دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بيّنت نتائج تجربة سريرية عشوائية مزدوجة، صدرت الأربعاء، أن أكثر من نصف الأشخاص المصابين بالاكتئاب المزمن الذين حاولوا التوقف عن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب، انتكسوا خلال عام، مقارنة بأولئك الذين لم يُوقفوا العلاج.
وأظهر البحث الذي نُشر في المجلة الطبية "New England Journal of Medicine"، أن "تأثير مقاييس جودة الحياة، وأعراض الاكتئاب، والقلق، والانقطاع عن تناول الدواء كان أسوأ بشكل عام على المرضى الذين أوقفوا العلاج المضاد للاكتئاب".
والملفت في هذه الدراسة، الكشف عن نسبة متدنية من الأشخاص الذين تمكنوا من التوقف عن مضادات الاكتئاب، بنجاح دون تعرضهم لنوبة اكتئاب أخرى.
وقالت المؤلفة المشاركة جيما لويس، وهي أستاذة علم الأوبئة النفسية في جامعة "كوليدج لندن": "يمكن لبعض الأشخاص التوقف عن تناول الأدوية من دون تعرضهم لانتكاسة مجدّدًا، على الرغم من أننا لا نستطيع حاليًا تحديد هوية هؤلاء الأشخاص".
وقال المؤلف المشارك، الدكتور توني كندريك، أستاذ الرعاية الأولية في جامعة "ساوثامبتون" في المملكة المتحدة: "أعتقد أن هذه النتائج قد تكون مشجّعة للغاية"، مضيفًا أن "ذلك يعتبر برهانًا قويًّا يدعم قرارات المريض الخاصة، خلال مناقشته مع طبيبه أو معالجه، إذا كان سيستمر في تناول مضادات الاكتئاب أم لا"، ولافتًا إلى أن "وجهتي القرار منطقيتين".
هل مضادات الاكتئاب لمدى الحياة؟
وقال رئيس مجلس أبحاث الجمعية الأمريكية للطب النفسي، الدكتور جوناثان ألبرت، والذي لم يشارك في الدراسة، إن التوجه الطبي المتبع حاليًا يقضي بالاستمرار في تناول المصاب بالاكتئاب للمرة الأولى، لمضادات الاكتئاب بين أربعة وتسعة أشهر، بعد التعافي.وتحدّد مرحلة التعافي بشهرين، عند غياب عوارض الاكتئاب الشديد مثل الحزن وتدني الاهتمام أو التمتع بالحياة.
وفي هذا الإطار، أوضح الأستاذ المحاضر في الإكتئاب في جامعة "Medical College of Wisconsin" الدكتور جيفري جاكسون، أنه "خلال ممارستي لمهنتي، إذا كان المريض يعاني من نوبة اكتئاب أولية، نجمت خصوصًا عن ظرف حياتي مرّ به مثل وفاة شخص مقرب منه أو فشل في العمل، أبذل قصارى جهدي لدفع المريض إلى التعافي، ثم أتابع علاجه لمدة ستة أشهر على الأقل بعد التعافي".
وأضاف جاكسون الذي لم يشارك في الدراسة، لكنه كتب افتتاحية مرافقة نُشرت في "NEJM": "إذا استمرّت حالة التعافي طيلة الأشهر الستة، يمكنني حينها اللجوء إلى تخفيض تدريجي لجرعات مضادات الاكتئاب، مع مراقبة الأعراض الاكتئابية بدقة"، لافتًا إلى أنه "بالنسبة للمرضى الذين عانوا من ثلاث نوبات اكتئاب أو أكثر، أخطط بشكل عام لمعالجتهم مدى الحياة".
الأبحاث القديمة فقدت صلاحيتها
وقال واضعو الدراسة إن الكثير من الأبحاث التي تمحورت حول الفعالية الطويلة المدى لمضادات الاكتئاب أصبحت قديمة ومحدودة. لذا صُممت هذه الدراسة لسد هذا النقص المعرفي.
وأوضحت لويس: "يتناول الكثير من الناس مضادات اكتئاب لفترات طويلة، بينما الدلائل التي يفترض الاستناد إليها لنصحهم بالاستمرار أو التوقف عن تناولها، ضعيفة".
وشارك في هذه الدراسة 478 شخصًا من 150 عيادة صحية في المملكة المتحدة. وكل منهم عانى من نوبتي اكتئاب في الحد الأدنى، أو يتناول الأدوية المضادة للاكتئاب منذ عامين أو أكثر. وجميعهم يشعرون أنهم يتمتعون بصحة جيدة تخولهم أخذ القرار لوقف تناول أدويتهم.
