دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كان عمر أوين مونرو 18 يومًا عندما دخل التاريخ، وأصبح أول شخص في العالم يخضع لعملية زرع قلب جزئي.
وجذبت جراحته الرائدة التي خضع لها في عام 2022، انتباه كتّاب السيناريو في هوليوود الذين كتبوا سيناريو قصته لصالح حلقة جديدة من الدراما الطبية طويلة الأمد "Grey’s Anatomy".
وفي دراسة نُشرت في مجلة "JAMA"، وثّق أطباؤه إنجازًا آخر: لأوّل مرة، ينمو النسيج المستخدم لإصلاح قلب أوين، وهو هدف طال انتظار تحقيقه في هذا النوع من التدخلات الجراحية.
عند إجراء العملية الأولى له، كان قلب أوين بحجم ثمرة الفراولة. اليوم، يبلغ من العمر 20 شهرًا، وأصبح قلبه بحجم حبة المشمش تقريبًا، وقد واكبت الصمامات والأوعية الدموية الجديدة نموه، ما يعني أنه بخلاف غالبية الأطفال الذين يولدون ويعانون من العيب عينه، قد لا يحتاج إلى عمليات قلب أكثر خطورة خلال حياته.
يسعى الباحثون لجعل نمو صمّامات القلب حقيقة واقعة من خلال هندسة الأنسجة، وإنباتها من الخلايا في المختبر. وقد نجحت هذه المقاربة على الحيوانات، لكنها لم تنجح بعد على البشر.
وقالت الدكتورة كاثلين فينتون، رئيسة قسم التقنيات المتقدمة والجراحة في المعهد الوطني للقلب والرئة والدم، غير المشاركة في الدراسة: "هذا تقدم هائل". وقد كتبت مقالة افتتاحية أخيرًا، حول إمكانية إجراء عمليات زرع القلب الجزئي.
وتابعت فينتون أنه "طفل واحد، أليس كذلك؟ لذا عليك إجراء الأبحاث، ومتابعة هؤلاء الأطفال على المدى الطويل ومعرفة ما يحدث بالفعل. لكن أعتقد أن الأسباب تتضافر كي تجعلنا نأمل بأن يشكّل ذلك تقدمًا رائدًا لمجموعة فرعية من الأطفال الذين ليس لديهم خيارات جيدة".
هذا التدخل الجراحي ينتشر بسرعة. فمنذ الجراحة التي خضع لها أوين، أُجريت 12 عملية زرع قلب جزئي أخرى للأطفال، تسعة منها في مستشفى ديوك هيلث، المستشفى الذي أجرى العملية. وقد مكّنت هذه التقنية أيضًا من إجراء عمليات "زراعة الدومينو"، وعمليات زرع الجذور المنفصلة التي تسمح لقلب متبرع واحد بإنقاذ حياة طفلين رضيعين مصابين بأمراض خطيرة.
في عملية زرع الدومينو، يحصل الطفل الأول، الذي يولد بعضلة قلب ضعيفة لا تستطيع ضخ الدم بشكل كافٍ، على قلب كامل متبرع به بينما يحصل الطفل الثاني على الأوعية الدموية والصمامات السليمة من الرضيع الأول. في عملية زرع الجذر المنفصل، يتم التبرع بالأجزاء العاملة من القلب لطفلين رضيعين.
وعلّقت فينتون قائلة إن "القفزة الكبيرة هذه تتمثّل بقدرتك على الاستفادة من الأجزاء المانحة التي لا يمكن استخدامها بطريقة أخرى".
وأوضح الدكتور جوزيف توريك، رئيس قسم جراحة قلب الأطفال في مستشفى "ديوك هيلث"، والجرّاح الذي ابتكر عملية زرع القلب الجزئي، أنه يعتقد أنها يمكن أن تساعد مئات الأطفال سنويًا في الولايات المتحدة.
وأضاف توريك، المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة: "أعتقد أن ذلك، في نهاية المطاف، سيكون محدودا بعدد المتبرعين. نُجرى 500 عملية زرع قلب للأطفال سنويًا في هذا البلد، وبالتالي فإنّ غالبية هؤلاء الأطفال الذين يحصلون على قلب، سيكون قلبهم القديم متاحًا. يمكننا استخدام صماماتهم. لذلك أعتقد وآمل أن هذا قد يساعد أكثر من ألف طفل سنويًا".
رائد صغير
علم نيك وتايلر مونرو، والدا أوين، أنه يعاني من عيب خطير في القلب عندما أجريا فحصًا متعمقًا بالموجات فوق الصوتية في الأسبوع العشرين من نموه.
كان لدى أوين عيب خلقي نادر يُطلق عليه اسم "الجذع الشرياني".
عادة، يتمتع الأشخاص بشريانين دمويين رئيسيين يخرجان من أعلى القلب. أحدهما، الشريان الرئوي، يرسل الدم الأزرق الذي استنزف الأكسجين إلى الرئتين لالتقاط مزيد من الأوكسيجين، فيما يرسل الآخر، الشريان الأورطي، دمًا أحمر غنيًا بالأكسجين لتغذية بقية الجسم.
في حالة الجذع الشرياني الذي يصيب حوالي 250 طفلًا يولدون في الولايات المتحدة سنويًا، يتم دمج هذين الشريانين، ممّا يسمح للدم المؤكسج وغير المؤكسج بالاختلاط. كما أنهم يفتقرون أيضًا إلى الصمام اللازم لمنع تدفق الدم إلى الخلف، ويُولد العديد من المصابين بهذه الحالة بثقب بين غرفتي الضخ السفليتين في قلبهم.
