رأي لمصطفى النجار: شلاتين كنز مصري ينتظر التنمية

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
رأي لمصطفى النجار: شلاتين كنز مصري ينتظر التنمية
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images)

هذا المقال بقلم مصطفى النجار، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة  CNN

القاهرة، مصر (CNN)-- أن تعيش فقيرا معدوما وحولك رمالًا وجبالًا يلمع الذهب في جنباتها ولا يجد من يستخرجه مع ثروات هائلة من المعادن المختلفة ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة. أن تكون قريبا من مسار نهر النيل وحولك كثيرًا من المياه الجوفية الصالحة للاستخدام لكن لا تتوفر لك آلية استخراجها لتهنأ بكوب ماء نظيف، أن تعيش وأمام عينك أروع سواحل العالم بطبيعة ساحرة لكنك لا تملك القدرة على الاستمتاع بها لأنها بكر بلا خدمات ولا تشييد وباقية بحالها منذ خلقها الله.

أنت الآن فى شلاتين تلك المدينة المصرية الحدودية التى تملك كل هذه الثروات التى تتركز فى المثلث الحدودى الذى يضم قرية أبو رماد وتقع على بعد 125 كيلومترا من شلاتين ومدينة حلايب وتقع على بعد 165 كيلومترا جنوب شلاتين وقرية رأس الحداربة وقرية مرسى حميرة وقرية أبرق، كانت الرحلة إلى شلاتين فرصة لإدراك حجم الثروات الطبيعية التى وهبها الله لمصر والتى تؤكد أن مشكلتنا ليست فى نقص الموارد لكن فى كيفية إدارة هذه الموارد.

فى طابور الكشف وقفوا ببشرتهم السمراء وعيونهم المنهكة فرحين بأن هناك فرصة قد أتتهم للحصول على رعاية صحية يفتقدونها فى مدينتهم التى لا يوجد بها مستشفى ولا مراكز أشعة وتشخيص، رغم أننا كنا نستقبل المرضى فى مدرسة التمريض بشلاتين ونقوم بالكشف عليهم وعلاجهم على كراسى الفصول الخشبية إلا أننا كنا مصابين بالحزن الشديد ونحن نرى على بعد أمتار منا مبنى المستشفى المغلق الذى لم يعمل بعد وكذلك سيارة تابعة لوزارة الصحة معطلة وتبدو فى طريقها للتكهين ومكتوب عليها (وحدة علاج أسنان متنقلة). تمنينا لو كان معنا جهازًا للأشعة، تمنينا لو كان فى قافلتنا الطبية تخصص العيون والرمد الذى يحتاجه الناس بشدة، لكنهم يحتاجون لأجهزة لم نستطع حملها من القاهرة وكذلك تخصص العظام الذى افتقدناه بسبب انعدام أجهزة الأشعة التشخيصية. حين أخبرنا زميلنا طبيب الأشعة الذى حمل معه من القاهرة جهاز (السونار) أن هناك سيدة حامل فى توأم وأنه اكتشف أن الطفلين قد ماتوا فى بطنها منذ فترة وهى لا تدرى لم نتمالك دموعنا التى حاولنا كثيرا منعها لكن بؤس الواقع ومرارته كانت أقوى منا جميعا. أقرب مكان يمكن الحصول فيه على خدمة صحية لأهل شلاتين هو الغردقة على بعد 600 كم أو أسوان التى تبعد بمسافة أكبر، لذلك فالوضع الصحى هناك مرعب لغياب أبسط الاحتياجات، يتعايش الناس مع المرض كما يتعايشون مع الفقر ويقولون نحن منسيون ولا نتذكر أننا مصريون إلا حين يأتينا زوار من خارج شلاتين نشم فيهم رائحة مصر.

كانت هذه القافلة الطبية نتاج مبادرة أهلية (مبادرة العيادة) تعنى بتقديم الخدمات الطبية لسكان المناطق النائية بمصر لكن رغم كل ما تحققه هذه القوافل من انجازات وتخفيف معاناة إلا أنها تبقى مجرد مسكنات لأن جهود الأفراد لن تستطيع مهما كانت عظيمة أن تحل محل جهود الدولة ومسؤوليتها. طالعت برنامجا طموحا أعلنت عنه الدولة فى 2014 لتنمية وتطوير مثلث حلايب وشلاتين ووجدت فيه أفكارا عن مشروعات كبرى لكن بعد مرور عامين على إعلان خطة التطوير لم أجد على الأرض صدى لهذا المشروع المتكامل الذى لا أدرى هل توقف أم أن مداه الزمنى بعيد للغاية.

أهم مشاكل المنطقة التى لمستها والتى أتمنى أن تتفاعل معها الدولة بشكل عاجل هى مشكلة مياه الشرب والقطاع الصحى وانعدام فرص العمل، المياه التى يستعملها أهل شلاتين غير صالحة للاستخدام الآدمي وقام بعض الأطباء بتحليل عينات منها فى القاهرة واكتشفوا أن لها آثار ضارة للغاية بالصحة خاصة على الأطفال، لذلك نحتاج بشكل عاجل لتنفيذ مشروع سريع ينهى هذه المشكلة، ثم التركيز على الخدمات الصحية بفتح المستشفى المغلق وتوفير كافة الأجهزة والاحتياجات وقبل ذلك فريق من الأطباء الماهرين الذين يجب تحفيزهم بمرتبات مميزة حتى يمكنهم العيش فى الظروف الصعبة هناك وتقديم الخدمة للمواطنين بشكل جيد. أما عن فرص الاستثمار فلابد من عمل حملة محلية وعالمية عن فرص الاستثمار المتميزة التى يمكن البدء فيها فى مثلث حلايب وشلاتين فى مجال السياحة المتعلق بالشواطىء وكذلك الثروة السمكية ومجال التعدين والتنقيب عن البترول الذى تشير دراسات منشورة لتوافره فى هذه المنطقة.

مثلث شلاتين وحلايب قد يتحول لمنطقة جذب استثمار وقلعة اقتصادية كبرى تساهم فى بناء الاقتصاد المصرى المنهك إذا توفرت لدينا إرادة حقيقية ودراسات جدوى موضوعية وفق منظومة تخطيط طموح تعيد اكتشاف المنطقة وتقديمها للمصريين والعالم فى ثوب جديد.

طوال الطريق من مرسى علم إلى شلاتين والذى يزيد عن 200 كيلومترا شاهدنا ساحلا ساحرا وممهدا فى أغلب مساحاته بشكل طبيعى لا يحتاج سوى لمن يقرر الاستفادة منه، ورغم هذا لم نرى سوى بعض المبان المتناثرة والمشروعات الترفيهية القليلة جدا مقارنة بالمساحة الشاسعة الخالية من أى أثر للحياة.

نحلم بإعادة توطين المصريين فى هذه المناطق الساحرة ليخرجوا من الوادى الضيق إلى آفاق أكثر رحابة واتساع فى بيئة لم يقتلها التلوث ولم تتشوه بعد، حلم يحتاج لمن يمهد له الطريق ويخلق المزايا والحوافز. أعيدوا اكتشاف مصر فعندنا ما يأخذنا للمستقبل والرخاء.