دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- توصلت العديد من الدراسات إلى وجود رابط بين العزلة الاجتماعية، والشعور بالوحدة، وخطر الموت المبكر، لكن بعض النتائج كانت مثيرة للجدل أو مختلطة، وفقًا لما ذكرته الورقة التي نُشرت في مجلة "Nature Human Behavior"، الاثنين.
وقال تورهان كانلي، أستاذ علم الأعصاب التكاملي بقسم علم النفس في جامعة ستوني بروك بمدينة نيويورك الأمريكية، غير المشارك في الدراسة، إن هذه النتائج المتضاربة قد يكون مردّها إلى البحث الذي تركز فقط على مجموعة أو منطقة معينة.
والورقة البحثية الجديدة عبارة عن تحليل تلوي لـ90 دراسة فحصت الروابط بين الوحدة، والعزلة الاجتماعية، والموت المبكر لدى أكثر من مليوني شخص بالغ. وتمت متابعة المشاركين في الدراسة بين ستة أشهر و25 عامًا.
وكان الأشخاص الذين عانوا من العزلة الاجتماعية أكثر عرضة بنسبة 32٪ للوفاة باكرًا لأي سبب مقارنة مع أولئك الذين لم يعيشوا العزلة الاجتماعية.
وكان المشاركون الذين أبلغوا عن شعورهم بالوحدة أكثر عرضة للوفاة باكرًا بنسبة 14٪ مقارنة مع الأشخاص الذين لم يفعلوا ذلك.
وقالت جوليان هولت لونستاد، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة بريغهام يونغ بولاية يوتا الأمريكية، والعالمة الرئيسية في التقرير الاستشاري الأخير حول الجراحة العامة الأمريكية المتصلة بالعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، غير المشاركة في الدراسة إنّ البحث يسلًط الضوء على تأثير العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة على الوفاة المبكرة.
وحددت الدراسة الجديدة العزلة الاجتماعية، بأنها عندما يعاني شخص ما من نقص موضوعي في الاتصال بأشخاص آخرين، ويمكن أن ينطوي الأمر على وجود شبكة محدودة حوله أو العيش بمفرده.
ومن ناحية أخرى، يُقصد بالوحدة الشعور بالضيق إذا كان هناك تناقض بين جودة العلاقات الاجتماعية وما يطمح إليه الفرد، وفقًا لما ذكره التحليل التلوي.
وحول هذا الأمر، قال أنتوني أونغ، وهو أستاذ علم النفس ومدير مركز العلوم التنموية التكاملية ومختبرات الصحة البشرية في جامعة كورنيل بمدينة نيويورك الأمريكية، غير المشارك في البحث، إنّ شخصًا ما في هذه الحالة قد يشعر بأن علاقاته غير مرضية إذا لم تتم تلبية احتياجاته بالتواصل أو العلاقة الحميمة.
ولفتت هولت لونستاد إلى أنّ "الأمريكيين يقضون المزيد من الوقت في عزلة، ومع ذلك لا نعتبر أن ذلك يشكّل خطرًا، خصوصًا إذا كان ذلك خيارهم"، موضحة أنه "يفترض الناس أنه لا بأس، بل وربما يكون من الجيد لنا أن نعيش العزلة إذا لم نشعر بالوحدة".
الشعور بالوحدة والعزلة في الجسد
وقال كانلي إنّ العزلة الاجتماعية أو الوحدة يمكن اعتبارهما أحد أشكال التوتر، لافتًا إلى "أنّنا قد نشعر جميعًا بالوحدة من وقت لآخر، لكن عندما يكون هذا الشعور مستمرًا، فقد يكون بمثابة شكل من أشكال التوتر المزمن، وهو أمر غير صحي". وتابع أن "إحدى الطرق التي يمكن أن يحدث بها ذلك هي من خلال هرمونات التوتر التي تؤثر سلبًا على الجسم".
وكان المشاركون الذين تم عزلهم اجتماعيًا ولديهم إصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أكثر عرضة للوفاة مبكرًا من أولئك غير المصابين بالمرض. كما أن الأشخاص الذين يعيشون العزلة الاجتماعية ولديهم إصابة بسرطان الثدي، هم أكثر عرضة للوفاة بسبب المرض مقارنة بالأشخاص غير المعزولين اجتماعيا.
وقال كانلي إن الموت باكرًا لأي سبب أو بسبب مرض قلبي وعائي قد يكون مرتبطًا أيضًا بسلوكيات نمط حياة الناس: "الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة الاجتماعية، أو الوحدة، يميلون إلى اتباع عادات غير صحية، مثل التدخين، وتعاطي الكحول، والنظام الغذائي السيئ، (أو) ممارسة قليلة للتمارين الرياضية".
ورأى الخبراء أنّ عوامل عديدة قد تساهم في العزلة الاجتماعية التي يكون لها تأثير أقوى على مخاطر الوفاة المبكرة من الشعور بالوحدة.
وقال مؤلف الدراسة الأول فان وانغ، أستاذ علم الأوبئة في جامعة هاربين الطبية بالصين، إنّ "الأشخاص الذين يختبرون الوحدة، لكنهم ليسوا معزولين اجتماعيًا، يعانون من ضغوط نفسية، ولكنهم قد يتمتعون بمرونة بسبب شبكاتهم الاجتماعية"، حتى لو لم تكن هذه الشبكات تمامًا كما يريدها شخص ما.
وأضاف كانلي أنّ امتلاك شبكة اجتماعية صغيرة، أو اتصال ضئيل أو معدوم بالعالم الخارجي يمكن أن يقلل من احتمالية تلقي الشخص للرعاية الطبية إذا لم يكن لديه أي شخص يقوم بفحصه.
وأشار أونغ الذي كان أيضًا بين العلماء المشاركين في تقرير الجراحة العامة إلى أنه "في حين أنّ هذا التحليل التلوي مهم في تقديم دليل داعم للآثار الضارة للعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، إلا أن هناك حاجة ملحة لتجاوز الأسئلة المتعلقة بالآثار المستقلة والنظر في تفاعلهم المشترك".
وأضاف أن هذه الدراسة الإضافية ستمهد "الطريق لفهم أعمق وتدخلات فعالة".
توسيع الروابط الاجتماعية
وأوضح وانغ أن الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يجب أن يسعوا بجد للحصول على الدعم الاجتماعي.
ونصح كانلي بضرورة التفكير "بالحفاظ على شبكة اجتماعية مثل أي نشاط آخر لتعزيز الصحة، مثل ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الطعام بشكل جيد، والاعتناء بنفسك".
وأضاف أن تنمية صِلاتك الاجتماعية أولوية من خلال عدم اقتصارها على "إلقاء التحية" على شخص ما بالإجازات فقط، أو من خلال التفكير في طرق للانخراط بأنشطة قد تعرضك لدوائر جديدة من الأشخاص ذوي التفكير المماثل.
وقال وانغ إن تطوير التدخلات بمساعدة أفراد الأسرة والشبكات المجتمعية أمر بالغ الأهمية.