طرائف وصراعات مرشحي الانتخابات النيابية الأردنية

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير هديل غبون
طرائف وصراعات مرشحي الانتخابات النيابية الأردنية
Credit: CNN

عمان، الأردن  (CNN)-- لم تشهد انتخابات أردنية تشريعية منذ عودة الحياة الديمقراطية إلى البلاد نهاية الثمانينات، المنسوب العالي من الطرافة والصراع معا، الذين تشهدهما الانتخابات الحالية المقرر إجراؤها، الثلاثاء، بالتزامن مع احتدام الجدل السياسي بين مرشحي أبرز التحالفات المشاركة، وفي مقدمتهم التيار الاسلامي بمختلف تلاوينه وتيار الدولة المدنية الذي يبرز للمرة الأولى بقوة.

حالة الطرافة التي اقتربت إلى الكوميديا السوداء في شعارات وخطابات بعض المرشحين، لاقت استهجانا في أوساط السياسيين ومراقبي الانتخابات وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ منذ إعادة تدوير نواب سابقين ومرشحين، لشعارات "حالمة" من قبيل "معا لتحرير القدس"، و"لا بديل عن فلسطين إلا الجنة" و"معا لتحرير الاندلس".

وشكلت خطابات لجأ إليها مرشحون يتنافسون على 130 مقعدا نيابيا، شغل بضعهم مواقع رسمية في وقت سابق، من طراز وزير الاوقاف السابق محمد نوح القضاة صدمة لدى أوساط الناخبين، عندما أعلن ترشحه عن الدائرة الأولى في محافظة الزرقاء الأردنية، لمرور النبي محمد منها، فيما تلتها صدمة دعوة مرشح من جرش يدعى راضي المقابلة شمال البلاد، ناخبيه في مقطع مصوّر إلى انتخابه، لأن "الملائكة" أخبرته بنجاحه بمقعد النيابة، ما دفع نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بوصفه "أنه المرشح النيابي المرسل."

ولم تقف شطحات المرشحين عند ذلك الحد، بل اعتبر أحد مرشحي منطقة الصريح شمال البلاد ويدعى يعرب العجلوني، أن التبرك بمنطقته "تسقط عنه فريضة الحج" مجازا، مرجعا ذلك إلى أن العلماء عندما قاسوا المسافة بين السماء والأرض أثبتوا أن مدينة مكة المكرمة تقع في منتصف الكرة الأرضية، وأنهم أثبتوا أيضا أن أقرب مسافة إلى رحمة السماء هي منطقة "الصريح".

بالمقابل، تصاعدت حدة المنافسة بين مرشحي قوائم حزب جبهة العمل الاسلامي الذي حمل مسمى التحالف الوطني للإصلاح، ويمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التاريخية في البلاد ومجموعة من الحلفاء السياسيين بمن فيهم مرشحين عن المقعد المسيحي والشركسي، في مواجهة تيار الدولة المدنية الذي يطرح مطلب الفصل بين الدين والدولة للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات التشريعية.

وعلى وقع سجال الدولة المدنية، شهدت مناظرة ساخنة بين مرشحي المقعد المسيحي في العاصمة عمان الأحد، استقطابا حادا بين النائب السابق والمرشح عودة قواس الذي انخرط في تحالف الإسلاميين، وبين مرشح قائمة الدولة المدنية قيس زيادين، هاجم فيها الأخير قواس تحالفه مع قوى تتهم العلمانية والمدنية بالإلحاد والتكفير وادعاء المناداة بالدولة المدنية، رغم ما أكده زيادين على أن القائمتين الوحيدتين في ثالثة عمّان، اللتين تحملان برنامجا سياسيا هما الاسلاميين وتيار الدولة المدنية.

وسينتخب الأردنيون الثلاثاء 130 نائبا من بين 1252 مرشحا ومترشحة موزعين على 226 قائمة بالمملكة ضمن قانون الانتخاب الجديد الذي يلغي الصوت الواحد ويمنح الناخب أصواتا بعدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية الواحدة، فيما يبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب ممن بلغ 18 عاما فأكثر، بحسب الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، 4.130.142 مليون ناخب وناخبة.

من جهته، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي راكان السعايدة، أن الغموض رغم بدء العد التنازلي لموعد الاقتراع، لايزال يحيط بالعملية الانتخابية برمتها، بسبب قانون الانتخاب الجديد ألغى الترشيحات الفردية وأقر حصريا نظام القوائم، وغياب اتجاه واضح لدى الناخبين حيال الانتخابات.

 ويرى السعايدة في حديثه لموقع CNN بالعربية أن غياب الأحزاب السياسية المحسوبة على التيار الوسطي، حل محله ظهور لافت للإخوان المسلمين في مشاركة جاءت بعد مقاطعة انتخابات 2013 و2010، يقابله التيار العلماني أو الدولة المدنية.

ويضيف السعايدة بالقول: "رغم ذلك يبقى تيار الدولة العلمانية محدود الأثر والاتساع ويكاد يتركز بدائرة واحدة هي ثالثة عمان، لكن الحضور الكبير للإخوان المسلمين، وبتقديري الإسلاميون ليس في ذهنهم المغالبة بمعنى تحقيق أغلبية برلمانية، هم يريدون وجود برلماني، يمنحهم القدرة على تأكيد شرعيتهم وشعبيتهم، بعد التصادم السياسي والقانوني مع الدولة، وتوصيفها لهم بجماعة غير مرخصة، كما يريدون أن يمنحهم دخولهم البرلمان قناة اتصال رسمية (عبر السلطة التشريعية) لإعادة ترتيب العلاقة مع الدولة وكسر المنهجية التي تم اتباعها لإضعافهم وتهميشهم ومن ثم استبدالهم بإطار إخواني آخر".

ويعتقد مدير برنامج راصد لمراقبة الانتخابات النيابية عمرو النوايسة، أن برامج المرشحين بالمجمل "برامج فضفاضة" أو "أشباه برامج" في مختلف السياقات المطروحة، قائلا إن أغلبية الشعارات المطروحة "تحاكي عواطف الناخبين" بالدرجة الأولى.

وقال النوايسة لموقع CNN بالعربية: "الشعارات المطروحة برمتها غير متجانسة مع الواقع الأردني ولم تعد تلك الشعارات تمر على الأردنيين.. هذه الشعارات لن تستقطب ناخبين عدا عن النزعة الفردية في الحملات الانتخابية وهي مرتبطة بالإرث الثقافي للعملية الانتخابية لمدة عشرين سنة وفق قانون الصوت الواحد."

ورأى النوايسة أن هناك بالفعل تصاعدا للخطاب الأيديولوجي بين عدة تيارات سياسية، يأتي في سياق "الفعل ورد الفعل"، مشيرا أيضا إلى أن هناك رفضا في العديد من المناطق للخطابات العاطفية بلغت إعلان بعض موقف المقاطعة للانتخابات.

لكن النوايسة لم يعتبر أن بروز تيارات كتيار الدولة المدنية ومؤيدي العلمانية، مقابل التيار الاسلامي، يندرج في باب المواجهة السلبية، بل ضمن منافسة ديمقراطية لم تخرج عن سياق السجال السياسي.

وأرجع النوايسة تصاعد تلك الثنائية، في الوقت الذي تشارك فيه جميع القوى السياسية والحزبية المنظمة، ما يعني صناعة معادلات وتوازنات جديدة لم تكن موجودة خاصة مع عودة الاخوان المسلمين إلى الساحة، بحسبه.