هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
وأخيرا أعلن العراق رسميّا أنّ قائد فيلق القدس الإيراني في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يشارك في الحملة العسكريّة المفتوحة على مدينة الفلوجة السنية كمستشار عسكري لدى الحكومة العراقيّة.
فقبل أيّام وتحديدا في 6 من شهر يونيو الجاري، كشف وزير الخارجية إبراهيم الجعفري أنّ قاسم سليماني يعمل في العراق مستشارا عسكريا بعلم الحكومة العراقية، وذلك في رده على استفسار عن ظهور سليماني لأكثر من مرة قرب ساحة المعارك قرب الفلوجة غربي العراق.
صراحة الجعفري جاءت متأخّرة في توقيتها رغم أّنها كانت مهمّة جدّة في هذا الوقت الحسّاس، وهي بمثابة رسالة مضمونة الوصول إلى بعض الجهات الداخليّة والخارجيّة من أصدقاء العراق وأعدائه، مفادها أنّ الأمر والنهي في العراق هو لإيران.
قاسم سليماني الّذي أصبح يعرفه القاصي والداني في العالم العربي، بل لا يكاد اسمه يغيب عن مائدة الحكام والسياسيين وكبار الإعلاميين في الفترة الأخيرة أصبح "بول بريمر جديداً" في العراق، فالجنرال الإيراني الّذي ضرب الثورة السورية في مقتل وحوّل سوريا إلى دولة فاشلة على كلّ المقاييس، داهية ليس له نظير في إيران، وهو ما دفعها إلى أن تجعل منه قوتها الضاربة في أكثر من منطقة تحكمها وتسيطر عليها بالوكالة على غرار سوريا والعراق واليمن ولبنان.
الجنرال الإيراني "الشبح" الّذي تمّ الإعلان عن مقتله وجرحه في أكثر من مرّة في كل من سوريا والعراق، أصبح رسميا مستشارا عسكريا لدى الحكومة العراقيّة هذا ما قاله الجعفري، ولو أنّ وزير الخارجيّة العراقي كان صريحا وأعلن أنّ سليماني هو "القائد الأعلى للقوات والميليشيات المسلّحة في العراق" لكن ذلك أفضل.
يحظى الجنرال الإيراني قاسم سليماني بمكانة كبيرة داخل إيران وخارجها، فقد سبق وأن تمّ اختياره في شهر مارس عام 2015 شخصية العام في إيران بحسب استطلاع للرأي لموقع خبر أونلاين الذي أجرى الإستطلاع بمناسبة عيد النوروز (رأس السنة الفارسية) حيث حصل على 37.3% من أصوات المشاركين، كما أنّ منصبه في الحرس الثوري وقربه من الرئيس الإيراني حسن روحاني ومرشد الثورة علي خامنئي مكّناه من تثبيت مكانه كأحد أعمدة التركيبة العسكريّة في البلاد.
شخصيّة قاسم سليماني تكاد تكون غامضة بالإضافة إلى أنّ المعلومات المتوفّرة حولها تكاد تكون شحيحة، وهذا أمر طبيعيّ بالنسبة لجنرال يعتبر اليد اليمنى لمرشد الثورة الإيرانيّة علي خامنئي، وهو ما ساعده على التأقلم وقيادة الحرب في دولتين عربيتين هما على التوالي سوريا والعراق، حيث جاء تعيينه مستشارا للحكومة العراقيّة لوضع حدّ للشائعات المنتشرة داخل الشارع العراقي والعربي والّتي تقول إنّ سليماني يقود معركة الفلوجة الّتي لم تحسم إلى الآن بعد نحو 3 أسابيع من القتال المتسمر والحصار الخانق.
كما أكّد الإعلان الرسمي عن وظيفة سليماني الجديدة حجم التنسيق والتعاون الإيراني الأمريكي على أرض العراق والّذي لم ينقطع منذ شهر مارس 2003 حتّى وإن كانت العلاقة في الظاهر متوتّرة بسبب الملف النووي الإيراني وسياسة إيران الطائفيّة في المنطقة.
