دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يمكن لمعظم الرّجال الذين شُخّصت إصابتهم بسرطان البروستات تأخير أو تجنّب العلاجات القوية من دون التأثير على فرصهم في البقاء على قيد الحياة، وفق ما أظهرته نتائج جديدة لدراسة طويلة الأمد في المملكة المتحدة.
وقلّل الرّجال المشاركين في الدّراسة مع أطبّائهم بغية مراقبة أورام البروستات المتدنية إلى متوسطة الخطورة (استراتيجيّة يطلق عليها تسمية المراقبة أو المراقبة النشطة)، من خطر تعرّضهم لمضاعفات مغيّرة للحياة، مثل تسرّب البول، وضعف الانتصاب، التي يمكن أن تتبع العلاج المكثّف للمرض.
لكنّهم لم يكونوا أكثر عرضة للوفاة نتيحة السّرطان مقارنةً مع من خضعوا لعمليّة جراحيّة لاستئصال البروستات، أو من عولجوا بحاصرات الهرمونات، والإشعاع.
وقال مؤلفّ الدّراسة الرّئيسي، الدّكتور فريدي حمدي، أستاذ الجراحة والمسالك البوليّة في جامعة "أكسفورد" إنّ "الخبر السّار أنّه في حال تم تشخيصك بسرطان البروستات، فلا داعي للذّعر، وخذ وقتك لاتخّاذ القرار".
واتّفق خبراء آخرون غير مشاركين في البحث، على أنّ الدّراسة كانت مُطمئِنة للرّجال الذين شُخِّصوا بسرطان البروستات، وأطبّائهم.
ولا تنطبق النّتائج على من يعاني من سرطان البروستات عالي الخطورة.
وأشار حمدي إلى أنّ هذه السرطانات الشّديدة، التي تمثّل حوالي 15% من جميع حالات سرطان البروستات، لا تزال بحاجة إلى علاجٍ سريع.
لكن بالنّسبة لآخرين، تقدم الدّراسة إضافةً إلى مجموعة متزايدة من الأدلّة تُظهر أنّ مراقبة سرطان البروستات هو الأمر الصّحيح الذي يجب القيام به في كثير من الأحيان.
وعُرِضت نتائج الدّراسة السّبت في المؤتمر السّنوي للجمعيّة الأوروبيّة لجراحة المسالك البوليّة بميلانو في إيطاليا، كما نُشِرت دراستان عن البيانات في مجلّة "New England Journal of Medicine"، ومجلّة "NEJM Evidence".
مرض شائع بخطورة منخفضة غالبًا
ويُعد سرطان البروستات ثاني أكثر أنواع السّرطانات شيوعًا بين الرّجال في الولايات المتحدة، بعد سرطانات الجلد غير الميلانينيّة.
وتنمو معظم سرطانات البروستات ببطءٍ شديد، وعادةً ما يستغرق ورم محصور في البروستات 10 أعوام لتظهر أعراضه الخطيرة.
وأكّدت الدّراسة، التي استمرّت لأكثر من عقدين، ما أدركه العديد من الأطبّاء والباحثين، أنّ غالبيّة سرطانات البروستات المُكتشفة من خلال اختبارات الدم، التي تقيس مستويات بروتين يُدعى مستضد البروستات النّوعي (PSA) لن تؤذي الرّجال خلال حياتهم، كما أنّها لا تحتاج إلى علاج.
وأوضح الدّكتور أوليفر سارتور، المدير الطبّي لـ"مركز تولين للسّرطان"، أنّ على الرّجال إدراك أنّ الكثير من الأمور تغيّرت بمرور الوقت، وأنّ الأطبّاء حسّنوا مقاربة التّشخيص منذ بدء الدّراسة عام 1999.
وأشار سارتور، الذي كتب افتتاحيّة عن الدّراسة رُغم أنه غير مشارك فيها، إلى أن الرّجال المشمولين في الدّراسة كانوا في المراحل الأولى من السّرطان، وكانوا في الغالب أقل عرضة للإصابة.