وقال ألبرت: "هذه أكبر دراسة أُجريت في إطار الرعاية الصحية الأولية في العالم الحقيقي".
ولفت جاكسون إلى أنّ "هذا مهم لأن معظم مرضى الاكتئاب تتم إدارتهم بواسطة معالج الرعاية الأولية". وتابع أنّ "معظم هؤلاء يحيلون المرضى الذين لديهم أي ميول انتحارية، أو قاتلة، أو ذهانية، أو ثنائية القطب، أو لا يستجيبون للعلاج، إلى الأطباء النفسيين".
وتضمنت الدراسة المرضى الذين يتناولون جرعات من أربعة مضادات للاكتئاب هي: سيتالوبرام (سيليكسا)، وفلوكستين (بروزاك)، وسيرترالين (زولوفت)، وميرتازابين (ريميرون). وأشار الباحثون إلى أن مضادات الاكتئاب الشائعة الأخرى، مثل escitalopram (Lexapro)، لم تشملها الدراسة بسبب احتمال كبير بانسحاب هؤلاء.
وأُعطيت نصف المجموعة جرعات مخفضة من مضادات الاكتئاب على مدى شهرين. وبحلول مطلع الشهر الثالث، كان الجميع يتناولون الدواء الوهمي. بينما واصل النصف الآخر من المجموعة تناول جرعتهم المعتادة من مضادات الاكتئاب.
وبعد 52 أسبوعًا من المتابعة، سُجلت انتكاسة نسبة 56٪ من الأشخاص الذين تناولوا الدواء الوهمي مقارنة بـ39٪ من الأشخاص الذين استمروا في تناول الأدوية.
وأشارت لويس إلى أنّ: "المرضى الذين تناولوا دواء وهميًّا، تعرّضوا لانتكاسة بوتيرة أسرع من المرضى الذين استمرّوا في تناول مضادات الاكتئاب لديهم"، مضيفة أن أعراض الاكتئاب والقلق كانت أعلى في المجموعة التي توقفت عن تناول الأدوية. لكن هل يمكن أن تنجم هذه العوارض عن الإقلاع عن تناول الدواء مثلًا؟
وأوضح كندريك أنّه "ليس من السهل دومًا معرفة ذلك". ورأى أنه من الصعب تحديد سبب بداية شعور "شخص ما بالقلق، أو من اضطرابات بالنوم أو بالضعف. فهل مردّ ذلك إلى الاكتئاب، أم عوارض الإقلاع عن الدواء".
وبغض النظر عن مصدر هذه العوارض، فقد انسحب عدد من الأشخاص من الدراسة رغم أنهم لم يعرفوا ما إذا كانوا يتناولون الدواء أو دواءً وهميًا.
وعلّق ألبرت قائلًا: "عندما شعروا أنهم ليسوا بخير، فضلوا الانسحاب من التجربة واستئناف أدويتهم".
استخدام طويل الأمد
وفي ما يتعلق بنتائج الدراسة لجهة فوائد الاستخدام طويل الأمد لمضادات الاكتئاب، قال كيندريك إنه "من المطمئن معرفة أن مضادات الاكتئاب التي يتناولها الناس على المدى الطويل مفيدة لهم".
وأوضح ألبرت أن للعديد من هذه الأدوية آثارًَا جانبية، مثل زيادة الوزن والقصور الجنسي، لافتًا: "لذلك نحاول اختيار مضادات الاكتئاب وتعديل الجرعة للمريض حتى يتقبلها بشكل أفضل وحتى تكون آثارها الجانبية أخف".
وأشار ألبرت إلى أنه "مع ذلك، وبحسب معرفتنا، لا يوجد تداعيات بعيدة المدى، كأن يزيد تناول هذه الأدوية من خطر الإصابة بالسرطان، أو السكتة الدماغية، أو أمراض القلب، أو مشاكل الكبد".
وأوضح أن التوصيات الأخيرة تشير إلى "أن الإقلاع عن مضادات الاكتئاب يحتاج إلى أسابيع عدة"، لافتًا إلى أنه "في حال ظهرت عوارض التوقف عن الدواء، وأثرت سلبًا على صحتك، فقد تحتاج إلى أشهر عدة للتخلص منها".
ما الذي يمكن فعله أيضًا؟
ومضادات الاكتئاب، بالطبع، ليست العلاج الوحيد للاكتئاب. وقال ألبرت إن هناك العديد الأمور التي في الإمكان اللجوء إليها للتخفيف من عوارض الاكتئاب أثناء تناول الدواء، أو التخفيف من احتمال حصول انتكاسة عند وقف مضادات الاكتئاب، ومنها:
-
النشاط البدني
-
الأنشطة المجتمعية والتطوعية
-
العلاج النفسي