دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أعرب بعض مستشاري اللقاحات في الحكومة الفيدرالية بأمريكا عن "خيبة أملهم" و"غضبهم" لأنّ العلماء الحكوميين وشركة الأدوية "مودرنا" لم يقدّموا بيانات العدوى المتصلة بالجرعة المعززة ثنائية التكافؤ المضادة لـ"كوفيد-19"، خلال الاجتماعات التي عقدت العام الفائت، لمناقشة إمكانية ترخيص الجرعة وإتاحتها للعموم.
وتكشف هذه البيانات أنّ ثمة احتمال ألا تكون الجرعة المعززة المحدثة أكثر فاعلية للوقاية من الإصابة بـ"كوفيد-19" من سابقاتها.
وكانت البيانات مبكرة، وتتّسم بالعديد من القيود، لكن العديد من المستشارين قالوا لـCNN إنّ الافتقار إلى الشفافية يثير قلقهم.
وأنفق دافعو الضرائب في أمريكا قرابة 5 مليارات دولار على اللقاح المعزّز الجديد ثنائي التكافؤ، الذي أعطي لأكثر من 48.2 مليون شخص في الولايات المتحدة.
وقال الدكتور بول أوفيت، عضو اللجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية ذات الصلة، التي تضم مجموعة من المستشارين الخارجيين الذين يساعدون إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على اتخاذ القرارات في شأن اللقاحات: "كنت غاضبًا عندما اكتشفت أنّ هناك بيانات مهمة لاتخاذ قرارنا لم نتمكن من الاطلاع عليها". وأكدّ أنّ "اتخاذ القرارات الخاصة بالعموم يفترض أن يستند إلى جميع المعلومات المتوفرة، وليس فقط على بعض المعلومات".
وخلال اجتماعين للجنة الاستشارية التابعة لإدارة الغذاء والدواء عُقدا في يونيو/ حزيران، وسبتمبر/ أيلول، بهدف تقديم المشورة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، زُوّد الخبراء بكمّ هائل من المعلومات التي تشير إلى أنّ فعالية اللقاح الجديد أفضل من اللقاح المتاح راهنًا، وذلك بحسب مراجعة مقاطع الفيديو، ونصوص تلك الاجتماعات، وعروض الشرائح التي قدمها مسؤولو "مودرنا"، والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، وإدارة الغذاء والدواء.
واستندت هذه البيانات، التي سُميت ببيانات الاستمناع، إلى فحوصات الدم التي أجريت على المشاركين في الدراسة لتقييم مدى نجاح كل لقاح بإنتاج الأجسام المضادة التي تقاوم سلالة "أوميكرون" من الفيروس الذي يسبّب "كوفيد-19".
وبحثت البيانات غير المعروضة على الخبراء في الإصابات الفعلية: من أصيب بـ"كوفيد-19" ومن لم يُصب.
وأظهرت هذه البيانات أنّ 1.9٪ من المشاركين في الدراسة الذين تلقوا الجرعة الأساسية المُعززة أصيبوا بالعدوى. فيما أصيب بكوفيد 3.2٪ ممّن حصلوا على اللقاح الثنائي التكافؤ المحدث، الذي كان العلماء يأملون أن يعمل بشكل أفضل. وتبيّن أن الجرعتين آمنتين.
وكانت بيانات العدوى هذه غير مكتملة، وعدد الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد قليل جدّا، وكان كلّ من المرضى والباحثين على دراية بمن حصل على الجرعة المعززة الأصلية أو على الجرعة المعززة ثنائية التكافؤ الجديدة.
ورغم هذه العيوب، تم تضمين البيانات في دراسة ما قبل الطباعة التي نُشرت على الإنترنت في يونيو/ حزيران، ونُشرت مجدّدًا في سبتمبر/ أيلول ضمن ملف صادر عن إدارة الغذاء والدواء، ثم في وقت لاحق من ذلك الشهر في مجلة طبية رفيعة المستوى. وأفاد مستشارو إدارة الغذاء والدواء، والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، أنه كان يفترض مشاركة هذه البيانات معهم أيضًا.
وعلّق الدكتور إريك روبين، عضو اللجنة الاستشارية للقاح التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية أنها (اللجنة) "ليست مجموعة من الأطفال، نحن نفهم كيفية تفسير هذه النتائج".
