دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أظهرت دراسة شملت نحو 4 ملايين كوري جنوبي أنّ استهلاك كأسًا واحدة أو اثنتين من الكحول يوميًا على نحو منتظم، يقلّل من احتمالات الإصابة بالخرف.
وفي المقابل، إذا فاقت الكمية المستهلكة معدل كأسين يوميًا، فإنّ ذلك يزيد من خطر الإصابة بالخرف، بحسب الدراسة التي نُشرت يوم الاثنين في مجلة "JAMA Network Open".
وقال المؤلف الأول الدكتور كيون هاي جيون، الأستاذ المساعد بـ"CHA Gumi Medical Center" في جامعة "CHA" بجومي، كوريا الجنوبية، لـCNN: "لقد وجدنا أن الانتظام بتناول الكحول على نحو خفيف إلى معتدل، بالإضافة إلى تقليل استهلاك الكحول من المستوى المفرط إلى المعتدل يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالخرف".
ورأى الدكتور ريتشارد إيزاكسون، الباحث في مرض الزهايمر، وطبيب الأعصاب الوقائي بمعهد الأمراض العصبية التنكسية في ولاية فلوريدا الأمريكية، غير المشارك في الدراسة أنّ "هذه الدراسة أجريت بشكل جيد، وهي قوية للغاية لشمولها على 4 ملايين شخص، ولكن يجب أن نتحلى بالحذر، حتى لا نبالغ بتفسير النتائج".
ومن جهة أخرى، وجدت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC) أنّ تعاطي الكحول قد يشكل عامل خطر للإصابة بسرطان الثدي وأنواع أخرى من السرطان، ويمكن أن يساهم استهلاك الكثير من الكحول بمشاكل في الجهاز الهضمي، وأمراض القلب والكبد، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية، وضعف جهاز المناعة بمرور الوقت.
ولفت إيزاكسون إلى أنّ هناك تنبيهات أيضًا في شأن مرض الزهايمر. على سبيل المثال، إذا كان لدى الشخص نسخة أو أكثر من المتغير الجيني لـAPOE4، الذي يزيد من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وفي تلك الحالة، فإن الشرب ليس خيارًا جيدًا.
وتابع: "لقد ثبت أنّ الكحول ضار بالدماغ لدى الأشخاص المصابين بهذا الجين الخطير، وحوالي 25٪ من سكان الولايات المتحدة يحملون نسخة واحدة من APOE4".
تحجيم استهلاك الكحول
وراجعت الدراسة الجديدة السجلات الطبية للأشخاص المشمولين بخدمة التأمين الصحي الوطنية الكورية (NHIS)، التي توفر فحصًا صحيًا مجانيًا مرتين في السنة للكوريين الجنوبيين المؤمّن عليهم الذين يبلغون من العمر 40 عامًا وما فوق. بالإضافة إلى إجراء العديد من الاختبارات، حيث سأل الباحثون المشاركين عن عادات الشرب والتدخين، وممارسة الرياضة.
ونظرت الدراسة في البيانات التي تم جمعها بين عامي 2009 و2011، وصنّفت الأشخاص وفق مستويات الشرب المبلّغ عنها ذاتيًا. وإذا قال شخص ما إنه يشرب أقل من 15 غرامًا من الكحول يوميًا، فإنه يُعتبر مستهلكًا "معتدلاً".
وفي الولايات المتحدة، يحتوي المشروب القياسي على 14 غرامًا من الكحول، وهو ما يعادل تقريبًا 12 أونصة من الجعة العادية، أو 5 أونصات من النبيذ، أو 1.5 أونصة من المشروبات الروحية المقطرة.
وإذا أخبر المشاركون في الدراسة الأطباء أنهم شربوا 15 إلى 29.9 غرامًا في اليوم، أي ما يعادل مشروبين قياسيين في الولايات المتحدة، فقد صنّفهم الباحثون على أنهم يشربون "باعتدال". وإذا قال الناس إنهم شربوا أكثر من 30 غرامًا، أو ثلاثة كؤوس أو أكثر في اليوم، فقد اعتبرهم الباحثون من "الأشخاص الذين يفرطون بالشرب".
وقال جيون إنّ "الباحثين نظروا أيضًا في استهلاك الأشخاص لكمية الكحول ذاتها التي يشربونها أو قاموا بتعديل الكمية بين عامي 2009 و2011".
وأشار إلى أنه "من خلال قياس استهلاك الكحول في نقطتين زمنيتين، تمكنّا من دراسة العلاقة بين تقليل استهلاك الكحول، والتوقف عن تناولها، والانتظام بشربها، أو الإفراط بتناولها، والخرف الناتج عن الحوادث".