غالبًا ما يعاني الأطفال الذين لديهم إصابة بالجذع الشرياني من ضائقة بعد الولادة مباشرة. يتدفق الكثير من الدم إلى رئتيهم، ما يجهد الأكياس الهوائية الصغيرة. نظرًا لأنّ الدماء غير مؤكسجة بشكل جيد، فقد يبدو لونهم أزرقًا ويصعب عليهم التنفس.
وقال نيك مونرو: "كنا نعلم، حتى قبل ولادته، أنه سيخضع لعملية قلب مفتوح في سنّ صغيرة جدًا، ومن ثم سيجري ربما عددًا من العمليات الجراحية قبل أن يصبح مراهقًا، وبضع عمليات جراحية أخرى بعد ذلك مدى حياته".
وأوضح توريك أن حالة أوين كانت أكثر خطورة.
عادة، عندما يُصاب الطفل بالجذع الشرياني، يحتاج الجراحون إلى استبدال صمام القلب الرئوي فقط الذي لم يولدوا به. غالبًا ما تكون لديهم القدرة على حفظ واستخدام الصمام الوحيد الذي يحتاجه الطفل ليكون مكان الصمام الأبهري.
وفي حال أوين، حتى الصمام الوحيد الذي كان لديه لم يعمل بشكل جيد.
يعتقد الطبيب الذي شاهد أول فحص بالموجات فوق الصوتية بعد الولادة أن أوين سيحتاج إلى عملية زرع قلب كاملة. لكن في اليوم التالي، اقترب توريك من والدي أوين وقدم لهما حلًا بديلاً: لقد كان يمارس تقنية جديدة يمكنها استبدال الأجزاء المعيبة من قلب أوين بأوعية وصمامات حية من متبرع متوفى في الآونة الأخيرة.
وسألت تايلر مونرو، والدة أوين، الطبيب عن عدد المرات التي أجرى فيها هذا الإجراء. قال نيك مونرو: "لقد فعلت ذلك خمس مرات، على الخنازير الصغيرة".
اتخاذ القرار
أخبرهم توريك أنه إذا نجحت الجراحة فلن يحتاج أوين إلى المزيد من عمليات القلب المفتوح. إذا قام بإصلاح قلب أوين باستخدام الصمامات المجمدة المأخوذة من الجثث، فإن فرصة بقاء ابنهما على قيد الحياة تبلغ 50٪ فقط.
قالت مونرو إنهم أدركوا أنّ الأمر محفوف بالمخاطر، لكنهما كانا يعلمان أيضًا أنّ ابنهما قد لا ينجو بأي طريقة أخرى. لقد كان بالفعل يعاني من قصور في القلب. لم يتمكن المستشفى من إعطائه عملية تحويل مسار القلب والرئة المنقذة للحياة التي تُعرف باسم ECMO لأن قلبه التالف لم يكن قادرًا على التعامل معها.
أشارت مونرو إلى أنه "لم تتوفر أي رعاية طارئة يمكن تقديمها له، أكثر ممّا فعلوا". وأضافت: "قيل لنا إنه لابد أنه كان قرارًا صعبًا، لكن عندما يقول لك جرّاحك: ’حسنًا، هذا شريان الحياة‘، فإنك ستغتنم الفرصة".
لقد وافقا على تجربة عملية الزرع الجزئي، ثم انتظرا. وقالت مونرو والدة أوين، وهي ممرضة في وحدة العناية المركزة للأطفال، وكانت تعرف جيدًا ما كان يحدث: "كل يوم، كان يبدو كأنه مصابًا باليرقان الشديد".
وبعد أكثر من أسبوعين، حصلوا على أول بارقة أمل: فقد عثر المستشفى على قلب مطابق. لم تكن عضلة قلب المتبرع مناسبة للزرع، لكن الصمامات والأوعية الدموية قد تساعد أوين. نقل الموظفون الأخبار السارة في صباح يوم 22 أبريل/ نيسان 2022. وبحلول الساعة 3 مساءً، كان أوين يخضع لعملية جراحية.
أخيرًا، حوالي منتصف الليل، خرج توريك ليخبرهم أن العملية انتهت، وأن كل شيء سار جيدًا.
ومنذ ذلك الحين، نما أوين، وأصبح الآن طفلًا صغيرًا سعيدًا ونشطًا يحقق مراحل نموه.
وزن المخاطر
هناك مقايضات مع عمليات زرع القلب الجزئية. لا يزال أوين بحاجة إلى دواء يثبط جهاز المناعة لديه حتى لا يرفض الأجزاء المزروعة من قلبه، لكنه يحتاج إلى جرعة منخفضة.
عادةً، عندما يرفض الجهاز المناعي قلبًا متبرعًا به باعتباره دخيلًا، فإنه يرفض عضلة القلب. لا يوجد عدد كبير من العلامات في الأنسجة التي تشكل الأوعية الدموية والصمامات، لذلك فهي ليست تفاعلية.
وأوضح توريك أنهم ما زالوا يدرسون كيفية استجابة الجسم لهذا النوع من عمليات زرع الأعضاء لمعرفة ما إذا كانت لديهم القدرة على تحسين نظامه بشكل أكبر.
يمكن للأدوية التي تثبط وظيفة المناعة أن تساعد للحفاظ على الحياة، لكنها أيضًا تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والسرطان. لذا فإن الهدف هو إيجاد حل طويل الأمد.