وقال مستشارو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC) الستة، الذين تواصلت معهم CNN، إنّ بيانات العدوى هذه لكانت غيّرت تصويتهم، لأنّ البيانات كانت تشوبها الكثير من القيود، ورغم ذلك كان ينبغي إطلاعهم عليها.
وشدّد الدكتور أرنولد مونتو، أستاذ علم الأوبئة بكلية الصحة العامة في جامعة ميتشيغان، ورئيس مجموعة مستشاري إدارة الغذاء والدواء بالإنابة، "على وجوب وجود شفافية كاملة دومًا"، مشيرًا إلى أنّه "لا ينبغي حجب هذه البيانات. إنها مبكرة، لكنها تشي بأننا بحاجة إلى مراجعتها وتحديد قيمتها".
من جهته، أوضح الدكتور بابلو سانشيز، عضو لجنة المراكز الأمريكبة لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، متحدثًا باسم اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين، أنه في حال تمت مراجعة البيانات "كجزء من الدراسة، كان ينبغي تقديمها إلى المستشارين قبل اتخاذهم القرار".
وتعقد إدارة الغذاء والدواء، والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها اجتماعات لمجلسها الاستشاري، وتعرض البيانات أمام المستشارين. وخلال اجتماعات العام الفائت، قدّم المسؤولون التنفيذيون في شركة "مودرنا" عروضًا تقديمية لبياناتهم أيضًا. وقدّم المستشارون بعد ذلك توصياتهم إلى الوكالتين اللتين تقرران إذا كانتا ستوافقان على الجرعات وتصدران توصيات بها للجمهور.
وردّ كريستوفر ريدلي، المتحدث الرسمي باسم "مودرنا" برسالة إلكترونية بعثها لـCNN أنّ الشركة نشرت الدراسة التمهيدية قبل اجتماع لجنة الوكالة في يونيو/ حزيران "استجابة لطلبات مشاركة التحديثات المتصلة بالدراسة الجارية".
وكانت نشرت النسخة التمهيدية للدراسة على الإنترنت في 25 يونيو/ حزيران، أي قبل ثلاثة أيام من اجتماع مستشاري إدارة الغذاء والدواء.
وقال مايكل فيلبيرباوم، المتحدث الرسمي باسم إدارة الغذاء والدواء لـCNN، إنّ الوكالة تلقت الدراسة ما قبل الطباعة، قبل أقل من يوم من عقد اجتماع اللجنة الاستشارية"، وتابع أنّ "المعلومات لم تمنح للوكالة في إطار زمني مناسب كي يتم تضمينها مواد الاجتماع المرتقب، وبالعادة تناقش إدارة الغذاء والدواء البيانات فقط خلال اجتماعات اللجنة الاستشارية التي تسنّى لها فرصة مراجعتها بموضوعية".
ولفت فيلبيرباوم إلى أنّ "العديد من الدراسات تدعم أن اللقاحات المضادة لكوفيد-19، تبقى الأداة الأفضل للحماية من التداعيات الشديدة الناجمة عن هذا المرض مثل الاستشفاء والوفاة، وأنّ اللقاحات المحدثة قد تساعد بتوفير حماية أفضل ضد المتحوّرات المتداولة حاليًا".
وأضاف أنه "طوال فترة الجائحة، حافظت إدارة الغذاء والدواء على أن تكون شفافة قدر الإمكان، في كل ما يتعلق بعملياتها واتخاذ القرارات المتصلة بلقاحات كوفيد-19، وأنه كان بإمكان شركة مودرنا اختيار تقديم البيانات خلال اجتماع اللجنة الاستشارية الذي نظمته إدارة الغذاء والدواء".
واجتمع مستشارو إدارة الغذاء والدواء، ويبلغ عددهم 21 عضوًا مصوتًا، وهم خبراء بالأمراض المعدية ومختصين باللقاحات من جامعات ستانفورد وبنسلفانيا وهارفارد، يومًا كاملًا في 28 يونيو/ حزيران.
وقدم الدكتور ستيفن هوغ، رئيس شركة "مودرنا"، عرضًا للمستشارين ركز خلاله على المعلومات الواردة في دراسة ما قبل الطباعة المنشورة قبل ثلاثة أيام، غير أنه لم يتطرّق لأي جانب آخر أقل إيجابية من الدراسة حول الجرعة المحدثة.
وإلى ذلك لم يرد في الموجز الذي وزعته إدارة الغذاء والدواء على المستشارين والمؤلف من 22 صفحة، بيانات العدوى هذه.
