دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يتحاشى البعض عبارة مؤشر كتلة الجسم (BMI) رغم أنه ليس أكثر من قياس بدائي لدهون الجسم على أساس الطول والوزن. وقد اخترعه الباحثون بغية معرفة كيف يؤثر الوزن على تطور المرض والحالات الصحية المزمنة. بالنسبة لتلك الدراسات، فإنّ توزيع الناس على فئات الوزن بحسب مؤشر كتلة الجسم أثبت نجاحه.
وكانت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC) أشارت إلى أنّ الأبحاث أظهرت أنه بالتوازي مع ارتفاع مؤشر كتلة الجسم تزداد أيضًا مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة، ضمنًا أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكوليسترول، والسكري من النوع 2، ومشاكل الجهاز التنفسي، والسكتة الدماغية، والأمراض العقلية، وتوقف التنفس أثناء النوم، وهشاشة العظام، والألم الجسدي، و13 نوعًا من أمراض السرطان في الحد الأدنى.
بيد أنّ النقاد لفتوا إلى أنّ مصطلح مؤشر كتلة الجسم بات يستخدم كحكم مجتمعي، من خلال تصنيف الأفراد ضمن فئات تكرّس المفاهيم الخاطئة حول وزن الجسم. ورغم ردود الفعل العنيفة المناهضة لـ"الخجل من البدانة"، فإن وصمة العار الاجتماعية للبدانة المضادة للوزن الزائد أو البدانة المفرطة ما برحت جذورها عميقة، بحسب البحث.
وقالت جوان هندلمان، الممرضة المسجلة والمديرة السريرية للتحالف الوطني لاضطرابات الأكل إنّ مجتمعنا ووسائل التواصل الاجتماعي يروّجون لـ’إنّ عليك أن تكون أنحف، وأنك لست على ما يرام إن لم تكن كذلك‘. كما أنك لا تتمتع بصحة جيدة إن لم تكن نحيفًا، رغم أنه في وسعك أن تتمتع بصحة جيدة وأن تكون ضخمًا، تمامًا مثلما يمكنك أن تكون نحيفًا وتعاني من مشاكل صحية".
وقالت سوزان فيبرت المناصرة للدفاع عن التمييز ضد الوزن، والعضو في مجلس إدارة منظمة Project HEAL غير الربحية المكرسة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الأكل: "أضع كلمة ’السمنة المفرطة‘ بين مزدوجين لأنني شخصياً أجدها مهينة".
وتابعت: "لكن حتى صحيًا باتت الصحة تعادل الوزن، والوزن يساوي الصحة استنادًا إلى مؤشر كتلة الجسم. وهذا ليس صحيحًا".
وأوضح توماس وادين، أستاذ علم النفس بكلية بيرلمان للطب في جامعة بنسلفانيا، أنّ قياس مؤشّر كتلة الجسم قد يكون خاطئًا جدًا في بعض الحالات.
وأضاف المدير السابق لمركز بيرلمانز لاضطرابات الوزن والأكل: "فكر في امرأة شابة يبلغ طولها 5 أقدام و5 بوصات وتزن 160 رطلاً. بحسب مؤشر كتلة الجسم ستكون على حافة زيادة الوزن مع مؤشر كتلة الجسم 25". لكنّه لفت إلى أنّها "قد تتمتّع بعضلات كثيرة، وقد يكون معظم وزنها مركزًا في الجزء السفلي من جسدها، فلا يُضر بصحتها مثل تركّز الوزن في الجزء العلوي من الجسم".
كيف تحدّد مؤشر كتلة الجسم لدى البالغين؟
لحساب مؤشر كتلة الجسم لدى البالغين، يقسم الوزن على الجذر التربيعي لطول الشخص.
كما هو محدد حاليًا، فإن مؤشر كتلة الجسم المتراوحة بين 18.5 و24.9 يعتبر وزنًا صحيًا، وما بين 25 و29.5 يعتبر زيادة وزن، وبين 30 و34.9 يعتبر سمنة مفرطة، وبين 35 و39.5 يعتبر سمنة مفرطة من الدرجة الثانية، وأي شيء يزيد عن 40 يعتبر سمنة "شديدة" أو سمنة من الدرجة الثالثة، التي كانت تسمى السمنة المرضية. أما الأشخاص ناقصو الوزن فهم من قلّ مؤشر كتلة الجسم لديهم عن 18.5.
تزن العضلات والعظام أكثر من الدهون، لذا يمكن لقياسات مؤشر كتلة الجسم المبالغة في تقدير دهون الجسم لدى الرياضيين والأشخاص ذوي البنية العضلية أو هيكل الجسم الأكبر. خلاف ذلك، قد يقلل مؤشر كتلة الجسم من دهون الجسم لدى كبار السن وأي شخص فقد العضلات، وفقًا لكلية هارفارد ت.هـ تشان للصحة العامة في بوسطن.