لم يكن ما قاله وزير الخارجية إبراهيم الجعفري زلّة لسان تستوجب التوضيح والإعتذار، فبعد أيّام من تصريحه الأوّل والّذي أعلن فيه عن تعيين الجنرال قاسم سليماني مستشارا للحكومة العراقيّة، خرج الجعفري مرّة أخرى، ليعلن بصوت عال أنّ سليماني مستشار من جملة المستشارين الّذين يأتون إلى العراق و"لسنا خجولين، ولا جبناء، من لا يعجبه ذلك فهذا شأنه" ليزيد الطين بلّة مع حلفاء العراق من السنة وخاصّة منهم المملكة العربيّة السعوديّة.
طوال تاريخه لم يُعرف عن الجنرال سليماني أنّه قاد حربا ضدّ عدوّ خارجي هدّد أو ضرب المصالح الإيرانية، وإنّما عرف عنه قيادة الميليشيات والفيالق المسلّحة، ولعلّ أحياء حلب وأهلها يشهدون بذلك، كما تأكّد من ذلك أهالي تكريت في العام الماضي عندما وصل سليماني إلى مسقط رأس صدّام حسين لتقديم الإستشارات العسكريّة اللازمة للقوات العراقيّة الّتي نجحت في "تحرير" المدينة من قبضة مقاتلي "الدولة الإسلاميّة".
ظهور سليماني وتعيينه مستشارا لحكومة حيدر العبادي الّتي تئنّ وتعيش صعوبات جمّة خلال الفترة الأخيرة بسبب توتّر المشهد السياسي الداخلي، أنهى الجدل حول الدور الإيراني في العراق ووجّه رسالة إلى المحيط الإقليمي والدولي وللولايات المتحدة مفادها أن إيران حاضرة بكل ثقلها في العراق لمحاربة الإرهاب، وأنها الأجدر بإدارة الحرب ضده، لأن التحالف بقيادة واشنطن رغم قدراته يبدو إلى حدّ الآن عاجزا عن حماية العراق من خطر تنظيم الدولة الإسلاميّة وإن كان قد أضعفه بشكل كبير بعد نحو عامين من القصف المستمرّ.
بتعيين سليماني وجّه العراق صفعة قويّة لحلفائه من الدول السنيّة، فإيران الّتي تحكم العراق عبر رجالاتها في السلطة أثبتت أنّه لا مكان لأيّ جنرال عربيّ سنّي في المشهد العسكري العراقي، فلم يثبت أن عيّن حيدر العبادي أو نوري المالكي أيّ جنرال عربيّ كمستشار لأيّ منهما في حربهم على "الدولة الإسلاميّة" حاليّا أو دولة العراق الإسلاميّة سابقا، رغم الدعم الماديّ والعسكري الكبير الّذي يتلقاه العراق من قبل عدد من الدول العربيّة.
تعيين الجنرال الإيراني قاسم سليماني كمستشار عسكري للحكومة العراقيّة لن يغيّر ولن يبدّل في طبيعة المعركة شيئا، فالرجل لا يملك عصا سحريّة كما أنّ سيرته الذاتية لا تشهد له بأيّ نصر حقّقه طوال تاريخه سوى نصرا مؤزّرا على المدنيين العزّل في المدن السورية التي وطأتها قدماه وعربات ميليشياته.
في الأخير يمكننا القول، إنّ الحرب في العراق لازالت في بداياتها رغم أنّ البعض يرى أنّها تشرف على النهاية، بل إنّ المفاجئات ستكون عديدة ومتتالية في المستقبل القريب، كما لا نستبعد أن يكون العراق الّذي تقوده إيران تحت أعين الولايات المتحدة الأمريكية، مشتّتا أكثر فأكثر خاصّة مع تأخّر تحقيق النصر المرجوّ على "الدولة الإسلاميّة" والفتنة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ أشهر.