فقدوا أحباءهم بسبب كورونا ثم تواصلوا معهم مرة أخرى..ما حقيقة اللقاءات ما بعد الموت؟

علوم وصحة
نشر
10 دقائق قراءة
"التواصل ما بعد الموت"..ما حقيقة وداع أشخاص لأحباء فقدوهم بسبب كورونا؟
Credit: ALBERTO MIER/CNN

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يدّعي بعض الأشخاص أنه قد تم التواصل معهم خلال الأشهر الأخيرة، عبر الرؤى أو الأصوات أو الرموز، من قبل شخص عزيز عليهم تُوفي بسبب فيروس كورونا.

وقد تبدو هذه اللقاءات غير قابلة للتصديق، ولكنها في الحقيقة جزء من نمط تاريخي.

وكان الثنائي إيان وميشيل مرتبطان ببعضهما البعض ولم يكن الحديث ينقطع بينهما، إذ كانا يتحدثان عن كل المواضيع بدءًا من أفلام الخيال العلمي وشغف ميشيل بفرقة موسيقى الروك بون جوفي، وثلاثية أفلام "The Lord of the Rings" (سيد الخواتم) والتي تنصف ما ورد من أحداث في الرواية الخيالية للكاتب البريطاني ج. ر. ر. تولكين. 

وعندما تزوج إيان وميشيل هورن، ارتدى إيان ربطة عنق أرجوانية اللون في يوم زفافهما لأنه كان اللون المفضل لميشيل. ومع مرور السنين، حصل الثنائي على وشوم متطابقة وأطلقا على بعضهما البعض ألقاب من الفيلم الأمريكي "الأميرة العروس"، ودعاها إيان بـ"الأميرة باتركاب" وأطلقت ميشيل عليه لقب "فتى المزرعة ويسلي".

وقد وضع الثنائي خططًا لزيارة أيرلندا هذا العام للاحتفال بجذور ميشيل الأيرلندية.

"التواصل ما بعد الموت"..ما حقيقة وداع أشخاص لأحباء فقدوهم بسبب كورونا؟
ميشيل وإيان هورن، تزوج الثنائي لقرابة 10 أعوامCredit: Courtesy JJ Hayes

ثم حلت الجائحة، وفي الخريف الماضي، توفيت ميشيل هورن من المضاعفات الناجمة عن إصابتها بـ"كوفيد-19" بعد صراع طويل مع المرض، واختفت مع رحيلها "القوة الخارقة" لإيان هورن، كما كان يطلق عليها الأخير.

وقد تزوج الثنائي لقرابة الـ10 أعوام.

ولكن بعد وقت قصير من وفاة زوجته، تساءل مقدم البرامج الإذاعية في مدينة ويتشيتا بولاية كانساس الأمريكية، إيان، عما إذا كانت زوجته المتوفاة ميشيل لا تزال تتحدث معه.

وكان إيان يقود سيارته إلى عمله في ظلام الفجر عندما لاحظ شيئًا غريبًا، وهو تحول نحو عشرين من مصابيح الشوارع المحيطة بالطريق السريع إلى اللون الأرجواني (اللون المفضل لميشيل)، والتي بدت مثل سلسلة من أزهار اللافندر المتوهجة في سماء الليل، في حادثة اعتبرها إيان كعلامة مميزة.

ويقول إيان، الذي يستضيف برنامجه الصباحي عبر إذاعة "KFDI-FM" تحت اسم "جي جي هايز": "أتذكر ببساطة حينها أنني ابتسمت وشعرت بثقل من فكرة أن ميشيل كانت قريبة".

المواجهات المبلغ عنها مع الأحباء الراحلين أمر شائع

وتسببت جائحة فيروس كورونا حتى الآن بوفاة أكثر من 600 ألف أمريكي.

ولم تُتح الفرصة على الإطلاق للكثير ممن الأشخاص لعناق أو توديع أحبائهم الذين ماتوا وحدهم وعُزلوا في عنابر المستشفى بسبب مخاوف من انتشار الفيروس.

ولكن هناك مجموعة أخرى من الناجين من الجائحة يقولون إنهم حصلوا على فرصة ثانية لتوديع أحبائهم المتوفين، إنهم أناس مثل هورن، يعتقدون أنه قد تم التواصل معهم من قبل أفراد أسرتهم الذين فارقوا الحياة بسبب فيروس كورونا.

ويمكن أن تكون هذه التجارب خفية، مثل ظهور الأقارب المتوفين خلال أحلام شديدة الواقعية، أو نفحة مفاجئة من العطر يرتديها أحد أحبائهم الراحلين، أو سلوك غير عادي من قبل الحيوانات.

