رأي: الحلُ الأمثلُ للهجرةِ غير الشرعيةِ للأطفال المصريين

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
رأي: الحلُ الأمثلُ للهجرةِ غير الشرعيةِ للأطفال المصريين
Credit: ARIS MESSINIS/AFP/Getty Images
هذا المقال بقلم شدوى إبراهيم، طالبة ماستر في علم السياسة بجامعة الكويت، مهتمة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات، تحضر رسالة حول موضوع الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح سياسي ضد النساء. ناشطة شبابية ومهتمة بالسياسة والأدب والشعر والفلسفة.   يعبّر المقال عن وجهة نظر كاتبته وليس رأي CNN.   شدوى إبراهيم-- كانت ولا زالتْ الهجـــرة غير الشرعيةِ للأطفال عبر البحر من المشكلاتِ التي عجزت الدولة المصرية عن حلها، وابتداء من 2011 برزت المشكلة بقوة، فباتت سوءًا وكارثيةً مع الوقت.   وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن مصر تحتل المركز الأول في الهجرة غير الشرعية للأطفال عبر البحر في الفترة الزمنية من 2011 إلى 2016. وفي سنة 2014 سجلت إحصائيات المنظمة هجرة 2.007 طفل من مصر إلى إيطاليا وحدها، وفي عام 2015 سجلت هجرة 2.610 طفل من بينهم 1.711 غير مصحوبين بذويهم أي ما يعادل 66% من نسبة الأطفال التي هاجرت في تلك الفترة . وحسب السلطات الإيطالية واللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية فإن إيطاليا استقبلت سنة 2016 ما يقارب 2.500 طفل إلى الآن.    ومن جانبٍ آخر فــقد توصل المركز المصري للبحوث الاجتماعية والجنائية في 2016 بعد بحثه الميداني الذي شمل كل محافظات القاهرة إلى وجود عشر محافظات رئيسية مصدّرة للهجرة في مصر بما فيها هجرة الأطفال، منهـا الشرقية، الدقهلية، القليوبية، المنوفية، الغربية، البحيرة، وكفر الشيخ وذلك بالنسبة للوجه البحري، إضافةً إلى الفيوم وأسيوط والأقصر والمنيا في الوجه القبلي.   وتعتمد هجـرة الأطفال بشكلٍ أساسي على السماسرة المختصين بتنظيم رحلات الهروب عبر مراكب مهترئة صغيرة، ويتراوح الراكبون فيها من 150 إلى 300 راكب، والمركب التي تصلح لخمسينِ شخصِ فقط قد تُمتلئ ب 300 شخص أو أكثر، لتكون كلفة الرحلة الواحدة ما بين 40 ألف جنية مصري إلى 70 ألف جنية مصــري. ويتفنن سماسرة المــوت أحيانًا في ابتداع طرقٍ جديدة للتهريب كإخفاء كل طفل في كيس أسود داخل المركب حتى الوصول إلى نصف الطريق. وعادة ما يكون السماسرة مجــهولون وينــاوب عنهــم وسطاءٍ كي لا يتم معرفتهم بسهولة.   ويتوقف عدد كبير من الأطفال في مصر عن الدراسة ليجمعوا المبلغ المطلوب للهجرة وليكونوا ضحايا السماسرة، وخاصة وأن ايطاليا تحمي بشكل غير مباشر تواجدهم بأراضيها، مع أنهم مهاجرون غير شرعيون، فإحدى مواد القــانون الإيطـالي تنص على أن  "كل طفلٍ غير مصحوبٍ بعائل تطـأ قدماه الأراضي الإيطالية فهو تحت حماية السلطات الإيطالية" والأهم من ذلك أنه لا يُرغم على العودة إلى بلاده وهذا ما يعتبره كل من هو تحت الثمانية عشر عامًا ميزةً له لأنه يتمكن من البقاء بالأراضي الايطالية وحتى  لو تجاوز ال 18 سنة بعد ذلك فإن تواجده يظل شرعي. وقـــد حكـى لي الطــفل " أحمــد عـامـر" البـالغ من العمـر 13 عشر عامًا عن حلمه ورغبته الشديدة في الهجـرة، فرغم اختفاء أخيه والجهل بمصيره حتى الآن، إلا أنه سيقدم على هذه الخطوة متى وجد الفرصة المناسبة، وقال لي حرفيًا:" لو وجدت أمل بنسبة 1% أن أصل إلى إيطاليا لفعلت".   