ومن ثم قارن الفريق تلك البيانات بالسجلات الطبية لعام 2018، بعد سبع أو ثماني سنوات، لمعرفة ما إذا كان أي شخص شارك في الدراسة قد تم تشخيصه بالخرف.
وبعد ضبط العمر، والجنس، والتدخين، ومستوى التمرين، وعوامل ديموغرافية أخرى، وجد الباحثون أنّ الأشخاص الذين قالوا إنهم يشربون بمستوى معتدل بمرور الوقت، أي نحو مشروب في اليوم، كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 21٪ من الأشخاص الذين لم يشربوا أبدًا.
ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين قالوا إنهم استمروا بالشرب بمستوى معتدل، أو بمعدل كأسين يوميًا، كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 17٪.
وقال إيزاكسون إنّ "على المرء أن يكون حذرًا عند تفسير الدراسات باستخدام السجلات الطبية. يمكن أن تكون محفوفة بالتحديات لجهة كيفية ترميز الأمراض ودراستها". وتابع: "في أي وقت تطلب فيه من الناس أن يتذكروا سلوكياتهم، مثل الشرب، فإنه يترك مجالًا لأخطاء الذاكرة".
مخاطر زيادة الشرب بمرور الوقت
ولم يستمر النمط الإيجابي مع زيادة الشرب. ووجدت الدراسة أنّ الأشخاص الذين يشربون بكثرة، أي ثلاثة كؤوس أو أكثر يوميًا، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 8٪.
وإذا قلّل الأشخاص الذين يفرطون بشرب الخمر حدّ المستوى المعتدل، فإن خطر إصابتهم بمرض الزهايمر ينخفض بنسبة 12٪، كما ينخفض خطر الإصابة بالخرف لأسباب مختلفة بنسبة 8٪.
ورغم ذلك، قال إيزاكسون إن الناس لا يجيدون الحكم على كمية الكحول التي يشربونها.
وأضاف: "على سبيل المثال، لا يراقب الناس حقًا كم يشربون من النبيذ". وتابع: "قد يعتقدون أنهم يشربون كأسًا من النبيذ بحجم قياسي، لكنه يعادل في الحقيقة كأسًا ونصف الكأس في كل مرة. ولم يعد هذا استهلاكًا قليلًا أو معتدلًا".
وإلى ذلك، يعتقد الكثير من الأشخاص أنهم يشربون الكحول باعتدال، ويشربونها خصوصًا في عطلة نهاية الأسبوع. وتظهر الدراسات أن الإفراط بتناول المشروبات الكحولية آخذ بالارتفاع في جميع أنحاء العالم، حتى بين البالغين.
وأوضح إيزاكسون أنه "إذا تناول شخص ما 5 كؤوس من المشروبات يومي السبت والأحد، فهذا يعني 10 كؤوس أسبوعيًا، وسيكون هذا الشخض مؤهلاً لتناول المشروبات الكحولية بشكل معتدل". ولفت إلى أنه "بالنسبة لي، هذا ليس مماثلًا لتناول كأس نبيذ على مدى فترة خمسة أيام في الأسبوع مع وجبة طعام، ما يؤدي إلى إبطاء الاستهلاك".
ووجدت الدراسة الجديدة أيضًا أن البدء بالشرب بمستوى معتدل كان مرتبطًا بانخفاض خطر الإصابة بالخرف لجميع الأسباب ومرض الزهايمر.
ومع ذلك، أشار جيون إلى أنه "لا توصي أي من الإرشادات الصحية الحالية بالبدء في تناول الكحول"، مضيفًا أنه نظرًا لأن الدراسة كانت قائمة على الملاحظة، فلا يمكن تحديد السبب والنتيجة.
وقال جيون: "لا يمكن ترجمة النتائج التي توصلنا إليها في ما يتعلق بالبدء باستهلاك الكحول باعتدال مباشرة إلى توصيات إكلينيكية، وبالتالي يستدعي الأمر دراسات إضافية لتأكيد هذه الارتباطات بشكل أكبر".
وكانت دراسة نُشرت في مارس/ آذار 2022، وجدت أنّ نصف لتر واحد فقط من الجعة أو كأسًا من النبيذ يوميًا يمكن أن يقلص الحجم الكلي للدماغ، مع زيادة الضرر وفقًا لكمية المشروبات اليومية.
وقال إيزاكسون: "لم أقترح شخصيًا على أي شخص أن يبدأ بشرب كميات معتدلة من الكحول إذا كان يمتنع عن شرب الكحول". وتابع: "لكن في الحقيقة لا يوجد مقاربة واحدة تناسب الجميع لجهة تقديم النصيحة للمريض بشأن استهلاك الكحول".