المزيد من الألغاز: تمتلك النساء بطبيعة الحال دهونًا أكبر في الجسم وكتلة عضلية أقل من الرجال، في حين أن بعض المجموعات العرقية والإثنية مهيئة وراثيًا لحمل كتلة عضلية أكثر أو أقل دهونًا في الجسم.
ويعتبر استخدام مؤشر كتلة الجسم على الأطفال إشكالية أيضًا، بحسب مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها، لأن نطاق الوزن الصحي للطفل يعتمد على مؤشر كتلة الجسم بين 5 و85 قيمة مئوية على مخططات النمو الخاصة بالوكالة.
ولحظت الوكالة أنه "من الصعب توفير نطاقات وزن صحي للأطفال والمراهقين لأن تفسير مؤشر كتلة الجسم يعتمد على الوزن والطول والعمر والجنس".
استنادًا إلى كل ما سبق، على الأهل التخلي عن حاسبة مؤشر كتلة الجسم لدى البالغين لتحديد حالة وزن أطفالهم، بحسب الوكالة.
الحاجة إلى "صورة أكبر وأوسع"
قال الدكتور جاستن رايدر، الأستاذ المساعد في الجراحة وطب الأطفال بكلية الطب في جامعة نورث وسترن بشيكاغو، إنه لا يزال هناك دور لاستخدام مؤشر كتلة الجسم في مكتب الطبيب.
وذكر رايدر أنّ "هناك بيانات كافية لدعم أنه إذا كان لديك وزنًا كافيًا لفترة طويلة كافية، فإن المرض المزمن سيلحق بذلك". وأضاف أنّ ذلك "قد لا يكون على شكل ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري، أو أمراض القلب، بل مشاكل في العضلات والعظام، أو الاكتئاب، أو مشاكل نوم تؤثر على نوعية الحياة".
ووجد الباحثون أنّ الخلايا الدهنية ترسل إشارات التهابية إلى الأنسجة المحيطة بها، ضمنًا النوع عينه من السيتوكينات التي تسببت بـ"عواصف السيتوكين" جراء "كوفيد-19" التي أدخلت العديد من المرضى إلى العناية المركزة.
وأوضح رايدر أنّ "الدهون ليست مجرد وعاء تخزين، بل نسيجًا نشطًا للغدد الصماء. لذا، كلما طالت مدة حملك للسمنة أو الدهون الزائدة، كلما طالت مدة احتياجها إلى إفراز بعض السيتوكينات الالتهابية والعوامل الأخرى المرتبطة بالأمراض المزمنة".
ونصح رايدر بالتوجه إلى أطباء ينظرون إلى صورة أكبر وأوسع". ولفت إلى أنّ عليهم "معاينة المرضى البالغين وليس فقط القول لهم، ’حسنًا، مؤشر كتلة جسمك هو 31، تحتاج إلى إنقاص وزنك‘، لأن هذا ليس بالضرورة الإجابة الصحيحة الدائمة".
هل ثمة طرق أخرى؟
إذا كان مؤشر كتلة الجسم مرهقًا للغاية، فلِمَ لا يستخدم الأطباء أدوات قياس أخرى؟
محيط الخصر، على سبيل المثال، يعتبر طريقة أخرى لقياس الدهون في الجسم، سيّما نوع الدهون الأكثر خطورة على الصحة: الدهون الحشوية أو "المخفية" التي تختبئ تحت عضلات البطن، وقد تصيب الأشخاص النحيفين وتدعى هذه الحالة TOFI، أو "نحيفة من الخارج، دهون من الداخل".
وتلتف الدهون الحشوية داخل وحول الكبد والقلب والكلى والأمعاء، وتفرز البروتينات الالتهابية التي تزيد من مخاطر ارتفاع الكوليسترول، وأمراض القلب، والسكتة الدماغية، والسكري من النوع 2، ومقاومة الأنسولين، ومرض الزهايمر وأنواع الخرف الأخرى.
وأشار وادن إلى أن "على محيط خصر الرجال أن يكون أدنى من 40، فيما محيط خصر النساء يجب أن يكون أدنى من 35". وتابع أن "كل ما يزيد عن هذه الأرقام يؤدي إلى ظهور دهون داخل البطن في الجزء العلوي من الجسم ويرجح أن ترتبط بمضاعفات صحية".
تشمل أدوات القياس الأخرى طريقة نسبة الخصر إلى الارتفاع، أو طريقة WTHR، التي تحسب من خلال قسم محيط الخصر على الطول. يصف بعض الباحثين هذه الأداة بأنها مؤشر ممتاز لصحة القلب والأوعية الدموية مستقبلًا. إنها سهلة الاستخدام وأقل اعتمادًا على العمر.