والآن، يمتلك الأطبّاء المزيد من الأدوات، ضمنًا التّصوير بالرّنين المغناطيسي، والاختبارات الجينيّة التي قد تساعد على توجيه العلاج، وتقليل التّشخيص المفرط، بحسب ما قاله.
وخوفًا من أن تكون نتائجهم بلا صلة بالأشخاص اليوم، أعاد العلماء تقييم مرضاهم باستخدام الأساليب الحديثة لتصنيف سرطانات البروستات.
ووفقًا لتلك المعايير، يعني ذلك إصابة حوالي ثلث مرضاهم بمرضٍ متوسّط أو شديد الخطورة، وهو أمر لم يغير الاستنتاجات.
هل يعادل تقليل العلاج رعاية أفضل؟
عندما بدأت الدراسة 1999، كان فحص مستضد البروستات النّوعي (PSA) الرّوتيني للرّجال هو المعيار.
وشجّع العديد من الأطباء إجراء الاختبار السنوي لمرضاهم الذّكور عندما يتخطون الخمسين من العمر.
وهذا الاختبار حسّاس، لكنّه ليس دقيقًا.
ويمكن للسّرطان أن يرفع من مستوى مستضد البروستات النّوعي، لكن يمكن لأمور أخرى القيام بذلك أيضًا، مثل العدوى، والنّشاط الجنسي، وحتّى ركوب الدّراجة.
وتتطلّب الاختبارات التي تُظهر ارتفاع مستوى مستضد البروستات النّوعي المزيد من التقييم.
وقال سارتور: "بشكلً عام، يُعتقد أنّ حوالي 30% فقط من الأفراد الذين يعانون من ارتفاع مستضد البروستات النّوعي سيُصابون بالسّرطان بالفعل. ولا يحتاج معظم هؤلاء إلى العلاج".
وعلى مرّ الأعوام، أظهرت الدّراسات والنّمذجة أنّ استخدام اختبارات "PSA" العاديّة للكشف عن سرطان البروستاتا قد يضر أكثر ممّا ينفع.
وبحسب بعض التّقديرات، لا يستفيد ما يصل إلى 84% من الرّجال المصابين بسرطان البروستات، الذي تم الكشف عنه خلال الفحص الرّوتيني، من رصد السّرطانات في أجسادهم لأن مرضهم لن يكون مميتًا بحلول وفاتهم نتيجة أسباب أخرى.
وقدّرت دراسات أخرى معاناة حوالي 1 إلى 2 من كل 5 رجال يعانون من سرطان البروستات، من الإفراط في العلاج.
العلاج لم يؤثّر على فرص البقاء على قيد الحياة
راقبت التّجربة أكثر من 1،600 رجل شُخِّصوا بسرطان البروستاتا في المملكة المتحدة بين عامي 1999 و2009.
عانى جميعهم من سرطان لم ينتشر في أجزاء أخرى من أجسادهم.
ولدى انضمامهم، قُسِّم الرجال بشكلٍ عشوائي إلى ثلاث مجموعات: مجموعة المراقبة النشطة التي استخدم فيها اختبارات الدّم المنتظمة لمراقبة مستويات المستضد البروستاتي النّوعي لديهم، ثم مجموعة العلاج الإشعاعي، التي استخدمت فيها حاصرات الهرمونات والإشعاع لتقليص الأورام، إضافةً إلى مجموعة استئصال البروستات.
وتمكّن الرجال الذين وُضِعوا ضمن مجموعة المراقبة النشطة من الانضمام لمجموعة أخرى في حال تطوّر مرضهم.
وقد تمت متابعة معظم الرّجال منذ 15 عامًا تقريبًا، ووفق تحليل أحدث البيانات تمكّن الباحثون من الحصول على معلومات متابعة حول نسبة 98% من المشاركين .
وبحلول عام 2020، توفّي 45 رجلاً، أي حوالي 3% من المشاركين، بسبب سرطان البروستات.
ولم تكن هناك فوارق كبيرة في معدل وفيّات سرطان البروستات بين المجموعات الثّلاثة.
ويرى حمدي أنّ استنتاجات الدّراسة تستحق أخذها بعين الاعتبار من قبل الرّجال وأطبّائهم أثناء تقييمهم لطرق العلاج.