وتعتبر اللقاءات الأخرى أكثر دراماتيكية، مثل الشعور بلمسة على كتف في الليل، أو سماع تحذير مفاجئ من أحد أفراد أسرتك، أو رؤية الشكل الكامل للقريب الذي توفي حديثًا يظهر عند مؤخرة سريرك.

وقد تبدو هذه القصص غير قابلة للتصديق، ولكنها في الواقع بمثابة جزء من نمط تاريخي، إذ هناك شيء ما فينا، أو في أحبائنا الراحلين، لا يقبل بعدم القدرة على قول وداعًا.

وكلما حدثت مأساة جسيمة مثل جائحة، أو حرب، أو كارثة طبيعية، يتبع ذلك زيادة في التقارير عن أشخاص يرون الموتى أو يحاولون التواصل معهم.

"التواصل ما بعد الموت"..ما حقيقة وداع أشخاص لأحباء فقدوهم بسبب كورونا؟
بعد المآسي الجماعية مثل الحروب، لجأ العديد من الأمريكيين إلى ألواح "الويجا" في محاولة للتواصل مع أحبائهم الراحلينCredit: BETTMANN ARCHIVE/GETTY IMAGES

وأثار وباء إنفلونزا عام 1918 "جنون الروحانية"، حين لجأ الأمريكيون إلى جلسات تحضير الأرواح ومجالس لوح "الويجا" للتواصل مع أحبائهم الراحلين.

وعندما ضرب تسونامي اليابان في عام 2011، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص، أفاد العديد من سكان إيشينوماكي برؤية الأحباء الراحلين، لدرجة أن كتابًا وفيلمًا وثائقيًا تم إعدادهما حول مدينة الأشباح المتجولة.

ومن جانبه، يوضح سكوت يانسن، المؤلف الذي عمل في مجال رعاية المحتضرين لسنوات ودرس مثل هذه التجارب أنه "من المنطقي خلال ظهور جائحة أو وقوع حدث آخر يؤدي إلى حالات وفاة جماعية، ستكون هناك زيادة عددية في التقارير والتجارب، نظرًا للحزن والصدمة المشتركة".

وهذه التجارب شائعة للغاية في مجال علم النفس لدرجة أن هناك اسمًا لها "ADC"، أو "تواصل ما بعد الموت".

وتشير الأبحاث إلى أن 60 مليون أمريكي على الأقل عاشوا هذه التجارب، وأنها تحدث عبر الثقافات والمعتقدات الدينية والأعراق ومستويات الدخل.

وتحدث العديد عن هذه اللقاءات في حالة بين النوم والاستيقاظ، ولكن تم الإبلاغ عن حالات أخرى من قبل أشخاص كانوا بحالة يقظة.

ويعتقد بيل غوغنهايم، المؤلف المشارك لكتاب "Hello from Heaven" (مرحبًا من الجنة)، الذي يستكشف تجارب التواصل ما بعد الموت، أن هناك غرضًا روحيًا وراء هذه الزيارات.

وكتب غوغنهايم: "إنهم يريدونك أن تعرف أنهم ما زالوا على قيد الحياة، وأنك ستلتقي بهم عندما يحين دورك لتترك حياتك على الأرض"، مضيفاً: "إنهم يريدون أن يؤكدوا لك أنهم سيكونون هناك لمقابلتك والترحيب بك، وربما حتى لمساعدتك، أثناء قيامك بعملية الانتقال الخاصة بك".

لقاء مع العمة الراحلة

"التواصل ما بعد الموت"..ما حقيقة وداع أشخاص لأحباء فقدوهم بسبب كورونا؟
توفي العديد من ضحايا فيروس كورونا وحدهم في المستشفيات، مما حرم أفراد الأسرة من توديعهم

وقد تخدم تجارب التواصل ما بعد الموت بشكل مختلف العالم الذي أنشأته جائحة "كوفيد-19"، لطمأنة الأشخاص الذين لا يمكنهم أن يكونوا إلى جانب أحبائهم لحظة مفارقتهم الحياة.

أما قصة جيمي جاكسون، وهي مديرة مكتب تعيش بالقرب من جيتيسبيرغ، بنسلفانيا ، فتصف اللقاء مع عزيزتها "العمة بات".

وتوفيت عمة جاكسون بنوبة قلبية الصيف الماضي بعد مضاعفات ناجمة من إصابتها بـ"كوفيد-19"، وقالت جاكسون إن عمتها كانت بمثابة الأم بالنسبة لها، بعد أن أمضت فترة الصيف معها ورافقتها إلى المستشفى خلال زياراتها الروتينية.

ولكن عندما أصيبت عمتها بـ"كوفيد-19"، لم تستطع جاكسون زيارتها في المستشفى لتكون إلى جانبها.