ولم يأتِ الدكتور جيري وير، مدير قسم المنتجات الفيروسية في مكتب أبحاث ومراجعة اللقاحات التابع لإدارة الغذاء والدواء، على ذكر بيانات العدوى خلال عرضه التقديمي للمستشارين.
وفي نهاية اجتماع 28 يونيو/ حزيران، صوّت مستشارو إدارة الغذاء والدواء (FDA) بأغلبية 19 صوتًا لصالح التوصية بإدراج اللقاح المعزز من "كوفيد-19" المضاد لمتحوّر "أوميكرون". وصوّت كل من أوفيت، أستاذ التطعيم بكلية بيرلمان للطب في جامعة بنسلفانيا، والدكتور هنري بيرنشتاين، أستاذ طب الأطفال بكلية زوكر للطب في هوفسترا/ نورثويل في نيويورك، ضدّه.
وفي الشهر التالي، أعلنت الحكومة الأمريكية إبرامها عقدين لشراء المعزز الثنائي التكافؤ مع شركتي "فايزر" و"مودرنا" تباعًا، الأول بقيمة 3.2 مليار دولار (فايزر)، والثاني بقيمة 1.74 مليار دولار (مودرنا).
محدودية بيانات عدوى مودرنا
ووفقًا للمستشارين الستة الذين تواصلت معهم CNN، فإن بيانات العدوى لم تُضمَّّن العروض التقديمية لـ"مودرنا" و"إدارة الغذاء والدواء"، وتتّسم بالعديد من القيود الأساسية.
أولاً، شملت الدراسة عددًا صغير جدًا من المشاركين، حيث حلّلت مئات المرضى فقط، وأصيب 16 فقط بالعدوى. ولم ينته المطاف بأي منهم في غرفة الطوارئ أو دخول المستشفى.
ثانيًا، لم يتم اختيار المشاركين عشوائيًا لتلقي اللقاح الأصلي أو الجديد، ولم تكن الدراسة مزدوجة التعمية، ما يعني أن المشاركين والباحثين كانوا يعرفون من كان يتلقى اللقاح. وهذا الأمر قد يساهم بتحيّز نتائج الدراسة.
ثالثًا، لم يكن الغرض الأساسي دراسة معدلات الإصابة بل إجراء تحليلات المناعة، وأخذ الدم من المشاركين، وفحص استجابات الأجسام المضادة للقاح.
ولحظ ريدلي، المتحدث باسم "مودرنا"، هذه القيود في الردّ الذي أرسله إلى CNN أنّ "الهدف الأساسي من الدراسة كان تقييم سلامة ومناعة اللقاح الثنائي التكافؤ. لم تكن الدراسة عشوائية ولم تتحكّم في مخاطر العدوى على المشاركين، ما يجعل المقارنة مع عدد صغير نسبيًا من الأمور الإشكالية".
قرابة 5 مليارات دولار كلفة التعزيزات المحدثة
وفي 31 أغسطس/ آب، بعد مرور نحو شهرين على انعقاد اجتماع مستشاري إدارة الغذاء والدواء، منحت الوكالة رخصة الاستخدام للقاح "مودرنا" ثنائية التكافؤ. وتم تضمين بيانات عدوى "مودرنا" في القرار المكتوب الصادر عن الوكالة، بيد أنه لم يتم نشرها على موقعها الالكتروني حتى 13 سبتمبر/ أيلول، وفقًا لما ذكره فيلبيرباوم المتحدث الرسمي باسم إدارة الغذاء والدواء.
وفي الأول من سبتمبر/ أيلول، اجتمع مستشارو المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، وهم 14 عضوًا مصوتًا، للنظر في ما إذا كانوا سيُوصون بالمعززات ثنائية التكافؤ للأمريكيين في الخريف. وقدم العديد منهم البيانات في ذلك الاجتماع، لكنهم لم يضمّنوها بيانات العدوى.
وقالت كريستين نوردلوند، المتحدثة الرسمية باسم المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، لـCNN إن الوكالة كانت "على دراية" بالبيانات التي نشرتها لاحقًا مجلة New England Journal of Medicine، لكن تقييم العدوى كان "هدفًا استكشافيًا للدراسة"، وليس مصمّمًا لتقييم فعالية اللقاح". وأضافت أنه في تقييم العدوى، "استخدم الباحثون فترات ونقاط زمنية مختلفة بين مجموعة صغيرة جدًا من الأشخاص"، وبسبب محدودية البيانات، لم يؤتَ على ذكرها في الاجتماع.
