"ذيبان" الأردنية: من وعود التنمية إلى صدمة القبضة الأمنية

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
"ذيبان" الأردنية: من وعود التنمية إلى صدمة القبضة الأمنية
وسط منطقة ذيبان في الأردن Credit: CNN

ذيبان، الأردن  (CNN)-- لم تستدع أوضاع لواء ذيبان جنوب الأردن استحضار المظاهر الأمنية الرسمية على مدار أيام، لإنهاء احتجاج مطلبي امتد لشهرين قاده 24 عاطلا عن العمل بالقوة، بل الاستماع إلى سيدة خمسينية تقطن أقصى اللواء وهي تتحدث عن تعطل 18 فردا من عائلتها عن العمل منذ سنوات.

اقرأ: (موسى المعايطة لـCNN: الحكومة الأردنية فتحت حوارا مع ممثلي لواء "ذيبان".. ولسنا في معركة)

السيدة التي تعيش مع عائلة ممتدة وزوجة ثانية وأبنائها التقتها CNN بالعربية في جولة رصدت أوضاع البلدة، لم تكن حالة استثنائية بعد زيارة عدة منازل عشوائيا فيها ليكون "التهميش والفقر" عنوانا بارزا لأحاديث الأهالي، في بلدة خلت من أي مشروع حيوي تشغيلي، رغم الأعداد اللافتة للعاطلين عن العمل سنويا، وسط تقديرات غير رسمية لتسجيل البطالة ما نسبته 60 في المائة.

أزيلت خيمة الاحتجاج التي توسطت بلدة ذيبان في ساحة "السلام" الملاصقة تماما للمركز الأمني فيها، بعد هدم السلطات الأردنية لها مرتين وتنفيذ حملة اعتقالات واسعة إلى جانب إصابة ثلاثة من عناصر الدرك برصاص ناري، وبقيت يافطات التنديد بهجوم تنظيم داعش الإرهابي على منطقة الرقبان شمال البلاد الأسبوع الماضي، وبدت شوارع البلدة على درجة لافتة من النظافة.

أيضا: (تجدد المواجهات في "ذيبان" الأردنية بين معتصمين وقوات الأمن)

يستذكر شبان بابتسامة تحدثوا للموقع، عن عبوات الغاز المسيل للدموع التي أمطرت فيها البلدة قالوا إنه صناعة فرنسية تختلف عن أنواع سابقة عرفوها خلال الحراك الشعبي في 2011، متناسين ما استنشقوه من الغاز وما تطور الصدامات، بعدما أعلنت الحكومة الأردنية رسميا، التوصل إلى توافق حقيقي لحل مشكلة البطالة وأفرجت عن الموقوفين.

لكن مشاهد الاحتجاج تركت ندوبا غائرة في وجه الشاب إبراهيم اللوانسة 32 عاما، الذي كان ضحية اعتداء قوات من الدرك عليه كما يروي للموقع، حين تزامن مروره بالقرب من "ساحة السلام" أثناء الاحتجاجات لنقل حمولة بضائع، فلم يجد إلا من استوقفه بالقوة وباغته بفتح عبوة الغاز المسيل للدموع في وجهه، ولم يعي قوة الضربات التي وجهت له إلا بعد أن وصل مستشفى المنطقة.

 اللوانسة الذي التقته CNN بالعربية في منزله بعد ساعات على خروجه من المستشفى، أشار إلى إصابته بتفتت كامل في الأنف، وقال بحرقة: "عملت بالجيش لتسع سنوات ونصف ثم تركت الخدمة وأعمل على سيارة نقل منذ ثلاث سنوات.. الدرك أوصل المعتصمين إلى ما وصلوا إليه من احتقان كلنا نعاني من البطالة."

(عودة الهدوء وانسحاب الأمن من بلدة ذيبان الأردنية بعد مواجهات بين الأمن وعاطلين عن العمل)

يعيش اللوانسة في منزل مستأجر بمبلغ 120 دينارا شهريا (نحو 170 دولارا)، وبديون متراكمة وصلت إلى نحو 30 ألف دينار (نحو 43 ألف دولار) ودون تأمين صحي، عدا عن انتظار زوجته الحاصلة على بكالوريوس في الفيزياء من جامعة مؤتة لدورها في التعيين منذ سبع سنوات عبر ديوان الخدمة المدنية، كما يقول.

تعود شرارة انطلاق الحراك في ذيبان في 2011، إلى تململ الشبان العاطلين عن العمل حيال تردي الأوضاع المعيشية ومن قبلها احتجاجات عمال المياومة ورفض غلاء أسعار الاعلاف، ويدين الكثير من سكان اللواء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، لحصولهم على فرص تعليم في جامعات العراق وسوريا سابقا، حتى إن مؤيدين لصدام حسين لا يزالوا يعلقون صوره في منازلهم.

 ويستذكر الناشط المعروف في ذيبان محمد السنيد، بسخرية، عندما توجه لطلب ثمن علبة سجائر من أحد أصدقائه ليجده وقد فرغت أنبوبة غاز الطبخ لديه، ما كان مدعاة لحراك سبعة شبان في السابع من يناير/ كانون الأول حينها، تحت شعار "تسقط حكومة رفع الأسعار."

تخلو ذيبان من مشروعات صناعية أو تنموية خاصة أو حكومية، وتبعد عن مركز محافظة مادبا 35 كيلومترا وبحسبة سريعة، يشير المحامي ياسر الابراهيمي، أحد الداعمين لمطالب العاطلين عن العمل، إلى أن ما عرض سابقا على شبان المنطقة للعمل في وظائف للقطاع الخاص كانت خارج اللواء، وبما لا يغطي الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية.

ويشير الابراهيمي إلى أن العمل خارج اللواء يتطلب وصول العامل إلى مكان عمله ما لا يقل عن 5 دنانير يوميا (نحو 7 دولارات) وعبر وسائط نقل ضعيفة، في وقت تتراوح فيه قيمة الأجور بين 190 دينار (271 دولارا الحد الأدنى للأجور) و300 دينار أردني للوظائف المعروضة.

ويقول الابراهيمي: "أبناء ذيبان ليسوا كأي منطقة أخرى، فهذه المنطقة تخلو من أي مشروع تشغيلي حيوي وإذا ما تحدثنا عن موقع ذيبان فهو الأوسط في المملكة والأقرب إلى العاصمة من محافظة الكرك التي لا تعاني من مشاكل تنموية جوهرية، هنا خسرنا مصادر مياهنا في الوالة والهيدان بعدما تحولت إلى العاصمة ولا يوجد منزل اليوم ليس فيه عاطلين عن العمل."

يعمل أغلبية سكان ذيبان (نحو 39 ألف نسمة) الواقعة في محافظة مادبا وتقطنها عشائر الحمايدة، في أعمال الزراعة أو الاجهزة العسكرية والأمنية، ويردد وجهاؤها شكوى التهميش منذ عقود، فلا وظائف عليا في الدولة ولا مناصب، ووعود بمشروعات كبرى، كان من أبرزها جامعة ذيبان ومدينة صناعية منذ 2007، بحسب المحامي الإبراهيمي، حتى إن الأهالي بدأوا يعزفون عن إلحاق أبنائهم بالتعليم العالي.

ويقول الإبراهيمي: "جميع شبان الاعتصام لم يسجل عليهم أي قضايا سابقة، وزارة الداخلية أحدثت فوضى غير مبررة واعتقلت الناس من الشارع، البلدة قدمت شهداء كان آخرهم الشهيد هاني القعايدة في عملية مكتب مخابرات عين الباشا لو نكن يوما خارجون عن القانون".