القاهرة، مصر (CNN)-- اختلفت وجهة نظر علماء دين بمصر حول دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى إصدار قانون ينظم "الطلاق الشفوي"، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أهمية إصدار القانون للحد من حالات الطلاق بين الأزواج، ووقف فوضى الفتاوى التي تصدر عقب تكرار حالات الطلاق لأكثر من 3 مرات، يرى آخرون أن إقامة مشروع لا يجيز الطلاق إلا بوثيقة أمر غير شرعي.
ودعا السيسي، خلال كلمته باحتفالية عيد الشرطة، الثلاثاء الماضي، إلى إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي، بعد ارتفاع معدلات الانفصال خلال الفترة الأخيرة، والتي بلغت وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 900 ألف حالة سنوياً 40% منهم ينفصلون بعد مرور 5 سنوات. ويرى السيسي، أن إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي من شأنه أن يعطى الفرصة للأزواج إلى مراجعة قرار الانفصال.
وقال أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، إن مصر تأخرت في إصدار قانون يحد من الطلاق الشفوي منذ أن أقرت الزواج الرسمي مطلع أغسطس عام 1931، مضيفا أن إصدار القانون يحمى التجارة بالدين والعبث من قيام الزوج بتطليق الزوجة عدة مرات ثم يقوم باللجوء للحصول على فتوى لاستمرار الزواج أو البحث عن محلل.
وتابع بالقول: "قانون تنظيم الطلاق الشفوي يستهدف إلغاء فوضى الفتاوى بالطلاق حتى لا تكون المرأة أسيرة للفتوى وألا تشعر أن وجودها مع زوجها حرام إذا ما قام بتطليقها عدة مرات أو أنكر طلاقها"، مؤكدا أنه كان يجب منذ اعتراف الدولة بالزواج الرسمي، أن يتم منع الطلاق الشفهي حتى تحصل المرأة على حقوقها وتستطيع الزواج مرة أخرى وألا يدخلها ذلك في مشكلات.
بينما رأى مستشار وزير الأوقاف المصري صبري عبادة أن ما تدعو إليه القوى السياسية بإقامة مشروع لا يجيز الطلاق إلا بوثيقة هو "تجرؤ على حرمة الله وحدوده"، لأن الطلاق هو ملك الرجل وحمى الإسلام الطلاق بسياج بأن يكون في كامل قواه العقلية أو أن يكون هناك سبب لإنهاء العلاقة أو باستحالة العشرة.
وأوضح عبادة، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن الفقهاء أقروا أن العلاقة بين الرجل والمرأة في الزواج مشافهة بالإيجاب والقبول وإشهار الشهود على ذلك، وأيضا نفس الأمر بالنسبة للطلاق، وعليه تنقضي العلاقة بين الرجل والمرأة بلفظ، حيث لم يكن في السابق أوراق رسمية تؤكد ذلك، وهو ما حدده القرآن الكريم.
وأضاف: "إذا أقر القانون الطلاق الإيجابي أمام موثق، ولم يعترف بالطلاق الشفهي فقد خالف ما عليه القرآن والسنة وإجماع الأئمة، بأن يستمر الزواج على غير ما أحل الله، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد بينهم الطلاق، وذلك لحماية الزواج بيت الرجل والمرأة وقدسية العلاقة".
ويعد البرلمان المصري حالياً مشروع قانون لتنظيم الطلاق الشفوي، وفقا لما أكده عمر حمروش عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، مشيرا إلى أنه يتم استطلاع رأى هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية حتى تتماشى التعديلات مع الشريعة الإسلامية.
ورجح حمروش، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن يحد القانون من الطلاق بين المصريين، خاصة وأن مصر أصبحت تحتل مركز متقدم في معدل حالات الانفصال والتي وصلت إلى نحو 240 حالة طلاق يومياً بمعدل 10 حالات كل ساعة.
وحول موقف الأزهر الشريف من هذا القانون، أكد حمروش، أن هيئة كبار العلماء في اجتماع سابق أكدت أن الطلاق الشفوي صحيح ولكن يحتاج إلى توثيق. وقال: "توجد قاعدة قانونية هي أنه ما بدأ بوثيقة يجب أن ينتهي بوثيقة، وهذا هو الحال بالنسبة للزواج حيث توجد ببعض المجتمعات الريفية والمناطق الشعبية عمليات طلاق دون توثيق، ما يعرض حقوق الزوجة للضياع، والقانون يهدف لحماية حقوقها المالية والعينية وحمايتها أيضا من ألا تظل معلقة لا تحصل على وثيقة طلاق وألا تستطيع الزواج مرة أخرى".
فيما أكد الدكتور محى الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن قانون تنظيم الطلاق الشفوي ما زال محل دراسة منذ عدة أشهر من جانب المعنيين بالأزهر، مشيرا إلى أن إصدار القانون يعالج أعراض ارتفاع نسب الطلاق وليس السبب الرئيسي، إذ تتعدد الأسباب سواء من غياب منظومة القيم في المجتمع واختلال معايير الزواج، كما أن للإعلام والمناهج التعليمية والتربوية دور كبير في معالجة الأمر.
وأضاف في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن الأزهر الشريف يدرس القانون منذ عدة أشهر وسيتم الانتهاء منه قريبا، ويبقى الشق التشريعي خاصة وأن المسألة جدلية وحساسة للغاية.
أما الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ترى أن ظاهرة الطلاق انتشرت في الحضر بمعدلات غير طبيعية بعد أن كانت قاصرة على البيئات البسيطة، وأرجعت ذلك إلى هجرة السكان من الريف إلى الحضر.
وأضافت أن سن تشريعات وقوانين بشأن الطلاق الشفوي قد يحد من هذه الظاهرة تدريجياً، وتجعل الرجل يراجع نفسه، كما ستؤمن المرأة من إنكار الزوج للطلاق أمام المحاكم. وتابعت أن ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع المصري لا ترجع فقط لأسباب اقتصادية ولكن لظروف اجتماعية أيضاً سواء لغياب الأم وتغيير المحتوى الإعلامي ونزول المرأة للعمل والشعور بالندية مع الرجل.
وقال عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا، أن الطلاق الشفوي يقع أما قانونا لا يقع لافتا إلى أن قانون الطلاق الشفوي سيخلق مشكلات لا حصر لها منها أن يطلق الرجل زوجته عدة مرات ولا يقوم بتوثيق الطلاق.
وأضاف أن "توثيق الزواج ظهر حديثا في مصر عام 1931 عندما استذئب بعض الرجال وانعدمت القيم والأخلاق بأن شرعت الدولة بضرورة توثيق الزواج للحفاظ على الزوجة وأولادها". وتابع أن دعوة الرئيس لتوثيق الطلاق تحدث عن 40% نسبة الطلاق وهي نسبة موثقة أما غير الموثق لا يعلمه إلا الله، داعيا لمعالجة أسباب الطلاق بدلا من البحث عن الطلاق الشفهي أو الموثق.