دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يقول كبير مراسلي CNN للشؤون الصحية، الدكتور سانجاي غوبتا، إن أحد أكثر الأسئلة التي يتلقاها هو: "هل ستعيد أطفالك إلى المدرسة"؟
وبصفته أباً لثلاث فتيات مراهقات وطفلة، فقد كان هذا نقاشاً مستمراً في منزله، وكان من الصعب اتخاذ أي قرار.
وأوضح غوبتا أن بناته يردن العودة إلى المدرسة، ويضعن ضغطاً هائلاً عليه ليوافق على ذلك، فهن يفتقدن أصدقائهن، والبنية الاجتماعية التي يحتاجها الأطفال ويتوقون إليها في هذه المرحلة من العمر.
وقد لعب التعلم الافتراضي دوراً مهماً بالنسبة لهن، إلا أنه ليس بديلاً عن التعلم على أرض الواقع، خاصةً للأطفال الأصغر سناً. وفي ظل الوضع الحالي، من المقرر أن يبدأ أطفاله العام الدراسي الجديد الأسبوع المقبل، بحسب ما قاله غوبتا.
وأشار غوبتا إلى أن العديد من المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة قد اتخذت القرار للطلاب بالفعل، إذ قرر ما لا يقل عن 63 من أصل 101 منطقة تعليمية في البلاد بدء العام الدراسي بالتعلم الافتراضي.
وهناك مناطق تعليمية أخرى قررت حضور الأطفال إلى المدرسة، على الرغم من أن العديد منها تتيح خيارات افتراضية.
أما بالنسبة لمدرسة أطفاله، فقد تركت الخيار للعائلات، وعلى الرغم من صعوبة ذلك، يقول غوبتا إنه ممتن لأن لديه الخيار، مشيراً إلى أن العائلات في جميع أنحاء البلاد تكافح للحصول على رعاية الأطفال، والتكنولوجيا وحتى الطعام، وكل ذلك يمكن أن يجعل العودة الجسدية إلى المدرسة أمراً ضرورياً.
وقبل بضعة أسابيع، بدأ غوبتا مع عائلته بالنظر إلى البيانات والمعايير الحالية، للتوصل إلى أفضل خيار قائم على دراسات علمية لاتخاذ قرار بشأن عودة بناته إلى المدرسة.
وقد قام غوبتا بزيارة مدرسة بناته وقضى وقتاً مع مدير المدرسة لفهم احتياطات السلامة التي يتخذونها، وكانت تتماشى إلى حد كبير مع توصيات المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.
وقال غوبتا إنه "سيكون هناك تفويض بارتداء القناع، وخطط لتطبيق التباعد الجسدي، وتطهير اليدين، والتعقيم المتكرر للأسطح والفصول الخارجية عندما يكون ذلك ممكناً. كما سيتناول الطلاب طعام الغداء داخل الفصل الدراسي، ولن يكون هناك أي تجمعات كبيرة".
وبينما أن التباعد الجسدي يعد التحدي الأصعب، يوضح غوبتا أن المدرسة استفادت بشكل مبتكر من المساحات في المكتبات، وصالات الألعاب الرياضية، والكافيتريات للحصول على المساحة اللازمة لمحاولة معالجة هذا الأمر. وقد بذلوا جهداً على مدار الأشهر القليلة الماضية، مشيراً إلى أنه لا ينجح أي من هذا إذا ما لم يجتهد الطلاب في اتباع هذه الممارسات داخل الحافلات، والممرات، والفصول الدراسية.
وتابع غوبتا أن المدرسة اتخذت خطوة إضافية لاختبار جميع الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، والموظفين في الأسبوع الماضي، وتوفرت النتائج في غضون 96 ساعة. وكانت نتائج اختبار بناته سلبياً، ما قد يوفر نوعاً من الطمأنينة للأطفال الذين يختارون الذهاب إلى المدرسة حيث سيُطلب من الطلاب الذين ثبتت إصابتهم بالعزل في المنزل.
وأشار غوبتا إلى أنه يدرك تماماً أن هذا النوع من اختبار "التأكيد" لا يزال غير متوفر بدرجة كافية في أمريكا، كما أنه لا يعد أداة مثالية، إذ من المعروف أن بعض الاختبارات تعطي قدراً كبيراً من النتائج السلبية الكاذبة، اعتماداً على نوع الفحص وزمن إجرائه. وبينما قد يظهر اختبار شخصاً ما سلبياً اليوم، فليس هناك ما يضمن أنه لن يكون إيجابياً للفيروس في اليوم التالي.
وفي الوقت الحالي، يدور الكثير من نقاش العودة إلى المدرسة حول المخاطر المترتبة على صحة الأطفال. وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض، وجدت أكبر دراسة متعلقة بطب الأطفال خارج الصين أن نسبة 90% من الأطفال المصابين بمرض "كوفيد-19" تظهر عليهم أعراض خفيفة أو معتدلة، بينما كانت نسبة 4% منهم بدون أعراض تمامًا، و أصيب نسبة 6% منهم بأمراض خطيرة.
وبحلول الأسبوع الأول من أغسطس/آب، توفي 90 طفلاً في الولايات المتحدة بسبب "كوفيد-19"، وهو ما يمثل أقل من نسبة 1% من إجمالي الوفيات، وفقاً لتحليل أجرته الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ورابطة مستشفيات الأطفال.
واعتباراً من 6 أغسطس/آب، تم التعرف على متلازمة التهاب الأجهزة المتعددة لدى 570 طفلاً على الأقل في جميع أنحاء البلاد، وتتراوح أعمارهم بين أقل من عام إلى 20 عاماً، ولم يكن لدى حوالي ثلثي هؤلاء الأطفال حالات أساسية قبل تشخيص إصابتهم بمتلازمة التهاب الأجهزة المتعددة.
