دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لا يزال بعض الحمض النووي البشري الحالي يحمل آثار تزاوج الإنسان العاقل مع إنسان نياندرتال في عصور ما قبل التاريخ. وأظهرت الأبحاث الحديثة أن هذا الحمض النووي قد يلعب دوراً صغيراً في التأثير على مسار عدوى "كوفيد-19".
ونشأ النوع البشري الذي يُعرف بـ"الإنسان العاقل" في قارة إفريقيا، وبدأوا في الانتشار حول العالم منذ حوالي 80 ألف عام، وخلال ارتحالهم، صادفوا نوعاً بشرياً آخر، من بينهم إنسان نياندرتال، في أوروبا وأجزاء من آسيا.
وظهر الدليل على تزاوج الإنسان العاقل مع إنسان نياندرتال لأول مرة في عام 2010، بعد أن ابتكر عالم الوراثة السويدي سفانتي بايبو، طرقاً لاستخراج وتسلسل وتحليل الحمض النووي القديم من عظام إنسان نياندرتال.
ووضع بايبو خريطة الجينوم لإنسان نياندرتال بالكامل، وبفضل عمله، يمكن للعلماء مقارنة جينومات الإنسان البدائي بالسجلات الجينية للبشر الأحياء اليوم.
ويمكن لمعظم البشر الأحياء تتبع نسبة صغيرة جداً من حمضهم النووي إلى إنسان نياندرتال، ومن المحتمل أن يشمل ذلك الأفارقة، الذين كان يُعتقد حتى وقت قريب أنه ليس لديهم صلة جينية بإنسان نياندرتال.
ووجدت الأبحاث روابط بين الحمض النووي لإنسان نياندرتال والخصوبة، وكيفية شعور الناس بالألم، ووظائف الجهاز المناعي.
وقد يؤثر الحمض النووي لإنسان نياندرتال على لون البشرة، ولون الشعر، والطول، وأنماط النوم، والمزاج، وحتى الإدمان لدى الأوروبيين في الوقت الحاضر.
والجدير بالذكر أن الحمض النووي لإنسان نياندرتال قد يلعب دوراً صغيراً في التأثير على مسار عدوى "كوفيد-19"، بحسب ما وجدته الأبحاث الحديثة.
وقام بايبو وفريقه بفحص سلسلة من الحمض النووي المرتبط ببعض حالات الإصابة الأكثر خطورة لـ "كوفيد-19"، وقارنوها بالتسلسلات الجينية المعروفة بأنها انتقلت إلى الأوروبيين والآسيويين الأحياء من أسلاف إنسان نياندرتال.
وتم العثور على رمز جيني موروث من إنسان نياندرتال في منطقة كروموسوم 3، هو واحد من 23 زوجاً من الكروموسومات البشرية. وربط فريق من الباحثين في أوروبا بعض الاختلافات في هذا التسلسل بأشكال الإصابة الأكثر خطورة بـ"كوفيد-19".
وقال بايبو، مدير معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في لايبزيغ بألمانيا، والذي كان يدرس الحمض النووي لإنسان نياندرتال منذ ثلاثة عقود: "لقد عملنا لمدة 25 عاماً على جينومات إنسان نياندرتال، وفجأة بدت ذات صلة كبيرة بحالات طبية طارئة كبرى".
وكشفت الدراسة أيضاً عن اختلافات كبيرة في مدى انتشار هذا النوع من المخاطر الجينية في أجزاء مختلفة من العالم، فهو شائع بشكل خاص بين الناس في جنوب آسيا، حيث يحمل حوالي نصف السكان شريحة من الحمض النووي لإنسان نياندرتال.
وفي أوروبا، يحمل واحد من كل ستة أشخاص شريحة من الحمض النووي لإنسان نياندرتال، بينما في إفريقيا وشرق آسيا، فإنه يكاد يكون غير موجود.
ويمكن معرفة النسبة المئوية للجينات الوراثية التي يحملها الأشخاص من الحمض النووي لإنسان نياندرتال. ومع ذلك، فإنها ليست مسألة يجب على الأفراد القلق بشأنها عندما يتعلق الأمر بمخاطر "كوفيد-19" والأمراض والسمات الأخرى المرتبطة بالحمض النووي لإنسان نياندرتال.