وتابعت: "تقدم الوكالة توصيات اللقاح بعد تقييم وعرض فعالية اللقاح عالية الجودة أو بيانات تثبيط المناعة".
ووصف الدكتور ويليام شافنر، العضو في اللجنة الاستشارية للوكالة، الذي لا يتمتع بحق التصويت، حجة نوردلوند بأنها "ضعيفة جدًا".
وقال شافنر، اختصاصي الأمراض المعدية بالمركز الطبي في جامعة فاندربيلت: "البيانات محدودة، لكنها غنية بالمعلومات، وأعتقد أن المرء كان يتوقّع أن تشكل جزءًا من العرض التقديمي الكامل".
لا عذر لاستبعاد بيانات العدوى
وقال عالم سابق في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ساعد بإدارة قسم اللقاحات بالوكالة لـCNN إنه لو كان لا يزال في الوكالة، لكان دعا إلى مشاركة معلومات العدوى مع المستشارين، حتى لو قدمت قبل وقت قصير من الاجتماع.
وأوضح الدكتور فيليب كراوس، الذي شغل منصب نائب مدير مكتب أبحاث ومراجعة اللقاحات التابع لإدارة الغذاء والدواء حتى استقالته في أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "لا أعتقد أن هناك أي عذر لاستبعاد البيانات"، حتى مع ما يشوبها من عيوب.
وأضاف أن "فشل الشركة بتقديم هذه المعلومات خلال اجتماع مستشاري إدارة الغذاء والدواء، وإغفال المناقشة حول البيانات في ذلك الاجتماع يثير تساؤلات حول القدرة العملية على تقديم مراجعة كاملة وشفافة للبيانات".
ولفت كراوس إلى أنّ همّه الرئيسي كان الحفاظ على، أو استعادة، ثقة الجمهور بإدارة الغذاء والدواء. مشيرًا إلى أنّ المراجعة الموضوعية التي أجرتها إدارة الغذاء والدواء (FDA) للبيانات هي ما يمنح قيمة مهمة للشعب الأمريكي، لأنهم بهذه الطريقة يعرفون أن ليس لها مصلحة في النتيجة، وبحثت في كل التفاصيل الممكنة لهذه البيانات".
و,افق العديد من المستشارين في الوكالتين كراوس، وأعربوا عن غضبهم من ذلك. وقال أوفيت: "الوكالتان، سواء إدارة الغذاء والدواء، أو مراكز مكافحة الأمراض، لا يمكنهما اتخاذ هذا القرار عنا. هذا هو الهدف من وجود لجنة استشارية مستقلة".
قياس الاستجابات المناعية
وبعد حوالي شهر من اجتماع مستشاري مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها، صدرت دراسات عن باحثين في هارفارد وكولومبيا تشير إلى أنّ اللقاحات الجديدة لم تعمل بشكل أفضل من اللقاحات الأصلية.
وقامت تلك الدراسات، التي كانت صغيرة جدًا ولم يتم نشرها إلا قبل الطباعة، وليس في مجلة طبية، بقياس الاستجابات المناعية بعدما حصل الأشخاص على اللقاح الثنائي التكافؤ مقارنة مع النسخة الأصلية من اللقاح.
وأكد الدكتور ديفيد هو، أستاذ علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في كولومبيا الذي وضع فريقه إحدى الدراسات: "لم نرَ فرقًا جوهريًا" بين المعززات القديمة والجديدة بعد حوالي شهر من تلقي الحقنة.
ويرتقب أن يجتمع المستشارون مرة أخرى لمناقشة أنظمة التطعيم المستقبلية المضادة لكوفيد في 26 يناير/ كانون الثاني.
وقال أوفيت، مستشار اللقاح التابع لإدارة الغذاء والدواء، إن دراسات كولومبيا وهارفارد أقنعته بشكل أكبر بأن بيانات العدوى وجميع التحذيرات ذات الصلة، كان ينبغي إعطاءها للمستشارين منذ البداية. وأشار إلى أنّ "هذا الأمر لم يكن مقبولاً. أتفهّم أنّنا في منتصف جائحة. لكن لا يمكن فعل ذلك. لقد زعزعتم إيماني بكيفية اتخاذ هذه القرارات".