ويؤكد غوبتا أنه على الرغم من أن الأطفال أقل عرضة للإصابة بمرض "كوفيد-19"، مقارنة بالبالغين، إلا أنهم ليس لديهم مناعة من الإصابة. ويمكن أن ينقلوا العدوى بسرعة.
وأشار غوبتا إلى دراسة تم الاستشهاد بها على نطاق واسع في كوريا الجنوبية ومفادها أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 19 عاماً ينقلون الفيروس بالقدر ذاته مثل البالغين. وكان لديهم أعلى معدل لنقل "كوفيد-19" بين جهات الاختلاط في المنزل. ووجدت الدراسة ذاتها أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 أعوام لم يكن لديهم مسؤولية عن قدر كبير من انتشار الفيروس.
وكانت نتيجة الدراسة مفاجئة لغوبتا، إذ أن دراسة حديثة، نُشرت في مجلة "JAMA Pediatrics" الطبية، خلصت إلى أن الأطفال الأصغر سناً قد يحملون كميات أكبر من الفيروس في أنوفهم، مقارنة بالبالغين.
ولاحظ غوبتا أن الدراسة الكورية الجنوبية تضمنت أقل من 30 حالة إيجابية أصغر من 10 سنوات. ومن بين ما يقرب من 60 ألف مخالط تم تتبعهم في تلك الدراسة، كان 237 منهم فقط من الأطفال دون سن العاشرة. وربما لم يكن معدل الانتشار المنخفض بين الأطفال الصغار لأنهم أقل عرضة لنقل الفيروس، ولكن لأنهم كانوا في المنزل إلى حد كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، وكان عدد المخالطين لهم قليل نتيجة لذلك.
كما أشار غوبتا إلى أنه مع تزايد حركة الأطفال، فإنه لا شك في أن معدلات الإصابة بالفيروس ستزداد. وخلال الأسابيع الأربعة الماضية، ارتفع عدد الأطفال المصابين في الولايات المتحدة بنسبة 90% إلى أكثر من 380 ألف حالة، وفي حين أن بعض هذه الزيادة قد تكون بسبب زيادة الفحوصات، فإن الأطفال الأصغر سناً الذين بدأوا في الخروج لديهم دور أيضاً، وفي معظم أنحاء البلاد، لم يتم إعادة فتح المدارس بعد.
وقال غوبتا إنه من المهم أيضاً تذكر أن المجتمع المدرسي لا يتكون من طلاب صغار فحسب، وقد وجد تحليل جديد أن نحو ربع المعلمين في النظام المدرسي بالولايات المتحدة يتعرضون بشكل أكبر للإصابة بمرض "كوفيد-19" شديد، بسبب العمر أو الظروف الموجودة مسبقاً.
وأوضح غوبتا أنه لا يزال من المقلق إعادة الطلاب إلى بيئة ينتشر فيها العدوى في المجتمع، مشيراً إلى أنه عندما بدأ سحب الأطفال من المدرسة في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، كان هناك أقل من 5 آلاف حالة معروفة في الولايات المتحدة. أما الآن، فإن المناطق التعليمية تدرس إعادة فتح أبوابها حيث أصيب أكثر من 5 ملايين شخص وتوفي أكثر من 164 ألف شخص في الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات جامعة جونز هوبكنز.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت عدة أدلة على ما قد يحدث عندما تبدأ المدارس في إعادة فتح أبوابها، إذ أصيب نحو 260 مشاركاً في مخيم صيفي ليلي في شمال جورجيا بالعدوى، على الرغم من أن مراكز السيطرة على الأمراض أشارت إلى أن البعض قد يكون أصيب بمرض "كوفيد-19"بطريقة أخرى.
وقد أغلقت مدرسة ثانوية بولاية جورجيا مؤقتاً بعد وقوع 14 حالة إصابة بفيروس كورونا على الأقل في أسبوعها الأول. كما افتتحت مدرسة أخرى في دالاس بولاية جورجيا أبوابها ثم أغلقت بعد إصابة 6 طلاب و3 من أعضاء هيئة التدريس. وتتمثل خطتهم في إعادة فتح المدرسة بعد تعقيمها، على الرغم من أنه ليس من الواضح مدى الاختلاف الذي سيحدث، حيث لا توجد متطلبات لوضع القناع، وقد يؤدي العطس أو السعال مرة أخرى إلى تلويث الفصل الدراسي.
وأكد غوبتا أن هناك الكثير مما يجب مراعاته، ولكن الأدلة كانت واضحة لعائلته بعد النظر في جميع المعايير الموضوعية وتقييم الوضع في مجتمعهم، واتخذ القرار بإبقاء بناته خارج المدرسة في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنه قرار يقلل من مخاطر انتشار العدوى.
وأضاف غوبتا أنه سيتيح لبناته مقابلة معلميهم الجدد على أرض الواقع قبل البدء في التفاعل معهم افتراضياً، مشيراً إلى أنه سيعيد تقييم الوضع بعد أسبوعين لفهم المحفزات في مدرسة بناته من حيث العدوى أو الأمراض التي شخصت حديثاً، والتي ستتطلب العودة إلى التعلم الافتراضي.
وستكون الشفافية الكاملة والصادقة من الجميع ضرورية أكثر من أي وقت مضى.
وقال غوبتا:"وقد تصل بعض العائلات إلى استنتاج مختلف بعد النظر إلى البيانات ذاتها، وفي عصر كوفيد-19، يبدو أننا جميعاً سنضطر لأن نصبح علماء أوبئة وأن نكون أفضل آباء على قدر استطاعتنا".