وأشار توني كابرا، عالم الوراثة في جامعة كاليفورنيا إلى أنه "لا يمكننا إلقاء اللوم على إنسان نياندرتال في الإصابة بكوفيد-19"، مؤكداً أن "العوامل الاجتماعية والبيئية هي العوامل الحقيقية التي يجب أن يقلق الناس بشأنها".
ومع ذلك، يعتقد كابرا بصفته عالماً في علم الوراثة، أنه من المهم معرفة التاريخ التطوري للمتغيرات الجينية التي نجدها لها تأثيرات على السمات، مضيفاً: "يمكن اكتشاف تأثيرات سمات الحمض النووي لإنسان نياندرتال، ولكنها متواضعة."
وقال كابرا إنه خلال عمله وجد روابط بين الحمض النووي لإنسان نياندرتال والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والإدمان.
ويمكن للعلماء البحث عن الروابط من خلال مقارنة الحمض النووي لإنسان نياندرتال بمعلومات عن البشر الأحياء المستخرجة من البنوك الحيوية الكبيرة والمستخدمة في الأبحاث الطبية التي تحتوي على معلومات حول التركيب الجيني للفرد، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى في سجلاتهم الطبية.
وبينما أن العديد من الروابط بين الحمض النووي لإنسان نياندرتال والسمات المميزة تحظى باهتمام أكاديمي إلى حد كبير، فقد يكون لبعضها عواقب طبية من حيث تحديد الأشخاص المعرضين لخطر المرض أو الإشارة إلى العلاجات المستقبلية.
وفي إحدى دراساته الأخيرة، التي نُشرت في وقت سابق من هذا العام، حلل بايبو وفريقه بيانات 244،000 امرأة من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، ووجدوا أن النساء اللواتي يحملن نوعاً جينياً موروثاً من إنسان نياندرتال كن أقل عرضة للإجهاض أو النزيف أثناء الحمل.
ووجدت الدراسة أن هؤلاء النساء كان لديهن عائلات أكبر.
وكشف التحليل الجزيئي اللاحق أن هؤلاء النساء ينتجن المزيد من مستقبلات البروجسترون في خلاياهن، مما قد يؤدي إلى زيادة الحساسية للبروجسترون والحماية من الإجهاض المبكر والنزيف، بحسب قول بايبو.
ويعتقد الباحثون أن إنسان نياندرتال قد تداخل مع الإنسان العاقل جغرافياً لمدة تزيد عن 30 ألف عام بعد هجرة البشر من أفريقيا، وقبل انقراض إنسان نياندرتال منذ حوالي 40 ألف عام، على الرغم من أن بعض العلماء يعتقدون أنه قد يكون تداخلًا لا يتجاوز 6000 عام.
وفي بعض الأحيان، أدى اجتماع المجموعتين إلى حدوث التزاوج والإنجاب، ومن المحتمل أن تكون هناك فترات متعددة من التزاوج.
وفي البداية، كان من الممكن أن تكون جينات إنسان نياندرتال هذه قد أعطت الإنسان العاقل ميزة تطورية عندما هاجروا شمالًا إلى أوروبا وآسيا، وفقاً لما قاله كابرا.
وقد واجه هذا النوع البشري مناخات مختلفة وأنماط التعرض لأشعة الشمس، والوجبات الغذائية، والأهم من ذلك، مسببات الأمراض المختلفة.
وأوضح كابرا أن جينات إنسان النياندرتال الموروثة في بعض الحمض النووي البشري اليوم، تميل إلى التأثير على عمل الجهاز المناعي، وخصائص الشعر والجلد، مثل لون الشعر والميل نحو الصلع، وقدرة الجلد على الإسمرار.
ومع كل جيل تحورت هذه الجينات، وقد اختفى بعضها بمرور الوقت، ولكن المتغيرات الأخرى زادت حتى أصبحت شائعة بما يكفي لتصبح جزءاً من التوقيع الجيني للسكان البشريين. ويعتقد العلماء أن تلك التي استمرت، قد تمنح بعض الفوائد للبشر اليوم.