم تجميدها منذ سنوات، فالمسؤولية -برأيه- يتحملها الناشرون بالدرجة الأولى ومعها المركزية النقابية لأنها لم تحرك ساكنا تجاه وضعية هؤلاء الصحفيين.
أيضاً: رابطة حقوق الإنسان بالجزائر تستغرب غياب التحقيقات في مقتل صحفيي "العشرية السوداء"
وقبل أيام اهتز قطاع الإعلام في الجزائر على خبر توقف صدور صحيفة "الأحداث" التي تأسست سنة 2002، واستفادت من دعم كبير من الدولة، لكنها انهارت بمجرد تراجع حصتها من "الإشهار" العمومي، واختارت التوقف المؤقت عن الصدور يوم 16 فبراير/شباط 2016، وأثار قرار الإغلاق هذا حالة غضب واستياء كبيرة وسط عمال الصحيفة الذين قرروا مقاضاة إدارة المؤسسة ومطالبتها بتعويضات.
وضمن هذا السياق، رفضت مديرة جريدة الفجر حدة حزام، تحميل الناشرين مسؤولية أوضاع الصحفيين، قائلة "ليس الوضع مزرياً في كل الصحف، هناك صحف تعطي رواتب خيالية وامتيازات وتكوين"، مستدركة كلامها "بعض الدكاكين فقط من تستغل الصحفيين، لكن حتى الصحفيين أنفسهم كثير منهم لا يستحق لقب الصحفي".
وعن مسؤولية الحكومة، أكدت حدة، في حديثها لـ CNN بالعربية، أن "الحكومة مسؤولة على الفوضى العارمة في قطاع الإعلام وإضعاف الصحافة بشكل عام"، موضحة في هذا الصدد أن "هناك عناوين أُسست لتنهب المال العام واستغلال الصحفيين".
و.. فنان جزائري يتحول إلى جلاد ويصفع صحفية في مهرجان وهران
ويرجع مدير مركز الرائد للدراسات، سليمان شنين، وضعية الصحافيين الجزائريين لعدة أسباب منها "عدم قدرتهم على إيجاد فضاء تنظيمي يمثلهم ويدافع عن اهتماماتهم وانشغالاتهم سواء كانت مهنية أو اجتماعية"، مما يسمح لهم، في نظره، من "المساهمة الجادة في كل ما يعد من مشاريع وقوانين ذات الصلة بالعمل الصحفي".
وحمّل شنين في حديثه لـ CNN بالعربية، بعض الناشرين مسؤولية الوضع المزري للصحافيين "من خلال سلم الرواتب أو عدم الاستفادة من الحقوق الاجتماعية"، مضيفا أن "الحكومة تبقي الصحافيين كوسيلة ضغط على الناشرين من خلال التهرب من مسؤولياتها في إيجاد إطار قانوني سواء في القطاع الخاص أو العام".