وتعود المشكلة الأساسية في تنامي نسبة هجرة الأطفال الغير شرعية من مصر إلى أسباب متداخلة وتتقاطع مع أسباب هجرة الشباب في نفس الوقت، فحسب منظمة الهجـــرة الدولية وفي بحــثٍ صدر لها تحت عنوان " هجــرة الأطفال المصــرين بطرقٍ غير شرعية "دراسة حالة" أشارت إلى أن  85% من الأطفال يهاجرون بحثًا عن عمل. ووفقًا لإحصائيات الجهاز المصري للتعبئة والإحصاء فإن نسبة الفقر في مصر تقدر  بـ26.3% ويعتبر إقليم الصعيد المصدر الأساسي للهجرة وهو في نفس الوقت الأكثر فقرًا داخل الدولة، حيث تتراوح نسب الفقر به ما بين 40%  و50%  .    ويأتي تأثير الأقران على بعضهم البعض ليشكل نسبة 65%، حيث قص علي الطفل (حسن أمير) أن محافظته الغربية تمتاز بارتفاع نسبة الهجرة فيها نظرًا لأننا نرى كيف تمكن أصدقاؤنا الذين هاجروا سابقا من إرسال أموال لأهلهم المعوزين ونحن نعيش في قرية  تحت معدل الفقر ويصعب فيها الحصول حتى على ماء صالح للشرب. بالإضافة إلى ذلك لا يمكن أن نغفل  الدور الذي لعبته السينما المصرية في رسم صورة ذهنية إيجابية مفعمة برغد العيش عن الشاب المهاجر إلى أوروبا، في حين يُصدم العديد منهم من الواقع القاسي الذي يقابلهم هناك.   ولقد اقترحت وزارة العدل في 2015 إنشاء محكمة لمحاسبة المهاجرين غير الشرعيين وسماسرة الهجرة الشرعية، وبعد فترة وجيزة تحول المشروع إلى قانون خاص يعاقب كلا من المهاجرين والسماسرة وتجار البشر، وقد صدرت النسخة النهائية من القانون في مارس 2016 ولكنها لازالت في انتظار موافقة مجلس النواب. وإذا كان هذا الإجراء يساعد في تخفيف المشكلة إلا أنه يبقى حلا يرتبط بالنتيجة وليس بالسبب أو وجذور المشكلة لذلك لا يعتبر حلًا كافيًا وفعالًا.     ويجدر بالدولة المصرية أن تبرم اتفاقات عاجلة مع الحكومة الإيطالية لإرجاع كل الأطفال الموجودين في إيطاليا إلى بلدانهم، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الدول التي أبرمت اتفاقيات عدة لإرجاع أبنائها كالاتفاقية الواقعة بين المغرب والسويد والمغرب وبلجيكا والمغرب وألمانيا، خاصة أن نسبة الأطفال المهاجرين يشكلون نسبة بسيطة بالنسبة لمصر التي بلغ عدد أطفالها في 2015 حسب آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 32.5 مليون طفل. وأيضا  فتح الباب أمام القطاع الخاص لممارسة المسؤولية الاجتماعية والاستثمار في رجال المستقبل مقابل أن تعفيهم الحكومة من الضرائب، وذلك عبر مساعدة منظمات المجتمع المدني.   كما يجب العمل على توعية الأهالي بخطورة هجرة أطفالهم وتنمية إدراك الأطفال أنفسهم، وقد أثبتت هذه الخطوة فعاليتها عبر حملة شبابية عملت على نشر الوعي في محافظات معينة كالإسكندرية، فعلى الرغم من كون الإسكندرية محافظة ساحلية ومتوقع أن تسجل أرقامًا عالية في الهجرة غير الشرعية إلا أن نسبة هجرة الشباب والأطفال تنخفض فيها عن المدن الداخلية كالغربية مثلًا،  وذلك نتيجة حملات عديدة تأسست مؤخرًا في المحافظة واشتغلت على كل الأصعدة.    وبالجانب الأمني فإنه على الدولة المصرية أن تكون أكثر تشديدا أمنيًا على أهم النقاط التي يتم انطلاق السفن منها، فصحيح أن الشرطة المصرية تقبض على بعض السماسرة فور غرق السفينة، ولكن من الأجدر أن تحبط العملية قبل بدايتها. وأن تصدر قانون يغرم كل الأهالي التي تسمح بهجرة أطفالها، فإن كان الحد الأقصى للرحلة يبلغ 70.000 ألف جنية، فيجب هنا فرض غرامة تكون أكثر من الحد الأقصى للحد من تشجيع أطفالهم على الهجرة.   كما يبقى ضروريًا إرساء مكاتب خاصة للشباب لتنظيم الهجرة، لأنه ونظرًا لأن القانون الإيطالي يضمن حفظ حقوق الطفل الذي يصل إلى أراضيها، فهذا يشجع بعض الأسر على  مساعدة أطفالهم على الهجرة، لأنه يضمن أن ابنه سيستقر بإيطاليا دون أي مشاكل ولن يتم ترحيله إلى بلده، لذا يجب تخصيص مكاتب تنظم هجرة الشباب لتكون هجرة شرعية عوضًا عن أن تكون هجرة غير شرعية، وهذا من شأنه أن يقلص عدد هجرة الأطفال وتتحول إلى هجرة تنظيمية للشباب المصري.