وتقول جاكسون: "كان هذا أصعب ما في الأمر، لا يمكنك أن تقول وداعًا ولا يمكنك أن تكون إلى جانب من تحب، وهو أمر صعب لأن لديك شخصًا في المستشفى، وهو خائف ولم يعتد أن يكون وحيدًا".

وبعد سبعة أشهر، قالت جاكسون إن عمتها الراحلة تواصلت معها مرة أخرى.

وكان ذلك في شهر ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، وكانت جاكسون تضع زينة عيد الميلاد في المنزل، وكان عيد الميلاد أحد المناسبات المفضلة لدى عمتها، التي كانت تحب وضع الزينة. وكان صندوق جاكسون مليئًا بالزخارف التي كانت تخص عمتها في السابق.

وتقول جاكسون إنها تركت صندوق الزينة في الردهة، وعندما عادت، رأت هيئة شفافة تحدق بها، هيئة امرأة صغيرة الحجم، لها نفس قصة الشعر، ولونه، ونفس القميص الأبيض، والسراويل الزرقاء التي كانت ترتديها عمتها.

وحينها، تسمرت جاكسون في مكانها وبدأت دقات قلبها تتسارع، ثم هربت إلى غرفة الطعام وشرعت في البكاء. وعندما عادت إلى الردهة، لم تجد المرأة، التي تؤكد جاكسون أنها كانت عمتها.

وتصف جاكسون هذه التجربة قائلة: "لقد كانت تجربة مرهقة، من الصعب أن أصفها بالكلمات لقد تأثرت بها، ومن الواضح أنها [عمتها] موجودة في الجوار وتزورني".

يد باردة على الكتف ونفحة عطر 

وبعض اللقاءات ما بعد الموت الخارقة للطبيعة تكون أكثر دراماتيكية، وتقول إحدى النساء إن شخص عزيز عليها توفي من مضاعفات "كوفيد-19" قد لمسها حرفياً.

وتحكي ماري بينا أن والدتها، إينيز، البالغة من العمر 79 عامًا، كانت على وشك الخروج من المستشفى في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، عندما وقع تفشي لفيروس كوفيد في جناحها، وظهرت نتيجة فحصها إيجابية، وتم عزلها.

وعادت إينيز والدة إينيز إلى المنزل في الشهر التالي، ولكنها فقدت قوتها. وبعد حوالي أربعة أشهر من تشخيصها بمرض "كوفيد-19"، توفيت إينيز.

وصباح يوم وفاة والدتها، تقول بينا إنها بينما كانت تمد يدها لتحضر نعالها في غرفة نومها، شعرت بيد باردة على كتفها. واستدارت ورأت والدتها جالسة بجانبها، تحدق إلى الأمام مباشرة دون أي تعبير. وبدت أصغر بعشرين سنة، وتضيف بينا: "كانت لمستها باردة، وكأنها أتت للتو من الخارج".

ولم يمض وقت طويل بعد ذلك الصباح، عندما كانت بينا تصنع حساء السبانخ، أحد الأطباق المفضلة لدى والدتها، عندما تمكنت فجأة من شم العطر الخاص بوالدتها.

وتقول بينا: "كانت الرائحة طاغية، وقفت أنا وزوجي في المطبخ بذهول أثناء طهي الحساء. وكان بإمكان كلينا شم رائحتها. واستمر ذلك لمدة خمس دقائق تقريبًا قبل أن تتبخر الرائحة".

مشاهدة استثنائية للطيور وصراخ في الليل

"التواصل ما بعد الموت"..ما حقيقة وداع أشخاص لأحباء فقدوهم بسبب كورونا؟
يمكن أن تكون الرسائل من الأحباء المتوفين مطمئنة ولكنها قد تكون مقلقة أيضًا.

وأفاد هورن، مقدم البرامج الإذاعية، عن لقاءات أخرى مع زوجته الراحلة بعد الموت.

وبعد فترة وجيزة من وفاتها، كان جالسًا في فناء منزله الخلفي عندما حط طائر الكاردينال على فرع شجرة أمامه. وغالبًا ما يظهر هذا النوع من الطيور، وفقًا للفولكلور، عندما يكون الأحباء في مكان قريب.

وصُدم هورن من مشاهدة الطائر، إذ قال إن هذا النوع لا يظهر عادة في كانساس خلال فصل الخريف.

ويقول هورن إن لحظات مرّت عندما سمع بوضوح صوت ميشيل تناديه في الليل قائلة: "إيان، استيقظ!"

ويصف هذه التجارب قائلاً: "يبدو الأمر كما لو أنها معي في الغرفة، وهي كافية لإيقاظي من نوم عميق"، وأضاف: "أطلقوا عليه هلوسة سمعية أو ما شئتم، ولكنني بالتأكيد أسمعه".